"سيدة المواعين" في الموالد.. نبيلة تخدم "محبي آل البيت" من 62 سنة
كتبت وتصوير- شروق غنيم:
لم تفارق نبيلة مصطفى مسيرة عائلتها في الموالد، تتذكر حين كانت تبلغ ثمان سنوات ورافقت أبيها في مولد الحسين لأول مرة حيث كان يُقيم خدمة، تلّقفت بداخلها مهام بسيطة " كنت أغسل المواعين، أو أبويا يقولي خدي وكلي عمك ده، أو شيلي عنه الأكل، قدميله شوية مية وشاي" تتذكر ذلك بينما مرّ على هذه اللحظة 62 عامًا. صارت سيدة سبعينية، زادت تجاعيد وجهها ووهنت قدرتها غير أنها لا تزال تذهب للموالد، عادت لسيرتها الأولى "بقيت باجي أغسل حبة المواعين مطرح اللي كلوا".
داخل الممرات المحيطة بمسجد السيدة نفيسة، اتخذ البعض منها مستقرًا لإقامة خدمات خلال ستة أيام من إقامة مولد السيدة نفيسة، الذي بدأ الجمعة الماضية وانتهى أمس الأربعاء. من بين تلك الخدمات، الخاصة بالشيخ محمد مصطفى، الذي يُكمل مسيرة والده في إقامة الخدمات ومعه شقيقاته.
تُيمت السيدة نبيلة بالخدمة في الموالد "كنت أحب أنزل مع أبويا محبة لآل البيت"، تدودد لله بمساعدة المحتاجين، لكن أجواء إعداد طعام الخدمة الأكثر متعة لها في التجربة. تتجمع السيدات الست "كلنا أخوات في بعض ونسايب"، تتوزع عليهن المهام كل حسب مهارته "نادية معروفة بنفسها الحلو في الأكل فبتبقى مسئوليتها" غير أن باقي السيدات يساعدنها أيضًا "بنقعد قبل المولد بيومين نملا حلة كبيرة محشي، نادية تعملنا الخلطة وإحنا نلفه، ونعمل لحمة بقى وخيرات ربنا"، وحين ينتهين من إعداه "بنطلع بالحلل فوق راسنا على فرن قريب مننا يسويه".
لكن قبل ستين عامًا كان للسيدة نبيلة تجربة مع إعداد الطعام، أوكلت لها مهمة صناعة "الدُقة"، تجلب السمسم والذرة البيضاء، تطحنهم سويًا وتضيف الملح والكمون "كان أي حد يدخل الخدمة يتحالف بالدُقّة بتاعتي، كانت الناس تغمس بيها أحلى من اللحمة".
لم تتغير لائحة طعام الخدمة كثيرًا عما مضى "كنا زمان نجيب فول نابت وعدس وحتة لحمة"، غير أن مع كل عام جديد تحاول السيدات الست إضفاء صنف جديد "نعمل شوية بطاطس مع كفتة، أو ننوّع في نوع المحشي ما بين بتنجان وكوسة وكرنب".
في الخدمة يستقر موقدين نار، تجلس السيدة نادية أمام أحدهم، توضع الإناء الضخم على الموقد "عشان يفضل سخن طول الوقت وجاهز لأي حد يعدي"، فيما خصص الآخر لإعداد الشاي فقط "حاجة أساسية في أي مولد، لفيت على موالد كتير من هنا للصعيد، كله بيحب الشاي وبيبقى أكتر حاجة مطلوبة".
سابقًا اعتادت السيدة السبعينية على المبيت داخل الخدمة لكن الأحوال تبدّلت "مقدرش دلوقتي بحكم السن". تقضي يومان قبل أي مولد تساعد قريباتها في إعداد الطعام، فيما تأتي كل يوم من الظهر وحتى مغيب الشمس "عافيتي قلّت ومبعرفش ألّف زي الأول، لإني ببقى محتاجة أروّح أنام في فرشتي عشان ضهري بيوجعني".
لا يستوعب جيران نبيلة ما تفعله، ترى نظرات الاستنكار في أعينهم، أو في ردود فعل بعض أقاربها "مرة واحد عاير حفيدتي وقالها إنتو بتوع موالد"، غير أنها لا تحزن مما تسمعه "عشان عارفة إني مبعملش حاجة غلط، إحنا ناس مؤمنة بالله، عمرنا مثلًا ما نقول ياسيدة نفيسة وكلينا أو زودي أرزاقنا، لا بنقول يا رب، في البيت والجامع وأي حتة، إحنا بنحب آل البيت ونحب نخدم مُحبيهم، عارفين إن كلنا هنموت وحدش هياخد حاجة إلا الخير ده ممكن نروح لربنا بيه".
فيديو قد يعجبك: