لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعد ترحيل 14 مصريًا.. لماذا يتكرّر القبض على العمالة المصرية في أوغندا؟

02:27 م الجمعة 22 مارس 2019

ترحيل مصريين من أوغندا

كتب ـ أحمد شعبان:

حين علم "محمود. ص" بنبأ احتجاز السلطات الأوغندية لـ14 مصرياً، من أبناء قريته شباس عمير التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ، جراء "حملهم إقامات مزوّرة وبيع بضائع تجارية بدون تصريح"، أفزعه الخبر كثيراً، فرغم أنه بات مألوفاً له وللعاملين المصريين الذين تعجّ بهم دولة أوغندا، تكرار القبض على أحد منهم، بين حين وآخر، لمخالفته شروط الإقامة، يعقبها خروجه ليستكمل فترة إقامته أو ترحيله؛ إلا أن هذه المرة اختلف الوضع، فعدد المحتجزين كبير مقارنة بوقائع سابقة، ما أثّر على باقي المصريين المتواجدين هناك.

"كل ما حد بيتمسك بيبقى فيه خطر بالنسبالنا، خاصة إننا شغالين هنا على كفّ الرحمن" قالها الشاب، يحكي أن طبيعة عمله وغيره من المصريين المتواجدين في أوغندا تقوم على بيع الأدوات المنزلية، من خلال السير في الشوارع بعربات تحمل بضاعتهم وطرق أبواب المنازل لبيعها، وهو ما يعدّ مخالفة، وفق ما يذكر، لذا بعد كل واقعة احتجاز عامل يتوقف البقية عن النزول إلى الشوارع، فيما يتواصلون مع زبائنهم عبر الهاتف لتحصيل أقساط البيع "بقالنا 15 يوم على الحال ده، كله مطارد وخايف ومحدش عارف يعيش ولا يشتغل".

لماذا يختار أبناء قري محافظة كفر الشيخ السفر إلي أوغندا للبحث عن الرزق؟ وما سبب القبض على 14 مصريًا في أوغندا وترحيلهم إلى مصر؟ ولماذا يتكرر القبض على مصريين؟، ومتي بدأ هؤلاء الشباب السفر إلى هذه الدول الإفريقية؟

واقعة القبض على عدد من أبناء قرية شباس عمير ليست الأولي، حيث يقبع في السجون الأوغندية حاليا 36 شاب مصري، وفقاً للنائب البرلماني شكري الجندي، عضو مجلس النواب عن دائرة قلين بكفر الشيخ، بعد تواصل المسؤولين المصريين مع السلطات الأغندية تم الإفراج علي 14 مصريًا، الذين تم القبض عليهم مؤخراً، وفي مارس 2017 أعادت السفارة المصرية في أوغندا 8 مصريين، بعدما ألقت سلطات الهجرة الأوغندية القبض على اثنين منهم، لعدم تجديد الإقامة وتصاريح العمل الخاصة بهم.

الصورة الأولي

محمود، 23 عاماً، حاصل على دبلوم فني، حين انتهى من أداء خدمته العسكرية، قبل عام تقريباً، كان شيئاً واحداً يلوح أمام عينيه؛ السفر إلى أي دولة أفريقية، كي يستطيع شراء قطعة أرض يبني عليها بيتاً ويستعدّ للزواج "البلد كلها بتسافر هناك وكل بيت فيه اتنين وتلاتة في أفريقيا"، فقرر والده أن يبيع له قطعة أرض، وفّرت له مبلغ 70 ألف جنيه، يخطط للبقاء في أوغندا 9 أشهر حتى يستطيع تدبير أموال "الشباب اللي طالعة كله بايع أرض أو عليه فلوس"، يذكر الشاب.

خلال 6 أشهر مرّت على تواجد الشاب في أوغندا، احتُجز مرتين، واستمر محبوساً لمدة يومين في كل منهما "لما حد بيروح مراكز الشرطة أو تمسكه أي جهة بيطلع بعد دفع مبلغ معين بشكل غير قانوني يصل إلى 300 دولار"، وفق قوله، والسبب هو عدم وجود تصريح لتوزيع البضاعة "كمان إننا نخبط على البيوت ده مخالف هناك"، هذه هي المشكلة الأولى فيما يخص العاملين في أوغندا.

لقرية "شباس عمير"، التي يتجاوز عدد سكانها الـ100 ألف نسمة، شهرة كبيرة مرتبطة بسفر أبنائها إلى بعض الدول الأفريقية، وخاصة "أوغندا، كينيا، جنوب إفريقيا" التي باتت ملجأ للباحثين عن "لقمة العيش"، ووفق الدكتور أحمد بخاتي، أحد أبناء القرية، فإنه قبل 20 عاماً بدأت رحلة أبناء كفر الشيخ والمحافظات المجاورة إلى عدة دول منها فرنسا وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، و بعض الدول الإفريقية، بعدما قلّت فرص العمل في دول الخليج "الجزء اللي راح جنوب أفريقيا بَعت للناس في القرية وقالهم إن فيه هنا شغل كتير والناس بدأت تروح على هناك".

من وقتها، أصبحت هذه الدول الإفريقية "باب رزق" لهم، يبيع الواحد منهم قطعة أرض يملكها ويسافر إلى دول: أوغندا أو جنوب أفريقيا أو كينيا، وتتركّز أعمالهم بشكل كبير على بيع الأدوات المنزلية "أصحاب رؤس الأموال الكبرى، وهم مصريون لديهم ورش كبرى، يقومون باستيراد شاحنات الأدوات المنزلية من الصين، وعبر ’جروباتهم’ على مواقع التواصل الاجتماعي يعلنون عن حاجتهم لعاملين لتوزيعها"، يبدأ بعدها سفر الشباب، كل منهم يأخذ كمية مقابل إيصال أمانة، على أن يدفعوا المبالغ بعد بيعها، حسبما يوضح بخاتي.

"مكسب سريع مقابل تكلفة أقل" يصفه بخاتي بـ"الهوس" لدى أبناء القرية، يدفع عدد كبير منهم للسفر والعمل بدول أفريقيا، والإقامة فيها بشكل غير قانوني، وهنا تكمن المُشكلة الثانية؛ أغلب المسافرين يحصلون على تأشيرة سياحية لمدة 3 أشهر، بعدما تنتهي من المفترض أن يجددها لمرة واحدة لـ3 أشهر إضافية، وهنا يبدأ التحايل "عن طريق حد في مكتب الهجرة في هذه الدول، بيختم الجواز بعد الـ6 شهور كأن الشخص طلع بره الدولة ودخل من جديد، الختم بيكون سليم لكنه يقرّ وضع غير قانوني، وذلك مقابل دفع مبلغ 300 دولار"، يوضح بخاتي.

"بيجيبوا القطعة بـ65 أو 90 دولار وبيبيعوها بـ200 دولار، فالواحد منهم بيسافر 6 شهور ويرجع بمبلغ 300 ألف جنيه مثلاً يشتري أرض أو يبني بيت، وهكذا"، لذا تتباين فئات المتواجدين هناك، بينهم طلبة جامعيين "في كليات طب وهندسة وتجارة"، وفق ما يشرح دكتور بخاتي.

الصورة الثانية

مع مرور الوقت، بدأ الموظفون في تزوير الأختام نفسها، فيما يذكر بخاتي أن الـ14 الذين تم ترحليهم مؤخرا، رغم أنهم لم تزيد مدة إقامتهم عن 6 أشهر "الموظف اللي جددلهم عمل 5 أصلي وزوّر الباقي طمعاً في الفلوس ودي حاجة منتشرة عندهم، فبالنسبة للجهات الحكومية 5 بس اللي موجودين على السيستم"، يقول بخاتي، فيما يشير محمود إلى أن الوضع الذي يسمح للعامل بالبقاء دون أن يضطر للوقوع في مخالفات هو أن يقوم بتأسيس شركة ويحصل على تصاريح وورق عمل، لمدة 3 أشهر، يسمونها "سبيشيال باص"، غير أن ذلك وفق ما يقول الشاب يكبّدهم كثيراً "بيتكلّف حوالي 600 دولار، وهو أنا هقعد قد إيه، ومعايا كام عشان أدفع المبلغ ده".

في بداية الرحلة، قطع الشاب تذكرة سفر، تكلف في العادة بين 8 آلاف جنيه و13 ألف جنيه "كلفتني حوالي 11 ألف جنيه"، سافر باعتباره سائحاً يحمل تأشيرة تتيح له البقاء في أوغندا لمدة 3 شهور، كلّفته 50 دولاراً، على أن تُجدد بعدها لثلاثة أشهر أخرى مقابل 80 دولاراً، وهناك شارك أحد رفقائه من أبناء القرية لشراء سيارة كبّدتهم 7 آلاف دولار، لذا قام شريكه فقط بعمل تصاريح العمل، وانتظر محمود 3 أشهر ليقوم بعمل تصاريح العمل، حتى يتسنى له تدبير الأموال اللازمة "ودلوقتي بقت بتطلع بصعوبة، فبنضطر نلجأ لأي حد يقول إنه هيقدر يخلصها، لكن للأسف أحياناً بيبقى مزوّر".

الآن، مرّ 6 أشهر على إقامة الشاب في أوغندا، يقول إنه سيلجأ إلى أحد الموظفين بمكتب الهجرة لكي يحصل على تأشيرة دخول جديدة "لازم أطلع من البلد وارجع تاني كأني داخل من جديد وده هيكلفني 300 دولار"، ورغم إدراكه لخطورة ما يفعل إلا أن حاجته للمال تطغى على كل ما عداها "مفيش قدامي حل تاني"، وفق قوله.

مثله سيفعل "حمدي. ز"، طالب في السنة الثانية بكلية التجارة، الذي أضناه البحث عن عمل يوفّر له دخلاً يستطيع به أن "يكوّن نفسه"، فكان قرار السفر، شجّعه خبرة أهالي قريته بالعمل في دول أفريقيا "أنا خاطب وعايز أجهّز نفسي ومفيش قدامي حل غير السفر".

6 أشهر هي المدة التي حددها الشاب لإقامته في أوغندا، أوشكت على الانتهاء، لذا "مضطر أعمل دخول وخروج، بنجيب الحاجة بـ100 دولار وبنبيعها بـ200 على أربع شهور تقسيط، هنزل مصر بعد شهرين لما أكون لمّيت أقساطي وفلوسي".

الصورة الثالثة_1

فيما يوضّح أحد أصحاب الورش، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، أنهم يلجأون إلى الحصول على تصاريح عمل تسمح لصاحبها بالبقاء لمدة عام، يسمونها "ورك برمنت"، مقابل مبلغ 3 آلاف دولار، وهي تعطي لصاحبها امتيازات أكثر من الـ"سبيشيال باص"، فبإمكانه أن يقوم باستيراد بضائع من الصين مثلاً، يقول إن تصاريح العمل "سبيشيال باص" التي تتكلّف 600 دولار لم يعد من السهل الحصول عليها، بعدما زاد عدد المصريين الذين يقومون ببيع البضائع في الشوارع، وهو ما جعل السلطات تقوم بتوقيفهم مؤخراً والتأكد من صحة أوراقهم، لذا يلجأون إلى من يساعدهم على إصدارها بأي شكل "الورك برمنت هو المتاح بس دلوقتي، والشباب مش هيقدروا يعملوه لأنه بيتكلّف كتير".

يذكر صاحب الورشة أنه قابل القنصل المصري في أوغندا وطالبه بإعطاء الموجودين فرصة، لمدة شهرين، كي يقوموا بتوفيق أوضاعهم واستخراج تصاريح العمل، أو جمع أقساطهم والعودة إلى مصر،كذلك يأمل أن تقوم وزارة الهجرة المصرية بالتنسيق مع إدارة الهجرة في أوغندا للتيسير على العمالة المصرية "العلاقات الطيبة بين البلدين لازم يكون ليها دور هي ورئاسة مصر للاتحاد الأفريقي"، يضيف :"قرية شباس عمير فيها أكتر من 7 آلاف فرد مسافر بره، الناس اللي هنا سابت مصر عشان مفيش شغل، والحكومة عارفة إنهم جايين عشان يشتغلوا ويدخلوا فلوس لبلدهم، بس للأسف في منهم وقع ضحية لناس مزوّرة؟، هل نسيبهم؟!".

كذلك يقول الرجل الخمسيني إن هناك حوالي 23 شاباً محتجزين وغير معلوم مكانهم "عايزين نعرف هم فين عشان نطمن عليهم ونطمّن أهاليهم"، بينما يشير إلى أن العمالة المصرية تواجه صعوبات كبيرة في دول أفريقيا بشكل عام، لا تقتصر على "صعوبة" استخراج الأوراق اللازمة للإقامة والعمل، كذا هناك عصابات تقوم بسرقة ونهب العمالة وفي بعض الأحيان يتعرضون للقتل "فيه ناس في القرية قرايبهم ماتوا هناك بالرصاص وبالملاريا، وما زالوا بيروحوا برضه عشان لقمة العيش ومحدش بياخد أكتر من نصيبه".

لعدة أيام، حرص الرجل وغيره من المصريين في أوغندا على التواصل مع أشقائهم المحتجزين، قبل ترحيلهم"كنا بنبعتلهم أكل وفلوس ونطمّن أهلهم في مصر"، يأمل أن لا يتجدد احتجاز العمالة المصرية، فيما طالبت السفارة المصرية في أوغندا، الراغبين في العمل بضرورة الحصول على عقود عمل بشكل رسمي، لضمان الحفاظ على حقوقهم، تفاديًا لمخاطر القبض عليهم واحتجازهم وترحيلهم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان