«الرياضة علاج».. دورات كروية بمستشفى العباسية للصحة النفسية «لو بطلنا نلعب نموت»
كتب وصور- عبدالله عويس:
كرة قدم في منتصف الملعب، ولاعبون يجرون إحماءات رياضية، ومدرب واحد يقود الفرقتين، بدورة لكرة القدم.. مشهد اعتيادي في الملاعب المخصصة لتلك الرياضة، غير أن اللاعبين هذه المرة مرضى نفسيون، والملعب يقع داخل مستشفى العباسية للصحة النفسية.
لم تسع الفرحة خالد عبدالحميد، نزيل مستشفى العباسية للصحة النفسية، عندما علم ببدء دورة ستنظمها المستشفى في يوم الـ23 من رمضان وتستمر 3 أيام، وأن المباراة الافتتاحية لتلك الدورة ستكون بمشاركة فريقه «قسم 40 رجال»، ضد فريق «8 غربي». وتتشكل دورة مستشفى العباسية من 8 فرق، تنتهي بمقابلة الفريقين الحاصلين على أعلى النقاط بعضهما في النهائي، للحصول على كأس الدورة.
كانت فرحة خالد الذي تجاوز عامه الـ44، بالمباراة كبيرة، فمن شأن هذه الفعالية تغيير روتينه اليومي: «بحب الكورة أوي، وزمان لعبت كتير، وبقف حارس مرمى» يحكي الرجل بينما كان يمارس بعض الإحماءات، قبل انطلاق المباراة: «أنا بقالي هنا 4 سنين، كنت شغال خراط معادن، وواخد دبلوم صنايع».
يأخذ خالد الكرة ويسرع إلى الوقوف لحراسة المرمى، ثم ينادي على أحد زملائه، ويطلب منه تسديد الكرة في الشباك إن استطاع، وحين صد الكرة أكثر من مرة، ظل يقفز في مكانه فرحا بما فعل، ويخبر الجميع أنه أفضل حارس مرمى: «شفتوني وأنا بصد الكورة كويس».
يجلس فريق «قسم 24» على المقاعد خارج الملعب، في انتظار وصول فريق «الباطنية»، بينما يقف مجدي حسن، المشرف على النشاط الرياضي بالمستشفى، ملقيا على مسامع اللاعبين شروط اللعب، وضرورة أن تكون روح المنافسة والمحبة والمودة قائمة بينهم، ثم يصفر المدرب، الذي تحول بعد تلك الصفارة إلى حكم، معلنا بداية المباراة. وكان مصطفى رمضان أحد أبرز اللاعبين: «عندي 35 سنة، وبحب الكورة أوي، ولما بيكون في لعب لازم أكون أول واحد موجود» يحكي الشاب، الذي يلعب في مركز الدفاع، ويشجع النادي الأهلي منذ صغره، فهو النادي الأكثر حصولا على بطولات وذلك السبب كان كافيا لمصطفى: «ومثلي الأعلى وائل جمعة، كنت بحبه أوي».
بين مصطفى الحاصل على دبلوم تجارة، ومجدي المشرف على النشاط الرياضي، علاقة محبة، فهو الذي يكسر روتين يومهم، بالألعاب الرياضية المختلفة، وداخل حقيبة امتلأت بالأحذية الرياضية والملابس، كان الشاب يبحث عن زوج حذاء ملائم لمقاس قدميه.
يشجع محمد جمعة ذو الـ47 عاما الكرة الأوروبية، يعرف لاعبي نادي ريال مدريد وبرشلونة، لكنه لا يهتم كثيرا بالكرة المحلية، ولا فارق لديه بين الأهلي والزمالك، وحين بدأت المباراة، كان أداء الرجل في الملعب حماسيا، غير أنه بعد دقائق جلس على الأرض، وطلب التغيير سريعا: «طلعوني أنا زهقت». خرج محمد وظل يتابع رفاقه وهم يلعبون، وحين تمر حمامة أو غراب أو حتى طائرة، يبسط يديه متمنيا أن يستقر الطائر فيها، ولا يبعد عينيه عن الطائر حتى يختفي تماما من أمامه: «ربنا يستجيب دعواتنا بس ويشفينا، عندي اكتئاب وحش». رغم نحافة وزنه إلا أن محمد يعتقد أنه سمين، وأن وزنه لن يمكنه من لعب الكرة، يؤكد له رفاقه أنه الأنسب من بينهم وزنا ورشاقة للعب، لكنه لا يقتنع: «برضه مش هكمل لعب».
أثناء المباراة، كان «الحكم المدرب»، يشجع اللاعبين، سواء كانت الكرة تستحق تشجيعا من عدمه، حتى تلك المحاولات لركل كرة أو تمريرها للاعبين آخرين، كانت تستحق الثناء والتصفيق والصفير أحيانا: «لازم ندعمهم بكل شكل، هما ناس أصحاء بس عندهم مشاكل نفسية نتيجة ظروف، لكنهم مش مجانين زي ما الأفلام كانت بتطلعهم» يحكي مجدي، وهو يسرد قوانين اللعب، وهي برأيه مختلفة بعض الشيء، يتم فيها مراعاة البعد النفسي والإنساني للاعبين: «مينفعش مثلا ألاقي حد بيزق حد بعنف إلا وأتدخل، ولو في كورة ممكن تزعل طرف بشوف حل وسطي يرضي الاتنين فبدل الفاول مثلا ممكن أحسب الكورة خارج الملعب لو كانت طلعت، لكن غير كده اللعب هو هو». يلعب منتخب مستشفى العباسية كرة القدم في مواجهة مستشفيات أخرى للصحة النفسية، وداخل مستشفى العباسية 8 فرق لكرة القدم، تلعب الكرة يومين في الأسبوع، كما تنظم لهم دورة بشكل شهري.
قبل بداية اللعب، وضع مجدي وعاء بلاستيكيا به ماء وقطع ثلج، ليشرب منه اللاعبون، فجميعهم مرتبطون بمواعيد دقيقة لتناول أدوية، ولا مساحة للصوم: «وأول ما حد منهم بيعطش بجيبله مياه لحد عنده». يحكي الرجل الذي له سنوات طويلة في المستشفى، ويشهد عددا من الفعاليات الخاصة بالنزلاء، فمنها رياضة الركض وكرة القدم والرسم والتلوين والمسرح والتمثيل والغناء والمشغولات اليدوية: «وكل ده بيفرق معاهم جدا».
يتكون كل فريق من بعض نزلاء المستشفى، بالإضافة إلى بعض أفراد التمريض والمشرفين، ويلعبون جنبا إلى جنب، تماما كما يفعل حسن محمد، أحد الممرضين بوحدة التخلف العقلي، الذي جلس يتابع اللاعبين، قبل أن يشترك معهم في اللعب: «لازم يكون في تمريض مع كل فريق، عشان يتابع المباراة لأنه ممكن نطلع لاعب من الماتش لو اتعصب أوي مثلا». كان إلى جواره أيمن إبراهيم، مشرف على طاقم التمريض بقسم الوارد، أحد أهم الأقسام وأكثرها صعوبة في التعامل مع المرضى، ويلعب الرجل رفقة آخرين، ويوجههم أحيانا أثناء اللعب: «بنحاول نعمل أي حاجة عشان خاطر المرضى يحبوا المستشفى، والكورة أكيد من الحاجات اللي بتحببهم فيها».
رفض أحمد رجب فجأة اللعب، وأخبر المدرب برغبته في المشاهدة فحسب، ومع انطلاق المباراة، سارع الشاب إلى تغيير ملابسه ونزول الملعب: «كنت جاي أتفرج بس احترت أنزل ولا لأ، في الآخر قلت أجرب» يقاطعه أحمد عبدالفتاح «عامل محارة»: «لازم يلعب، عشان الكورة بتقوي الجسم، والقعدة هنا أحسن من العنابر طبعا».
أيمن إبراهيم يتابع حديث زميله، حين قاطعه بقوله: «المرضى ليهم حقوق، وأنا ليا حقوق زي اللعب والتمشية» ثم يبتسم الرجل قبل أن يضيف: «أصل أنا خريج حقوق عين شمس وأفهم في القانون».
أكثر اللاعبين مهارة محمد البابلي، وأكبرهم سنا كذلك، فعمره تخطى الـ56 عاما، وساعد فريقه على الفوز في المباراة التي جرت مساء الثلاثاء الماضي: «دخلت هنا بعد صدمة عصبية، حاجات متعلقة بالشغل، وبعد كده وفاة والدي». يلعب الرجل الكرة منذ صغره، وحين تكون هناك فرصة للعب لا يفوتها: «الكورة دي من أحلى الحاجات في الدنيا، ونفسي آخد الكاس أنا وصحابي».
مشاركة المريض في المباراة، والالتحاق بالنشاط الرياضي، تكون وفقا لعدد من الشروط والمعايير، على رأسها، العرض على طبيب نفسي، لمعرفة قدرته على اللعب، ثم عرضه على طبيب الباطنة، لفحصه من الأمراض، والتأكد من قدرته على اللعب: «ممكن يكون المريض عنده قلب وميقدرش يعمل مجهود مثلا» قالها سامي محمد رئيس التمريض بقسم الرجال مطور».
انتهت المباراة بفوز فريق «قسم 40 رجال» على فريق «8 غربي» بـ3 أهداف مقابل هدف واحد، ولم يحضر فريق «الباطنية»، لعدم رغبتهم في اللعب، فأعلن فوز فريق «القسم 24» بنقاط الفوز: «والدورة اللي سميناها العاشر من رمضان، المكسب فيها بالنقاط وكل ماتش ليه نقاطه، وفي الآخر أكتر فريقين هياخدوا نقط هيقابلوا بعض في النهائي» قالها مجدي، المشرف على النشاط الرياضي، ويرى الرجل أن لعب الكرة له تأثير إيجابي كبير على المرضى: «المريض بيكون فرحان جدا لما تحسسه بالفوز وإنه حقق حاجة، وبتغير روتين يومه مش بس أكل وشرب وأدوية».
غادر اللاعبون أرضية الملعب، وعلى وجوههم الابتسامة، مصافحين بعضهم البعض، ومودعين مجدي، على أمل الالتقاء به مرة أخرى لاستكمال الدورة، وانسحب المشرفون عليهم من طاقم التمريض، بينما تولى مجدي جمع المتعلقات الرياضية التي بالملعب، قبل أن ينصرف.
فيديو قد يعجبك: