لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لغز الشقة والمتحدث المجهول.. مصراوي يرصد آخر تحركات إرهابي الدرب الأحمر

11:25 ص الجمعة 01 مارس 2019

شقة إرهابي الدرب الأحمر

كتب- عبدالوهاب عليوة وسامح غيث:

مواد كيماوية لتصنيع المتفجرات، وأسطوانات حديدية مجهزة لتصبح عبوات ناسفة بمجرد تعبئتها بالمادة المتفجرة، ومعدات وأدوات تصنيع، ومواد أخرى لزيادة الأثر التدميري. هذا ما عثرت عليه الأجهزة الأمنية داخل شقة الإرهابي الحسن عبدالله، بالطابق الخامس والأخير بالعقار11 بحارة الدرديري بالدرب الأحمر، ليطرح تساؤلات مهمة.

كيف حول الإرهابي شقته لورشة لتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة؟ وما مصدر المواد الأولية والكيماوية التي نقلها إلى مسكنه؟ ومن الشخص الوحيد الذي رصدته كاميرات المراقبة يتحدث مع الانتحاري بالمنطقة عصر يوم الانفجار؟ وهل كان يتبع في عمله أسلوب الذئاب المنفردة أم كان يتبع خلية إرهابية؟

الشقة.. اللغز والحل

بدأت رحلة البحث للحصول عن إجابة لهذه التساؤلات، بصعود درجات سلم الطابق الخامس والأخير، بالعقار الذي كان يقيم الانتحاري الحسن عبدالله في إحدى شقتيه وفي الشقة الأخرى تقيم أسرة عمه.

على باكية السلم الأخيرة قبل الوصول إلى مدخل الشقة، تظهر شكائر رمال يعلوها بوستر للمسجد الأقصى مدون عليه آية قرآنية ودعاء "ألا إن نصر الله قريب"، و"اللهم نصرك الذي وعدت".

الشقة التي حولها الانتحاري إلى ورشة لتصنيع المتفجرات، تتكون من غرفتين وحمام ملاصق للمطبخ، يفصل بينها صالة صغيرة، يظهر بها بعض أعمال الترميمات الجديدة، حيث يوجد بها باب خشب بدون طلاء وطبقة محارة أسمنتية جديدة تظهر على جدار صغير لم يتم دهانه.

صورة-1

تفاصيل التجديدات وطبيعة ما كان يحدث بالطابق الخامس، ترويها أسرة الجار ـ محمد وزوجته ـ التي تقيم بالطابق الرابع أسفل الانتحاري الحسن عبدالله مباشرة منذ ثلاث سنوات.

محمد (عامل) وزوجته (ربة منزل) لديهما طفلان، لم يتجاوز عمر أكبرهما 7 سنوات، يقول الزوج: هذه الشقة مملوكة لعمة الحسن عبدالله "أنا استأجرتها منها". وتضيف زوجته: "ابنة عمه كانت هتتخطب، وأسرتها كانت تقوم بتجديد الشقة وإعادة طلائها، وهذه الرمال المعبأة في شكائر وعبوات الدهانات خاصة بشقة عمه، ولكن التجديدات التي تمت في شقته كان هو اللي بيعملها".

واستشهدت على ما تقول بموقف حدث معها منذ فترة: "كنت بنشر هدوم في البلكونة وهو كان بينفض هبو، وقلت له حاسب التراب ينزل على الهدوم فرد عليّ بحدة (لما تنزل عندك حاجة ابقي اتكلمي)، وبعدها بأيام اشترى تندة بلاستيك خضراء وهو اللي ركبها، علشان تمنع سقوط الأتربة علينا، وممكن علشان منعرفشي هو بيعمل إيه".

واستبعدت أن "يكون صنايعة من اللي كانوا بيجوا عند عمه، اشتغلوا عنده" قائلة: "مراة وأولاد عمه كانوا في حالهم وهو مكانشي بيقولهم حتى سلاموا عليكم".

الصورة 2

قبل 3 سنوات، كان الحسن يقيم في الشقة مع شقيقه أسامة، إلا أن الأخير اختفى من فترة طويلة، كما يقول جارهما "محمد" وزوجته التي أكدت أن شجارا وقع بين الشقيقين كان السبب في ترك أسامة للمنزل أواخر 2015، "لما سألت زوجة عمه اللي ساكنه قصاده، قالت إنهم اتخانقوا مع بعض وأسامة ساب له الشقة ومشي راح عند والدته في السيدة زينب وبعدها سافر بره مصر، ومن بعدها أقام الحسن بمفرده".

صورة 3

تظهر صور المضبوطات التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية بشقة الانتحاري تعبئة المواد المتفجرة والخامات في "جرادل" لماركات دهانات معروفة. ويظهر الفحص الدقيق لهذه الصور مدى خطورة هذه المتفجرات، فمثلا كميات "البلي الحديد" التي ظهرت في الصور تقدر بـ18 برطمان، كل برطمان يوجد به 1000 بليه وفقا لتقديرات ناصر عادل أحد تجار قطع غيار السيارات بالتوفيقية، الذي يقول إن هذا النوع من البلي يباع لدى التجار بهذا الشكل وبنفس العبوة البلاستيكية الشفافة ذات الغطاء الأحمر.

ويوضح العقيد خالد عكاشة، عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب أن الإرهابيين يضعون البلي الحديد وشرائح الصلب الصغيرة بين مكونات العبوات الناسفة لزيادة الأثر التدميري، فهي تتطاير وكأنها مقذوفات ما يؤدي لإحداث قدر أكبر من الخسائر.

مظاهر التدين والعودة للكاجول

قبل 4 سنوات من الآن، بدأ يظهر على الشاب الثلاثيني الحسن عبدالله، مظاهر التدين، ارتدى جلبابا وأطلق لحيته، لكن ذلك لم يدم طويلا، فبعد شهور كما يقدرها ضياء سليمان صاحب محل بالعقار الذي يقيم فيه الانتحاري، استبدل الجلباب واللحية بالملابس الكاجول الشبابية.

"شاب يرتدي الجينز والتيشرتات، شعره طويل ملموم بتوكة، يتنقل بدراجة هوائية، ويرتدي خوذة سوداء أو يستبدلها بكمامة وكاب، وفي الحالتين يحمل شنطة سفاري على ظهره".. هذا الوصف اتفق عليه "محمد وزجته" وعدد من الجيران منهم ضياء سليمان، مستأجر محل بالعقار نفسه، وهند حسن التي تقيم بالطابق الأرضي.

وتقول زوجة محمد إن الإرهابي كان يخرج ويعود في اليوم أكثر من مرة "وأحيانا كنت بشوف خياله في الإزاز وهو شايل العجلة ونازل أو طالع بيها، وأحيانا كنت بقابله وأنا بودي العيال المدرسة أو وأنا رايحة السوق"، كان لا يلقي عليها السلام بينما يكتفي بقول السلام عليكم لزوجها إذا صادف وتقابلا.

لم يتغير أسلوب التعامل بين أسرة محمد والشاب الثلاثيني منذ إقامتهم بالعقار، سوى في موقف واحد دفع الزوج إلى للصعود شقة الحسن عبدالله، "صوت الصاروخ كان طالع من شقته 3 أيام متواصلة، وظهر شرخ بسقف إحدى الغرف فطلع له محمد وقال له: السقف هيقع وبدأ ينزل مياه، ليرد عليه الحسن: أنا بوسع المطبخ والحمام وبهد الحيطة اللي بينهم علشان هتجوز. وطلب الجار من الزوج الصبر عليه، "هستبدل السيراميك وأعزل السقف"، فوافق الأخير "إحنا جيران ولازم نستحمل بعض بس أنت برضو متضرنيش".

العجلة رفيقة الإرهابي

الحسن عبدالله، كان يعتمد على "العجلة" في جميع تحركاته، لا يتركها في مدخل العقار، ويحرص على اصطحابها معه إلى شقته بالطابق الخامس، وليس له مواعيد محددة "ممكن يخرج أو ييجي 10 الصبح أو 12 أو العصر أو بالليل أي وقت"، وفقا لما يقول جاره محمد وزوجته.

صورة 4

ويتفق معهما ياسر حسن مستأجر شقة بنفس العقار بالطابق الثالث، ونفس الرواية يؤكدها طارق نظيف ووالدته أصحاب أحد المحال بالعقار، ويؤكد الجيران أن الانتحاري لم يسبق له التحرك أو الدخول إلى الحارة بصحبة أي شخص سواء من القاطنين فيها أو من الغرباء عنها.

تقول والدة طارق التي تجلس بحكم طبيعة عملها أمام باب المحل ولا تغادره إلا في المساء: الحسن عبدالله كان يتحرك دائما بالشنطة التي كان يحملها على ظهره، "مفيش ولا مرة ركب توك توك أو عربية أو حد سأل عليه في المنطقة، أكيد البلوي اللي لاقوها فوق دي كان بينقلها فيها كل مره حاجة".

وأضافت: جرادل الدهانات "كان وخدها من مراة عمه، وأنا كنت واخده منها جردل فاضي لأنهم كانوا بيدهنوا الشقة وعندهم جرادل كتير".

يقول ياسر حسن، أحد سكان الحارة: "الحاجات دي عمرها ما هتكون جات مرة واحدة، لو ده حصل كان أي حد فينا خد باله منها، زي ما كل الحارة كانت عارفة إن عمه بيجدد الشقة بتاعتهم علشان خطوبة بنتهم".

الأسواق التي تبيع هذه المواد تبعد مسافة لا تتجاوز 4 كيلو مترات عن منطقة الدرب الأحمر، لكنها متفرقة ولا تتواجد في مكان واحد، وهو ما يدعم رواية الأهالي، فالمواد الكيماوية والمنظفات تتواجد في شارع الجيش بميدان باب الشعرية، بينما الحدايد والبويات تتواجد بشارع الأزهر بجوار جامع البنات، وبين ميداني الأوبرا والعتبة يتواجد سوق الكهرباء، وقطع الغيار تتواجد بشارع كلوب بك.

صورة-5

كاميرات المراقبة التي رصدت تحركات الإرهابي حسن عبدالله على مدار 4 أيام قبل الانفجار، وتحديدا من يوم الجمعة الموافق 15 فبراير الذي وضع فيه العبوة الناسفة أمام مسجد الاستقامة بميدان الجيزة وحتي 18 فبراير عندما فجر نفسه أثناء القبض عليه من قبل قوات الأمن، تؤيد رواية اعتماد الانتحاري على حقيبته في إخفاء ما يحمله.

لغز آخر من حدثه الإرهابي

ورصدت كاميرا مراقبة بحارة البيطار، عصر يوم الاثنين وتحديدا قبل 6 ساعات من وقوع الانفجار، دخول الإرهابي بدراجته إلى الحارة متجهًا نحو كنيسة الأنبا تادرس بالدرب الأحمر.

وبعد مرور25 دقيقة ظهر مرة أخرى أمام نفس الكاميرا وهي خاصة بمحل موبايلات وبرفقته شخص آخر يتحدث معه، كما يقول ابراهيم محمود صاحب محل حلويات شرقي، موضحًا أن الشاب الذي كان برفقته هو شاب ثلاثيني، حليق اللحية، يرتدي بنطلون "جينز" وجاكيت، ولم يشاهده في المنطقة قبل ذلك.

ذئاب منفردة أم عضو بخلية عنقودية

العميد خالد عكاشة عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، يرى أن كمية المواد الأولية المستخدمة في تصنيع المتفجرات كبيرة جدا، ومن الصعب أن يكون هذا الإرهابي يعمل بمفرده، ويدعم ذلك ما يقوله الجيران أن الحسن عبدالله كان يختفي فترات بعيدا عن المنطقة تماما.

تقول زوجة جارة محمد: "كنت بعرف إنه موجود لما يكون الشباك اللي فوق البلكونة بتعتنا مفتوح، وكان أحيانا بيقعد بالـ10 أيام مقفول".

ويضيف عكاشة: الشقة كانت ورشة تصنيع، ولذلك كان يلجأ إليها الإرهابي "لما يكون بينفذ حاجة أو هيصنع حاجة، لكن من الوارد جدا إنه يكون المكان الذي كان يختفي فيه لأيام هو مقر الخلية التي يعمل معها، وهو ما ستؤكده التحقيقات الأمنية.

بينما يرى الدكتور ناجح ابراهيم، الجهادي السابق والخبير المتخصص في الحركات الإسلامية الراديكالية، أن الفكر لا ينتقل عبر الهواء ولا بد من وجود أشخاص لهم علاقة بهذا الشخص حرضوه على ما قام به، مضيفا: هؤلاء يستغلون نقاط أزمات الشباب خاصة في ظل الفراغ الحالي، فلا يوجد مؤسسات دينية حاليا لها نشاط لجذب وتوعية الشباب بأن هذه الأعمال ليس لها علاقة بالدين.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان