"أولاده وزوجته ماتوا بسبب الحروق".. رحلة "جمال" الفاشلة في علاج أسرته بالصعيد
كتب - محمود عبدالرحمن:
طوال 15 يومًا؛ ظل "جمال جابر"، يبحث عن مركز متخصص في علاج الحروق، على أمل علاج زوجته وأولاده الثلاثة، بعدما نشب حريق في منزلهم، على إثر تسريب من أسطوانة غاز. تنقّل الرجل، الذي يسكن في قرية أولاد نجم بمركز نجع حمادي في محافظة قنا، من مركز إلى مركز، ومستشفى إلى مستشفى، لكن دونما علاج، حتى أخذ الموت أسرته كلها، زوجته وأولاده الثلاثة، وبقي الرجل وحيدًا بلا زوجة ولا أبناء.
يوم وقوع الحادث، خرج الرجل الخمسيني من منزله في الثامنة صباحًا، متجهًا إلى المقهى الخاص به كعادته اليومية، ليأتيه الخبر بعد ساعات على لسان أحد الجيران الذي هرول إلى المقهى ليخبره بنشوب حريق بمنزله "روحت لقيت النار في كل حته وجريت بيهم على مستشفى نجع حمادي" لم تفلح محاولة الرجل في إنقاذهم في ذلك المستشفى التي حولتهم إلى مستشفى المحافظة لعدم وجود مركز بالحروق بها.
"خلونا نشترى شاش وقطن من بره على حسابنا علشان يتحملوا السفر لقنا"، يقول جمال، الذي خاض رحلة مأساوية طويلة رافقه فيها أقاربه وأهالي قريته، حمل فيها أولاده وزوجته ما بين مستشفى قريبة ومستشفى تبعد عن محل إقامته مئات الكيلومترات بسبب نقص الإمكانيات، ما أدى إلى تأخر تلقي زوجته وأبنائه العلاج.
في منزل الأسرة المكون من ثلاثة طوابق، باتت حياة الرجل الخمسيني موحشة بدون أسرته، لم يعد يتحمل العيش بمفرده بعدما بات المنزل خاويًا، لا يحب أن يعود إليه بعدما غابت أصوات زوجته وأولاده التي اعتاد عليها، بات يسكن قرب المقهى الخاص به، في "عِشّة" صغيرة، يقول "هروح أعمل إيه ياريت كنت مُت معاهم ولا إني أقعد وحدي، ماتوا وسابوني.. عمري ما هنسى منظرهم قدامي وهما محروقين" يذكرها والدموع تنهال من عينيه، فيما لم تغادره مشاهد أولاده في ذلك اليوم، وكأن الحريق قد حدث بالأمس رغم مرور 60 يومًا على الحادث.
"الأم ماتت في مستشفى قنا عشان مفيهاش أي إمكانيات" يقولها محمد أحمد، أحد أقارب الأسرة والذي عايش رحلة تنقلهم بين المستشفيات، يتذكر لحظة وصول الأسرة إلى مستشفى قنا ووضعها بداخل إحدى الغرف بالطابق الثالث تحمل لافتة مركز الحروق وبها 6 أسرّة "رجال ونساء"، دون وجود رعاية مركزة لذا لفظت الأم أنفاسها الأخيرة متأثرة بإصابتها عقب وصولها بساعتين تاركة أولادها في رحلة البحث عن العلاج، يقول "أخدنا الأم من وسط الأبناء ولما سألوا قولنا هنحولها لمستشفى تاني" لتقرر المستشفى بعد وفاتها بتحويل اثنين من الأبناء إلى مستشفى الحوامدية بالجيزة والثالث لمستشفى الأقصر الدولي.
الدكتور محمد حمدي، مدير مستشفى نجع حمادي، يؤكد ما ذكره جمال جابر حول عدم جاهزية المستشفى لاستقبال حالات الحروق، مضيفًا أن المستشفى منذ إنشائها لا يوجد بها مركزًا للحروق، وتقوم بتحويل المرضى إلى مركز الحروق بمستشفى المحافظة، فيما يقول أن من الأسباب الأخرى لعدم إنشاء مركز حتى الآن، هو ضيق مساحة الوحدة الصحية التي تشغلها مستشفى نجع حمادي حاليًا نظرًا لإحلالها وتجديدها منذ خمس سنوات، أما عن تحويل الأسرة من مستشفى قنا إلى مستشفيات أخرى بعد يومين، يقول بأن حالة الأسرة كانت تحتاج إلى عناية مركزة في الحروق وهذا ليس موجود بالمستشفى لذا تم تحويلهم إلى مستشفيات خارج حدود المحافظة.
لم يترك أهالي القرية "جمال جابر" وأسرته، وقفوا جانبه وقدموا مساعداتهم، قام بعضهم بجمع الأموال من أهالي القرية، لتحمّل نفقة علاج الأبناء وتحويلهم إلى المستشفيات الخاصة المتخصصة في علاج الحروق بعد غياب علاجهم بالمستشفيات الحكومية، حتى لا يلاقوا مصير والدتهم "الأهالي في البلد جمعوا فلوس للمساعدة وقسمنا نفسنا ناس راحت الحوامدية وناس في الأقصر" يقول محمود ثاقب، أحد أقارب الأسرة، غير أنهم صدموا بعد يومين بوفاة الابن الأصغر "جابر" المحوّل إلى مستشفى الحوامدية نتيجة التهاب ما بعد الحروق وتأخر تلقي العلاج، مما زاد الحزن لدى القرية.
وبحسب التقارير الطبية فإن إصابات الأسرة كانت خطيرة تحتاج إلى عناية مركزة متخصصة، حيث بلغت نسبة حروق الابن الأكبر عماد جمال، 35 عامًا، أكثر من 55%، بينما بلغت نسبة حروق الابن الأصغر جابر جمال، 25 عامًا، أكتر من 70%، فيما بلغت نسبة حروق شقيقهم محمد جمال، 29 عامًا، بنسبة 75%، مما كان يلزم وضعهم في عناية مركزة "كل الدكاترة كانت بتقول الوقت اتأخر كانوا محتاجين يدخلوا رعاية بعد الحريق بثلاث ساعات كحد أقصى"، يقول ثاقب.
رحل الأبناء واحدًا تلو الآخر، في غضون 15 يومًا، لحقوا بأمهم، ليعيش رب الأسرة جمال جابر "أكبر صدمة في حياته"، وفق ما يقول، يتذكر اللحظات العصيبة التي عاشها حين كان يسمع عن خبر وفاة أحد أبنائه يومًا بعد يوم، وبينهم "عماد جمال"، 32 عامًا، الذي توفي متأثرًا بحروقه، تاركًا خلفه زوجته وبناته الثلاث، التي لم يزد عمر أكبرهن عن 5 سنوات، فيما يبلغ عمر الطفلة الصغيرة شهران، فيما يبدي جمال جابر غضبه بعدم وجود مركز حروق متخصص وعناية مركزة في محافظة كاملة لخدمة الأهالي يقول "لو في إمكانيات وعناية مركزة كانوا أولادي عاشوا".
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2015، فإن 37% من ضحايا الحروق يلقون مصرعهم بسبب قلة مراكز علاج الحروق التي توفر الرعاية الطبية اللازمة لعلاج الضحايا، فيما تحتاج أكثر من 60% من حالات الحروق إلى سرير بإحدى العنايات المركزة لمدة تبدأ من شهر وتصل لـ 3 شهور، وهذا يعتبر السبب الرئيسي لرفض المستشفيات قبول الحالات.
النائب خالد خلف، عضو مجلس النواب عن دائرة نجع حمادي، تقدم بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، ووزيرة الصحة، عقب الحادث مباشرةً، شارحًا معاناة أهالي محافظة قنا في البحث عن مركز حروق لحظة إصابة أي شخص، ما يجبرهم للسفر خارج حدود المحافظة، مطالبًا وزارة الصحة بإنشاء مراكز متخصصة لعلاج الحروق، نظرًا لما يعانيه المواطنون في الصعيد.
فيما قال الدكتور رمضان الخطيب، وكيل وزارة الصحة بمحافظة قنا، لمصراوي، إن الوزارة تركز اهتمامها بالفترة المقبلة، بإنشاء مركز حروق متكامل وعناية مركزة بمستشفى نجع حمادي العام، بعد الانتهاء من عملية الإحلال والتجديد التي تشهدها مستشفيات المحافظة منذ سنوات، ومنها مستشفى نجع حمادي، موضحًا بأن الوزارة كانت تتابع حالة الأسرة التي توفيت خطوة بخطوة مضيفًا أن السبب في تحويلهم من مستشفى قنا على الرغم من وجود مركز حروق بها، هو احتياج الأسرة لعناية مركزة وليست مركز حروق فقط وهذا ليس موجود بالمستشفى، وفق ما قال.
فيديو قد يعجبك: