"أمًا تخلَتْ أو أبًا مَشْغولا".. حكاية 4 أبناء في يوم اليتيم
كتب - محمود عبدالرحمن:
"ليس اليتيمُ من انتهى أبوَاهُ من هَمِّ الحياةِ وَخَلَّفاهُ ذليلا
إن اليتيمَ هو الذي تَلْقَى له أمًا تخلَتْ أو أبًا مَشْغولا"
بهذه الأبيات عبر أمير الشعراء أحمد شوقي، عن الأبناء الذين لم يفرقهم الموت عن آبائهم وأمهاتهم وإنما تفرقوا لأسباب دنيوية، ولا يراهم الناس محلاً للشفقة أو الحنان. في يوم اليتيم الذي فقد أحد والديه، يروي 4 أبناء قصصهم وإحساسهم بالغربة وغياب الوالدين بسبب التفكك الأسري أو السفر.
عايشين لوحدنا من غير أب أو أم
داخل شقة متواضعة بمدينة قليوب، جلس يوسف جمال، طفل لا يتعدى عمره الـ14 عامًا، يتبادل مع شقيقته حلا التي تصغره بعامين، ذكريات أكثر من 1000 يوم مرت عليهما، منذ انفصل والده عن والدته قبل 3 أعوام، أعقبه سفر والده للخارج بدعوى توفير حياة كريمة لهما، وزواج الأم من رجل آخر، "إننا نكون عايشين لوحدنا من غير أب أو أم، ونشوفهم بس كل فترة أو نسمع صوتهم في التليفون أو نتكلم معاهم على النت، ده شعور وإحساس وحش كأننا أيتام".
يتذكر يوسف السنوات التي كان يعيش فيها مع والده ووالدته، كم كانت جميلة وهادئة، يذهب هو وشقيقته إلى المدرسة، تودعهما الأم بقبلة وابتسامة وتستقبلهما حين عودتهما، "وكنا بنستنى بابا لما يرجع علشان نشوف جاب لنا إيه معاه، دلوقتي بقي ولا فيه بابا ولا ماما في البيت"، بل أصبح هو المسؤول عن أخته، "لازم أخاف عليها أكثر من الأول لما كان معنا بابا وماما".. يصمت قليلا ويردف: "أبويا وأمي لما انفصلوا روحنا قعدنا مع ماما وبعد ما اتجوزت رجعنا في بيتنا وحدنا" على أمل انتظار زيارة الأب لهما في نهاية كل عام.
على بعد أمتار من منزل يوسف وحلا، يقيم عمهما محمد جابر، مع أولاده، يقول يوسف "عمي مش بيعاملنا زي أولاده وديمًا بيزعق فينا" قبل سفر والده أوصي أخاه بمتابعة طفليه الصغيرين، يرسل له 3000 جنيه شهريا، لتلبية احتياجات يوسف وحلا، اللذين يعتبران نموذجًا لـ7 ملايين طفل هم ضحايا التفكك الأسري الناتج عن الطلاق والخلع، وإن كان غيرهما أوفر حظا بإقامتهم مع أحد الوالدين كما يرى يوسف.
أيتام الغربة
لسبب آخر لم تُجبر عليه، قررت إلهام أحمد في أكتوبر الماضي، السفر إلى تركيا لاستكمال دراستها الجامعية للالتحاق بإحدى كليات الطب هناك، بسبب ضعف مجموعها الذي لم يمكنها من الالتحاق بكليات الطب في مصر، واستجابة لرغبتها وافق والداها أمام إصرارها لتحقيق ما تحلم به، تركت بلدتها بمحافظة المنيا بصعيد مصر، تقول إلهام الفتاة العشرينية بعد مرور 7 شهور على إقامتها في تركيا "البلد هنا مختلفة تمامًا عن مصر.. إحساس الغربة وحش زي ما نكون مقطوعين من شجرة، مفيش أب أو أم ولا إخوات كمان "ولم تستطع الاتصالات المتكررة والمستمرة يوميا مع أسرتها بالحد من شعور الغربة، كما تقول.
قبل عامين، كانت كلية الآداب هي الخيار الوحيد لدي إلهام صاحبة الـ21 عامًا، بعدما حصلت على ٨٨% بالثانوية العامة، ونظرًا لانخفاض المجموع لم تستطع دخول كلية الطب "رفضت أدخل أي كلية وفضلت آخد كورسات دبلومة بالجامعة الأمريكية وقدمت في منح كتير، لحد ما لقيت فرصة لدراسة بتركيا" حالة من الفرحة سيطرت عليها، إلا أن إقناع أهلها بالسفر لم يكن سهلًا "كل ما كنت بفتح موضوع السفر بابا يقولي أنتِ بتحلمي وآخرك كلية في أسيوط ومش القاهرة لحد ما مررت بفترة مرض وبابا بعدها وافق وسافرت".
"أسرتي عايشة بس غربتي خلتني أحس إني يتيمة" شعور بالندم يطاردها بين لحظة وأخرى، ظنًا منها بأن تحقيق حلم السفر والتواصل هاتفيًا مع أسرتها سوف يغنيها عنهم، تتذكر اللحظات التي مرت بها، المعنى الحقيقي لليتم بالنسبة لها "إنك تكون تعبان وعايش في وسط ناس متعرفش لغتهم ولا عادتهم ومحتاج حد من أسرتك يهون عليك في الغربة" وعلى الرغم من تحقيق حلمها إلا أنها تفتقد حنان الأم ورعاية الأب "كل الناس فاكرين إني قوية عشان سافرت لكني حاسة إني ضعيفة من غير أهلي".
عمل الأب .. يفرق روضة عن أسرتها
في أوائل 2016، قررت أسرة روضة علي، صاحبة الـ21 عامًا، ترك محافظة المنوفية التي تقيم بها الأسرة، والسفر إلى دولة جيبوتي، بسبب طبيعة عمل الأب بإدارة إحدى المؤسسات الخيرية الدولية هناك، واتفق جميع أفراد الأسرة على السفر ومرافقة الأب إلى الدولة الإفريقية التي يتجه إليها، ولكن فشل والدها في نقلها من كلية الإعلام جامعة القاهرة لاستكمال الدراسة بالخارج مثل أخواتها الثلاثة الذين سافروا برفقة والديهم.
"مكنش ينفع أسافر علشان كنت في أولى جامعة ولازم أكمل باقي السنين في مصر"، وبعد مناقشة الأسرة للعديد من الحلول من بينها سفر الأب بمفرده أو انتظار طالبة الإعلام في مصر على أن تذهب إليهم زيارة بعد انتهاء امتحانات آخر العام، لتستقر الأسرة على الخيار الأخير، الذي مثل صدمة لها وحالة من القلق، انتهت بموافقتها على بقائها في مصر وسفر باقي أفراد الأسرة.
"بعد أهلي عني خلاني أحس إني يتيمة" تسترجع روضة لحظات حديثها مع أخواتها ودعمهم لها في كل المواقف ومرافقتها في أغلب الأماكن التي تذهب إليها، تتمنى أن يعود الزمان بها وترفض قرار سفرهم الذي وافقت عليه في السابق، ظنًا منها بأن التواصل معاهم سوف يعوض غيابهم، تتذكر المواقف التي احتاجت فيها كثيرًا إلى والدها ووالدتها "في غيابهم حسيت إني اتولدت في الدنيا لوحدي".
وجود الأب أفضل من الأموال
"بابا مسافر من قبل ما أتولد وماما دايما في الشغل" بتلك الكلمات بدأت لمياء محمد، المقيمة بالسيدة زينب في منزل عائلة والدتها، حديثها، قبل سنوات اتخذ والدها قرار السفر عقب زواجه مباشرة للعمل محاسبًا بدولة الإمارات، لتوفير حياة كريمة لزوجته، وانشغال والدتها التي تقضي معظم وقتها بعملها محاسبةً بأحد المستشفيات الخاصة بالمعادي "الإنسان محتاج حد يكون معاه وجنبه مش محتاج فلوس وخلاص".
"كنت بحتاج بابا كتير ومكنتش بلاقيه أبسطها حفلات المدرسة والتكريمات واجتماعات أولياء الأمور" بنبرة من الحزن تستكمل لمياء حديثها، بابا يعتقد أن السفر بحثًا عن الأموال لتوفير حياة كريمة لأسرته هو كل شيء، "ومش عارف إننا محتاجين له معانا هو أهم عندنا من الفلوس، لما بنقول له كده بيقول لنا إنه هينزل في الإجازة، سفر بابا قبل ما أتولد خلاني مبقتش مهتمة هو هيجي امتي وهيمشي امتي؟".
"خليه يعيش حياته اللي تناسبه، وأنا جدي والد ماما ملا عندي خانة الأب" تقولها لمياء بنبرة مفعمة بالغضب، تتذكر المواقف التي عاونها فيها جدها وكأنه هو الأب، جدوا مهتم بأحفاده، وفي كثير من الأحيان يكون هو ولي أمري، بدلًا من بابا الذي لم أره إلا مرة واحدة آخر كل عام.
فيديو قد يعجبك: