إعلان

"كان زماني مكانهم".. أحوال ركاب القطار بعد حادث "محطة مصر"

07:17 م الأربعاء 27 فبراير 2019

كتبت- رنا الجميعي وشروق غنيم:
تصوير- شروق غنيم:

عند الثانية عصر اليوم كان الجميع في طريقهم إلى سكك حديد مصر، كأن حادثًا لم يقع، الكل يهرول تجاه القطارات للحاق به، تتزاحم الأعداد عند أرصفة المحطات، مُنتظرين رحلاتهم التي تأجّلت منذ الصباح، جالسين على المقاعد، يفيض العدد ليسكن آخرين إلى الأرض، فيما تتقاطع أحاديثهم لتنتهي عند حادث الانفجار المأساوي.
صباح اليوم، الأربعاء، أعلنت هيئة السكة الحديد، أن جرارًا اصطدم، برصيف رقم 6 بمحطة سكك حديد مصر بوسط القاهرة. وأسفر الحادث عن مقتل 20 مواطنًا، وإصابة 43، بحسب تصريحات الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان.
أجرى الأمن بعض التغييرات في التحركات داخل المحطة، تواجدت حواجز أمنية عند المدخل الرئيسي، فيما يُشير أفراد الأمن للركاب بالمرور تجاه المدخل الجانبي، ودون وجود أية أجهزة للتفتيش مثلما يتواجد عند المدخل الرئيسي، يتوافد الركاب على أرصفة المحطة، بينما وقف عدد من أفراد الشرطة عند رصيف الحادث، مانعين الدخول إليه.
عند رصيف 8 المُجاور وسط الزحام، بينما يضع أحد الأكشاك الطلبية الخاصة به للسندوتشات، جلست سحر برفقة زوجها مُنتظرة القطار المُتجه إلى الإسماعيلية، لم يتنامَ إلى سمعها مُطلقًا أية أنباء عن الحادث، وبدت ملامحها مُستغرقة في معرفة تفاصيل عن القطار الذي لا تعلم أين أو متى سيأتي "لحد دلوقت مش عارفة القطر هييجي إمتى"، بينما علم ركاب آخرون بسؤال ناظر المحطة عن تأجيل رحلات بحري، واستئناف رحلات قبلي.

بدت اللوحة الإعلانية المُعلقة داخل رصيف 8 مُتوقفة عند رحلة (القاهرة – أسوان)، المفترض وصولها في الثانية عشر ظُهرًا، غير أنها تأجلت بسبب الحادث، عند اللوحة جلس علي عبد الصبور ينتظر قطاره المُتجه إلى أسيوط في الرابعة عصرًا، لم يشعر الرجل بأي قلق حتى بدت ملامحه مستغربه حين سؤاله عن شعور أهله بالقلق عليه "محدش اتصل بيا هيقلقوا ليه، أي واحد متغرب عن بيته رزقه على الله"، يقطع عبد الصبور حديثه لتتجه أنظاره نحو كاميرات التليفزيون التي تزاحم حولها الناس.
على أرصفة محطة مصر ساد الارتباك بين الركاب، يتنقلون من رصيف لآخر بحثًا عن قطارهم، يتفقدون الساعة بين الحين والآخر، يحمل الرصيف الممتد حالة متناقضة؛ جرار متفحم وأناس توقفت حياتهم، على الجانب الآخر ركاب جدد يدبون الحيوية في المكان بحثًا عن قطار يقلهم إلى مدينته.
على الأرصفة حضر عمال السكة الحديد يطالبون الجالسين على المقاعد الرحيل والتوجه إلى قطاراتهم، ترتبك الفتاة فتسأله عن مكان قيام قطار الزقازيق يجيبها "المفروض كان يقوم من الرصيف اللي عليه الحادثة، فشوفي الأرصفة التلاتة اللي جمبه الفاضيين".
ساعة واحدة فصلت دينا عن مشاهد مفزعة أو احتمالية الموت؛ في الصباح بدّلت الفتاة صاحبة الـ19 ربيعًا موعد قطارها، وصلت محطة مصر بمنطقة رمسيس في الثامنة ونصف صباحًا، هرولت إلى محاضرتها الصباحية في جامعة القاهرة، وفي منتصفها انهالت اتصالات أسرتها تخبرها النبأ.
قطعت الفتاة محاضرتها، طالبتها الأسرة بالعودة إلى الزقازيق "مكنوش عاوزني أقعد هنا بعد اللي حصل"، لا تعرف الفتاة طريقًا إلى بلدتها غير محطة مصر "مبقيتش عارفة أعمل إيه، أنا بركب القطر لإنه آمن أكتر من العربيات"، عادت إلى المحطة بينما شاهدت ما جرى داخلها "القطر بتاعي عدى على نفس الرصيف ده الصبح، مش متخيلة إني كنت ممكن أبقى في المكان ده".
رغم مرور عدة ساعات على الحادث، إلا أن كاميرات التليفزيون ظلت تتوافد على المكان، فيما يُحلق حولها مجموعات من الركاب، وتتجدد الأحاديث حول الفاجعة ثانية، تميل منى، واحدة من الركاب تستكشف ما يحدث.
تلك هي ثاني مرة تركب فيها منى القطار، ففي المعتاد تُسافر السيدة من المنيا إلى القاهرة بالسيارة "بس جوزي رخصته خلصت"، في التاسعة صباحًا، أي قبل الحادث بنحو نصف ساعة، كانت منى وزوجها في طريقهما إلى عيادة الطبيب بالقاهرة "إحنا بنيجي مخصوص عشان كده"، ورغم أنها سمعت عن الحادث، لم يُشعرا أن عليهما تأجيل سفرهما بسبب ذلك القلق "إحنا حاجزين خلاص، وبعدين ده مقدر ومكتوب".
حالة هلع تلبست وجه أماني السيد، بينما أنقذها القدر بوصولها إلى القاهرة قبل موعد الحادث بنصف ساعة، أدركها مآلاته في مستشفى هيئة السكك الحديد "جاية أنا وجوزي من أسيوط عشان أجيب علاجي، شوفت هوجة في المستشفى وحكوا عن الحادثة".
حين انتهت رفقة زوجها من رحلتها العلاجية، لم يكن بُدًا من العودة إلى محطة مصر "شاريين تذاكر الرجوع"، وما إن دخلت المحطة تحاشت المرور من أمام الجرار المنكوب "ممكن أروح فيها"، فيما ظلت هي وزوجها يسألان عن مكان انطلاق قطارهم دون الاقتراب من موقع الحادث.
الجميع هُنا في حالة انتظار، المواعيد مُشوشة، وما إن يحل أي قطار حتى يحتشد الركاب نحوه مُسرعين للحاق بمقاعد ستنشغل في لحظات قليلة، بسبب الزحام الشديد، على الناحية المُقابلة، عند رصيف 10 جلس مارك مُنتظرًا قطاره القادم في الرابعة، تابع الشاب الصعيدي الحادث عبر الإنترنت، وقتها كان يلحق بمحاضراته بجامعة القاهرة، لكنه لم يجد سببًا لتأجيل سفره إلى بلده المنيا.
رغم الفاجعة، لكن الحياة لا تنتهي عند حد معين، القطارات تصل إلى المحطة، والركاب في طريقهم إلى مُدنهم، ينتظرهم عائلاتهم في لهفة، بينما يظلّ رصيف 6 المسوّر بشريط أصفر حائلًا دون عودة المشهد الطبيعي، فاللون الأسود المنتشر على جُدران مبنى الكافيتيريات، والجرار المسكون بالحريق شاهدًا على أجساد تفحمت وأرواح ذهبت إلى بارئها.

فيديو قد يعجبك: