الصناعة مستمرة.. عائلة تتوارث إنتاج الفخار بالفيوم (قصة مصورة)
كتب- محمد مهدي:
تصوير: جلال المسري:
وَسط قطعة زراعية في منطقة النزلة بالفيوم، يدور العمل على قَدم وساق، من أفراد عائلة "الفَرخ"، أشهر الأسر التي تعمل في صناعة الفخار بالمحافظة، توارثوا المهنة منذ عقود عن ذويهم، لينقلوا لأبنائهم سِر الصنعة وحُبها، مسيرتهم مع "الفخار" والصعوبات التي واجهتهم خلال عشرات السنوات، قيمة تلك الصناعة كونها من التراث وامتداد لتاريخ كبير "وكفاية إني شغلانتي محدش في العالم بيشتغلها ولا بيعرف يعملها زينا" يقولها حسني ربيع الفَرخ.
منذ نحو 40 عاما نشأ "حسني" وسط أسرة تعمل جميعها في صناعة الفَخار، عدد كبير من الورش، كُل أسرة لها ورشة، يتعاونون فيما بينهم في إرساء مباديء الصناعة بين الجميع، والحفاظ على استمراريتها قدر إمكانهم "اتعلمت وأنا عندي 10 سنين، ولقينا فيها راحتنا، اشتغلنا أوقات بره البلد بس اكتشفنا إن اللي بنعمله في الفخار له مُتعة خاصة".
احتفظت الأجيال الجديدة بالنمط والطريقة نفسها التي عمل بها الأجداد "بنعتمد على طمي النيل، التِبن والرماد، البوص ونشارة الخَشب، عشان بنستخدمها في الحريق" تجري عمليات إنتاج الفخار في ورش صغيرة مكونة من أفران ومساحات لوضع المنتجات في مواجهة الشمس "والخطوات بتبقى بين العجن وتشكيل الفخار ويتحط في الفُرن ويتخزن فترة" لتخرج في نهاية العديد من أنواع الفخار المختلفة.
لم تكتفِ الورش في قرية النزلة بالأشكال الأساسية التي عرفوها عن الأجيال القديمة "زي البوكلة والمنقد والزير" فقد أضافوا بعض المنتجات الجديدة من الفُخار "وهي الدفاية والشواية ودول بيتصدروا بره على نطاق كبير" مع الاحتفاظ بالطريقة نفسها القديمة في صنع الفخار "المختلف بس هو الشَكل، لكن نفس الخامات والاسلوب اللي بنشتغل بيه" هذا التنوع كان سببًا في منح أفضل للنزلة في صناعة الفخار.
بعد عقود من تداول الصناعة بين أبناء النزلة، نسبة كبيرة من صانعي الفخار اضطروا للابتعاد عن المهنة "لأن طبيعتها شاقة، بنشتغل لساعات طويلة، وكنا بنواجه مشكلة إنه معندناش طريق ننقل بيه الخامات أو الشغل لما يخلص" نزح عدد من أبناء العائلة إلى القاهرة الكبرى للبحث عن لقمة العيش "مبقاش فيه إلا 16 ورشة بس، كلها من نفس العيلة".
الصعوبات التي يتحدث عنها حسني كانت مؤرقة لسنوات عديدة "كنا بنضطر نأخد الخامات من مكان بعيد عن الشغل، ونحملها على حمير وننقلها في طريق متكسر" سعت الأسرة كثيرًا من أجل حل تلك المعضلة حتى استجابت لهم "ليلة القدر" بجريدة أخبار اليوم، وتم تمهيد الطريق وإنشائه مؤخرًا "بقالها سنة ونص، وده ساعدنا جدًا، وقلل التعب اللي كنا بنواجه في الشغلانة" يعتقد حسني أن تلك الخطوة ستساعد على استمرار الصناعة وعدم اندثارها.
مع مرور الوقت بات على الجيل الحالي التجهيز لجيل آخر من أبنائهم "كل واحد شغال في الفخار بيعلم اتنين تلاتة من ولاده" ينطلقوا معه إلى الورشة، يشاهدون في البداية كيف تدور التجربة، ثم يبدأون في إتمام مهام صغيرة حتى "يِشربوا المهنة زي ما بنقول واحدة واحدة" من يرغب في استكمال المشوار مُرحب به "واللي حاسس إنه عايز يسيب الموضوع ويشتغل حاجة تانية مبنغصبش عليه" لأن تلك المهنة تحتاج إلى الرغبة كما يؤكد "حسني".
النزلة ليست مصدرًا أساسيًا لصناعة الفخار "إحنا كمان بيجيلنا سياح من كل العالم" اعتاد أهالي القرية على زيارات الأجانب رغبة في مشاهدة طريقة صناعة الفخار على الطبيعة "محدش في العالم بيعملها، وبتحصلهم دهشة لما يشوفوا طريقتنا البسيطة عشان ننفذ حاجة بتطلع بشكل جميل" يتداول على سمعهم أن ما يفعلونه فن بديع "ودي حاجة بتفرحنا دايمًا".
سعادة بالغة تملكت "حسني" وأسرته مؤخرًا لتطورات تجري في بلدتهم "بعد الطريق، جالنا المركز الإيطالي واتفقنا يعمل مركز زوار، وشاشة عرض هيتم فيها عرض تاريخ البلد وصناعة الفخر" يذكرها الرجل بسعادة، فيما يؤكد على سعيه الدائم للتواصل مع الجهات الحكومية للنظر بصورة أكبر بعين الاهتمام لصناعتهم "عشان الفخار بتاعنا يتصدر ويبقى رقم واحد في العالم كله".
فيديو قد يعجبك: