الفائز بجائزة الأدب العربي: أحب الكتابة بحرية وروايتي أول عمل يكون بطله "مثلي" (حوار)
حوار-هبة خميس ورنا الجميعي:
كان مشواره طويلًا، فقد بدأ الكتابة منذ أن كان في المرحلة الثانوية، منذ ذلك الوقت يجري محمد عبد النبي وراء الأسئلة، تُراوغه فيكتب عنها مُحاولًا الوصول إلى إجابة تُرضيه، وفي رحلته وراء الأسئلة قد صار كاتب قصة ورواية ومُترجمًا، بارعًا في كل منهم على حدة.
وها هو ينال التقدير على عَدْوِه ذاك، منذ أسابيع قليلة أعلن معهد العالم العربي في باريس، فوز عبد النبي، بجائزة الأدب العربي لعام 2019، عن روايته "في غرفة العنكبوت" المُترجمة إلى الفرنسية، والصادرة عام 2016، والتي وصلت للقائمة القصيرة بجائزة البوكر العربية عام 2017.
وتدور أحداث الرواية حول سيرة "هاني محفوظ"، و قضية "الكوين بوت" التي حوكم فيها أكثر من 50 رجلًا في تهم صدر ضدهم أحكام مختلفة عن تهمة "المثلية الجنسية" عام 2001.
يُخلص عبد النبي للكتابة، فقد صدر له حتى الآن خمس مجموعات قصصية، وروايتان، ذُكرت إحداهم، أما الثانية في "رجوع الشيخ" عام 2011، والتي وصلت للقائمة الطويلة في البوكر أيضًا.
بعد عودته من باريس حاور مصراوي الكاتب محمد عبد النبي، مُحتفيًا بفوزه بالجائزة التي تُسلّط ضوءًا أكثر حوله كمُبدع، فخلال مشواره الطويل مع الكتابة كانت تلك الجائزة الأولى التي ينالها خارج مصر والعالم العربي. داخل الحوار يتحدث عبد النبي عن شعوره بالفرح حالما علم بالفوز، ومشواره الأدبي، والأسئلة التي تتجدد بداخله، و يسترجع كواليس الكاتب من أيام عمل مرهقة وشكوك ويأس يُساوره أحيانًا؛ فإلى نص الحوار..
-صف لنا شعورك حين حملت لك الأخبار فوزك بجائزة معهد العالم العربي بباريس؟
- كانت مفاجأة سارة بكل تأكيد، كنتُ أعرف أن كتابي مرشح للجائزة منذ فترة وتمنيت الفوز بها بطبيعة الحال، لكن عندما علمت بالخبر من مترجم الرواية السيد جيل غوتييه قبل إعلانها رسميًا بنحو شهر ونصف فرحت جدًا، لأنها جائزة ذات ثِقل ثقافي وأدبي، وحصل عليها من قبل كتَّاب كبار من جميع البلاد العربية، كما أنها أول جائزة أحصل عليها خارج مصر والعالَم العربي، فلها قيمتها المعنوية الخاصة عندي.
-فوزك بالجائزة يحمل قدرًا من الإلتزام، ما المسئولية التي تشعر بها بعد الفوز؟
أحاول أن أتناسى، بقدر الإمكان، مسألة المسئولية هذه، وعمومًا أحاول أن أتناسى أيضًا مسائل الجوائز والنقد والقراء عندما أعود للكتابة مرة أخرى، لكي لا يكبلني كل هذا، فلا أستطيع معاودة اللعب بحرية.
-في إحدى حواراتك عن روايتك "في غرفة العنكبوت" شبهت بداية الكتابة فيها ببدايات الحُب ووصفت بقية المرحلة بـ"التعب اللذيذ". أخبرنا عن بداية الكتابة والذي دفعك إلى تلك الفكرة؟
بداية العمل على فكرة "في غرفة العنكبوت" كانت على مراحل مختلفة، ففي الأوّل كانت قصة قصيرة من ثماني صفحات غير منشورة، بعنوان "رجل لرجل"، وظلَّت مركونة لفترة لا بأس بها، وأثناء عملي على مشروع آخر تذكّرتها، وأحسست أنها مشروع رواية حقيقية، وكلما كنت أنصت للشخصية الرئيسية، هاني محفوظ، كان يفضي لي بالمزيد عن حياته وعن علاقاته وعن أزمته، فبدأت العمل بانتظام عليها، دون تفرغ تام، لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، وفي المراحل الأولى من العمل على المسودة تذكرت قضية الكوين بوت، وبدأت البحث عنها وقراءة كل التقارير الحقوقية الخاصة بها، لكي أشكل صورة واضحة ودقيقة عن أجواء العمل.
- وما الصعوبات التي قابلتها خلال فترة البحث؟
لم تكن هناك صعوبات خاصة غير الصعوبات التقنية المعتادة في مثل هذا النوع من الروايات من قبيل ألَّا تتحوَّل الرواية إلى مجرد انعكاس للقضية الحقيقية، كما وردت في التقارير والسجلات والمواد المنشورة على الانترنت، وأن أظل مُحتفظًا بالبُعد الشخصي الإنساني للحكاية من غير خطابية أو زعيق.
-أول رواية عربية تُكتب عن المثلية.. هكذا حظت روايتك بذلك الوصف، هل تعتبرها أولى الروايات بالفعل؟
بكل تأكيد ليست هذه أوَّل رواية عربية تُكتَب عن مسألة الميول العاطفية المثلية، سبقتها أعمال عديدة، في مصر ومن دول عربية أخرى، ومن أجيال مختلفة تمتد حتَّى بعض أعمال نجيب محفوظ مثل شخصية المعلم كرشة في زقاق المدق، أو شخصية رضوان ابن ياسين عبد الجواد في السكَّرية وغيرها من شخصيات حديثة، مثل حاتم رشيد في عمارة يعقوبيان. لكن ربما يكون الفرق الأساسي هو أن الميول المثلية لم تكن هي المحور الأساسي لهذه الأعمال، كما أنها لم تُرو بالضمير الأوَّل، أي على لسان الشخص المثلي الذي يُسمَع صوته في العنكبوت، وهو يحكي حكايته بنفسه بدون حواجز.
-أنت قاص ومترجم وأديب ومدرب كتابة، ما ترتيبهم بالنسبة لك من حيث الأهمية والأقرب لقلبك؟
عَمليًا ليس هناك ترتيب، دائمًا تكون الأولوية للمَهمة التي أعمل عليها في الوقت الراهن أيًا كانت. لكن لا شك أنَّ الكتابة عمومًا هي الأقرب إلى نفسي، أيًا كانت نوع الكتابة، والكتابة الإبداعية أقرب إليَّ من الكتابة غير الإبداعية، لكن مع ذلك فإن الترجمة أو التدريب على الكتابة أو كتابة المقالات أحيانًا، كلها روافد أخرى تثرى التيار الرئيسي وتضيف إليه وتعلمني أشياء جديدة طوال الوقت.
-في بدايتك اتجهت لفن القصة قبل الرواية، فما السبب في كتابتك للقصة أولًا، وإلى ماذا تميل أكثر ؟
لا زلتُ أعتبر نفسي كاتب قصة في الأساس، ودائمًا تخطر لي أفكار ومشاريع قصص، والرواية طبعًا منجز كبير لمَن استطاع إليها سبيلًا، لكنها تحتاج إلى تكريس وقت وجهد وتركيز بمقادير غير طبيعية، ربما لا تتاح للكثيرين منا، فإما أن يأتي هذا على حساب أدوارهم الأخرى في الحياة، وإمَّا أن تكون النتيجة ضعيفة وغير موفقة. وهكذا ما مِن سبب لكتابتي القصة أولًا لأنني لا أعتبر نفسي انتقلت من جغرافيا إلى أخرى أو من لغة إلى الأخرى، فالتقنيات هي ذاتها في الحالين، الفرق فقط في مسائل مثل نوع الالتقاط ومساحة العمل، فضلًا عن قدر الجهد المبذول نظرًا لامتداد الرواية وليس أكثر.
ما قيمة الجوائز بالنسبة للكاتب في رأيك؟
كل جائزة أدبية دفعة تشجيع للكاتب، لكن الجوائز "يانصيب"، تخضع لمئات الظروف والعوامل الأخرى إلى جانب قيمة العمل الأدبي نفسه.
ماذا عن أول جائزة لك قبل 20 عامًا.. حدثنا عنها؟
أوَّل جائزة لي، صندوق التنمية الثقافية 1999، كانت أقرب إلى حظ المبتدئين، وكانت دفعة قوية للغاية لأن أدرك أنني أفعل شيئًا مهمًا وله معنى وقيمة، ولا بد أن أواصل ممارسته، لأنني كنت في نهاية المرحلة الثانوية وبداية المرحلة الجامعية. كنت محظوظًا على العموم مع الجوائز الأدبية، رغم عدد كبير من الجوائز التي لم أفز بها مثل أي كاتب آخر.
-شبهت وصولك للقائمة القصيرة للبوكر بالمعجزة الصغيرة، وأنها تضع مسئولية كبيرة على عاتقك، ما شكل تلك المسئولية وتبعاتها؟
الوصول للقائمة القصيرة للبوكر عن رواية في غرفة العنكبوت، ربما كان هو الأهم بالنسبة لي لأنه أتاح لي نطاقًا أوسع، وأتاح للرواية فرصة أكبر من تسليط الضوء والقراءة مصريًا وعربيًا. طبعًا مسألة المسئولية موجودة دائمًا، مع كل جائزة، لكنها من بين الأشياء التي لا بد أن يتخذ الكاتب منها مسافة آمنة لكي يستطيع أن يتحرك بلا قيود قدر الإمكان.
-قلت ذات مرة "الكاتب لو معندوش سؤال أو فكرة عايز يقولها فمش لازم يكتب"، هل وصلت لإجابات مع تجربتك في الكتابة ؟وما هي الأسئلة التي لاتزال في جُعبتك؟
لا توجد إجابات، أو بالأحرى لا توجد إجابات نهائية، ربما تكون إجابات مُؤقَّتة صالحة للاستعمال لفترة من الوقت، ثم لا تلبث أن تبهت وتشحب وتترك مكانها لأسئلة جديدة وطازجة، لذلك فإن الأسئلة أقوى لأنها من ناحية لا تنتهي، ومن ناحية تجدد وجودها باستمرار.
-يبدو ممن يقرأ عنك من بعيد، أنك كاتب يسير بخطى ثابتة وناجحة. هل تُساورك أية شكوك تجاه موقفك من الكتابة، أم أنك تسير بذلك اليقين الذي يبدو من بعيد؟
هذه مسألة معقدة للغاية، لأنَّ ما يبدو في الظاهر قد يبتعد كثيرًا عمَّا يجري في الداخل. الآخرون لا يرون من الكاتب غير لحظات التتويج وحفلات التوقيع وكتابه جاهزًا بالغلاف والذواق والجوائز وخلافه، لا يرون أيام العمل المرهقة ومحاولة التوفيق بين مهام عديدة وساعات اليأس والإحباط والقلق والشكوك، إلى آخر القائمة السوداء. الكاتب ليس قطارًا يسير في ثبات من محطة إلى التالية، بل هو أقرب إلى مركب في الريح ووسط الأمواج، لا مرفأ له محدد، بل مرافئ عديدة مؤقتة، لذلك فلا يقين بالمرة تجاه أي شيء، غير فكرة مواصلة الإبحار، أي مواصلة الكتابة طالما استطعنا ذلك، وطالما ظل يوفر لنا نفس الفرحة والتحقق.
-مشوارك في الكتابة له عدة محطات، إذا يمكن تسمية محطتك الآن فيها، فماذا يُمكن أن تسميها، وإلي أين تتجه بعد ذلك؟
لا اسم عندي لمحطتي الراهنة، غير أنني أتمنى وأنوي إعطاء المزيد من الوقت للقراءة والكتابة، ولا أعرف إلى أين سأتجه بعد ذلك، هناك مشاريع وأفكار، لكني لا أعرف أيها سيأخذني من كل شيء لأخلص له تمامًا.
- وما هي أمنياتك للفترة القادمة في مشوارك مع الكتابة؟
أمنيتي الأساسية، الآن ومن قبل ذلك، أن أواصل العمل، وأن أستطيع بين الحين والآخر مغادرة مناطق الأمان والراحة التي اعتدتها في الكتابة، وخوض مغامرات جديدة أعيد يها اكتشاف نفسي ككاتب وكإنسان.
فيديو قد يعجبك: