من مصر لفرنسا.. هاني ونيكول ينقلان "الظل" عبر الحدود
كتبت-دعاء الفولي:
تصوير- معتز نوار وفلورانس تران:
في مدينة باريس، يعتكف هاني حمص وشريكته نيكول عيّاش داخل ورشة العمل لساعات طوال، يتحركان بين مجموعة من الدُمى المصنوعة من الخشب، الورق أو أي مادة أخرى، يسرحان بخيالهما في شكل المشروع القادم؛ كيف سيحركان الدُمى أمام الضوء، ليمثل ظلها معاني مُحددة، يخلطان التراث المصري بالفرنسي، ويقدمان عروضا لمسرح الظل في عدة دول، ورغم الصعوبات فإن الأمر يستحق العناء.
دائما ما اُخذ هاني بفن خيال الظل، بدأت علاقته به قبل حوالي عشر سنوات، عمل خلالها على رسم وتلوين العرائس وصناعتها تارة، وإخراج العروض تارة أخرى، طاف محافظات عدة مع فريق "الكوشة" لخيال الظل، قبل أن يتعرّف على نيكول عام 2012 "وقتها وجدنا تقارب في الأفكار بيننا رغم اختلاف بيئاتنا وكنا نعمل سويا على أكثر من مشروع فني داخل مصر"، حتى قررا قبل عامين تدشين شركة باسم "هكو" ينقلان من خلالها الفن إلى فرنسا، وهناك استقرا ليقدما عروضهما.
في اللغة المصرية القديمة، تعني "هكو" السحر. لم يختارها هاني ونيكول عبثا "أردنا اسما بسيطا، يمكن نطقه في الفرنسية وله معنى، كما أن البعض ينطقه إيكو وتعنى صدى الصوت وهو ما نريده لعملنا، أن يترك أثرا". رغم التقارب، إلا أن ثمة اختلافات بين هاني ونيكول، فبينما هو مصري، تحمل شريكته في المشروع جنسية فرنسية أمريكية، لكل منهما تجاربه مع فنون خيال الظل "وذلك يجعلنا نُنتج عملا أفضل، حين نجمع تلك الخبرات سويا".
لا يُقدم مشروع "هكو" خيال الظل للأطفال، بل تُناقش العروض قضايا مختلفة "مثل مشكلة التغير المناخي وأثره على نهر النيل والعاملين فيه"، كان ذلك عام 2016، حين دشّن الشريكان عرض "رباعيات النيل"، ناقشا فيه أزمات يعاني منها الفلاحون في الدلتا المصرية بسبب تغيرات المناخ، وأثر ذلك على المحاصيل، كانا وقتها داخل مصر، قدما العرض في محافظتي الإسكندرية والفيوم، مازال هاني يتذكر ردود الفعل السعيدة "الجمهور يُحب العرائس، لأنها تذكره بطفولته، كأننا أعدنا الحياة لعرائسنا المفضلة".
العمل على العروض ليس بسيطا؛ يفعل هاني ونيكول كل شيء بنفسهما؛ يطوران الفكرة، يصممان العرائس، يقدمان العرض ويخرجانه أيضا "يجعلنا ذلك أبطأ في تقديم عروضنا"، إذ قدما خلال 3 أعوام أربع عروض فقط، بين فرنسا ومصر وأرمينيا ودول أخرى، إلا أنهما يتعلمان الكثير "العمل على مشروع واحد يستدعي منا الكثير من البحث، في التاريخ والمصادر المختلفة"، كذلك يحتاج الأمر لدراسة حركة الأجساد وفهمها وتطبيق ذلك على العرائس "إذا كنا نصمم مجسما لحمامة، فيجب أن نراقب الحمام الطبيعي، كيف يطير، وكيف يتحرك جناحه وكيف يمكن توظيف ذلك في العرض"، يستمتع الشريكان بصناعة عرائسهما بنفسيهما "يجعلنا ذلك أقرب لروح العرض وما نريد تقديمه"، يتعاملان مع كل مشروع كبداية لمغامرة جديدة، رغم الصعوبات التي تواجههما.
"أهم العقبات هي الشق المادي، فالتكسب من ذلك الفن صعب للغاية"، يقول هاني، مؤكدا أن ذلك التحدي يجعلهما غير متفرغين تماما لخيال الظل، كما يتعين عليهما تحضير المكان الذي سيعرضان فيه "كل الخطوات اللوجستية قبل العرض أو أثناءه من نقل العرائس، القيادة والمحافظة عليها، وإيجاد مكان للعمل ومساحة كافية للعرض.. كل تلك الأشياء مصاعب تواجهنا".
من عام إلى عامين يستغرق العمل على العرض الواحد حتى خروجه للنور. ومنذ عدة أشهر بدأ هاني ونيكول العمل على مشروع جديد بعنوان "تراكيب"، ويقوم على خلط التراث المصري بالفرنسي "بعد البحث وجدنا مثلا ان فن خيال الظل موجود في مصر منذ القرن الثاني عشر كما انه قديم جدا في فرنسا"، لذا قررا مزج التراث باستخدام مجسمات للحمام "ركزنا على مدربي الحمام في مصر وماذا يمثل لهم وتاريخه وكذلك تاريخه في فرنسا"، أرادا الاعتماد على الحمامة كرمز للإنسانية والسلام.
كُل عرض له خصوصية بالنسبة لهاني "العمل في الشارع ووسط الناس له متعة، نتلقى ردود فعل آنية وجميلة تساعدنا على الاستمرار". سافر صاحبا "هكو" لأكثر من دولة "لكن الأكيد أن العرائس محبوبة من الجميع على تفاوت الجنسيات". مازالت شركة حمص ونيكول في بدايتها، لكن فن العرائس وخيال الظل بالأخص يدفعهما لمزيد من الدأب "نتمنى أن يصل ذلك الفن لكل الجمهور، وأن نستطيع تمثيله بشكل جيد يُعيده للساحة مرة أخرى ويصبح مصدر ربح دائم لنا".
فيديو قد يعجبك: