الطريق إلى الرزق والموت.. والد ضحية حادث البحيرة: "بنتي كانت هتتجوز بعد شهر"
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتب- محمود عبد الرحمن:
حين حل موعد طلوع فجر يوم الثلاثاء الماضي، استيقظت"فرحة محمود" من نومها، ارتدت ملابس العمل، وانتظرت خارج باب منزلها، بإحدى قرى محافظة البحيرة، حتى تمر عليها سيارة "ربع نقل" تقلها مع غيرها من الفتيات والصبية، إلى العمل بإحدى المزارع الموجودة بالطريق الصحراوي.
مشهد يتكرر كل يوم بتفاصيله منذ سنوات، لكن في ذلك اليوم المذكور اختلفت التفاصيل، وعادت صاحبة الـ19 عامًا التي خرجت بحثًا عن لقمة العيش، إلى قريتها جثة هامدة بعد وفاتها في حادث طريق "كنت بروح أجيبها من على الطريق أوصلها للبيت، بس المرة دي جبتها ميتة ودفنتها" يقولها بحزن محمود شحاتة والد فرحة.
في السادسة صباحًا تحركت السيارة، بعد أن جابت شوارع قرية "أبو الشقاف" التابعة لمركز حوش عيسى في محافظة البحيرة، لجمع الفتيات والشبان، الذين بلغ عددهم 10 شباب و17 فتاة، باتجاه مزرعة تبعد 80 كيلو متر عن القرية، يعملون بها مقابل 70 جنيها يوميًا، وفي منتصف الطريق تعطّلت السيارة، وفق ما يروي رجب – شقيق فرحة الأصغر الذي يعمل معها- فاضطر "بهاء فرج" المسؤول عن جمع العمالة، الاستعانة بـ"حسام"، شقيق "فرحة" الأكبر، كونه يملك "ميكروباص"، لكي ينقل الفتيات.
"أخويا حسام جه بالعربية وركب البنات بس، ورفض يركب الشباب علشان العدد كتير"، يقول رجب، فتدبر المقاول أمر الشباب وألحقهم بسيارة "سوزوكي" أخرى، وحين وصل الميكروباص أمام كوبري أبو خشيم بطريق ترعة الحاجر "اتقلب على الطريق مرتين وبعدين اتقلب في المية"، ما أسفر عن مصرع ثمان فتيات في مقتبل أعمارهم، وإصابة 14 آخرين، بحسب ما أعلنت مستشفى حوش عيسى يوم الثلاثاء الماضي.
لا يزال مشهد الحادث الأليم عالق بذهن "رجب"، صاحب الـ16 عامًا، يتذكر لحظة سقوط السيارة التي ضمّت اثنين من أشقائه، فيما كان هو مستقلًا سيارة خلفهما، يرقد شقيقه الأكبر "حسام"، سائق الميكروباص، في المستشفى متأثراً بإصابته، بينما لقيت أخته مصرعها "كل الناس نزلت المية تحاول تنقذ اللي كانوا في الميكروباص، أنا شوفت أختي بتموت قُدّامي ومعرفتش أعمل حاجة"، يذكرها الصغير والدموع تغالبه، فيما لا يفارقه ذكرياته مع شقيقته، ومزاحها وضحكاتها نتيجة ازدحام السيارة "ربع نقل" التي اعتادت أن تقلهم "المقاول مش بيمنع حد إن يروح الشغل أي حد بيكون مستني العربية بيركب معانا وساعات العدد بيزيد أوي".
طريق الحاجر الذي شهد الحادث، يبلغ عرضه 3 أمتار، وهو ما يعتبره المهندس المدني ماهر عبد الهادي، السبب في وقوع الحادث الأخير، كون الطريق الذي يربط بين مركزي حوش عيسى والدلنجات بالبحيرة ضيقاً "كما أنه مربوط بعدة طرق منها الطريق الصحراوي، أيضًا هو الطريق الذي تستخدمه جميع سيارات نقل العمالة، لذلك يجب معاينته وفحصه وتوسيعه أو البحث عن بديل بدلاً من تكرار الحوادث"، يقول عبد الهادي، مشيراً إلى الحادثة التي وقعت في سبتمبر عام 2016، في نفس مكان الحادث الأخير، ولقي شخصان مصرعهما إثر وقوع تصادم بين سيارة أجرة ميكروباص ودراجة بخارية.
قبل عشر سنوات، بدأت "فرحة"، 19 عامًا، العمل باليومية في المزارع، سعت الفتاة إلى مساعدة أسرتها، رفقة أخيها الصغير رجب، لتدبير أموال تساعدهم على تلبية احتياجاتهم البسيطة، مثلها مثل العديد من الفتيات بنفس القرية الذين يعملون باليومية من أجل مساعدة أسرهم في مصاريف الحياة كما يقول "سامح عبد العزيز" زوج شقيقة فرحة.
داخل مسجد عزبة رضا التابعة لقرية الشقاف، التف أهالي البلدة، حول محمود شحاتة والد الفتاة، الذي زاده فراق ابنته وهن على شيخوخته، يتلقى العزاء والجميع يواسونه على فراق فلذة كبده، بينما ظل الرجل في صمت وحيرة، وبين الحين والآخر يسأل عن حالة ابنه "حسام"، يقول الأب بلهجة ممزوجة بالكسرة "بنتي كانت هتتجوز بعد شهر وهى شغالة علشان تجهّز نفسها"، فيما يسرد تفاصيل المكالمة الهاتفية بينه وبين ابنه الصغير رجب الذى كان يرافق أخته وقت الحادث ولكنه نجا لركوبه سيارة أخرى "أخوها بيروح معاها الشغل لقيته بيتصل بيا يقولى أختى ماتت يابا"، لم يتمالك الأب نفسه حينها، وهرول باتجاه مستشفى حوش عيسى، واصطحب جثة ابنته وعاد بها إلى قريته.
في منزل بسيط يتكون من غرفتين وطابق واحد، جلست نصرة رمضان والدة الضحية فرحة، وسط مجموعة من النساء متشحات بالسواد، تتمتم ببعض الكلمات بصوت مبحوح، ومن حين لآخر يعلو صوتها، تنادي على ابنتها "تعالي يا فرحة هتتجوزي ومش هتروحي الشغل تاني"، تتذكر قبل أسبوعين الخلاف الذي نشب بين فرحة وخطيبها لرفضه ذهابها إلى العمل بالمزارع مرة أخرى، ولكن الفتاة رفضت كي تساعد أهلها في تكاليف زواجها "موتها كسرني، يا ريتها سمعت كلامه وما رحتش تاني".
حسرة وحزن الأم الأربعينية على ابنتها لا يرتبط فقط بموتها في حادث أليم، وإنما تذكر أن ابنتها "عمرها ما فرحت، طول عمرها بتشتغل ومش عايشة زي اللي في سنها"، تتذكر لحظات عودة ابنتها من عملها وحديثها عن تفاصيل يومها بالمزرعة، وعن مدى تعبها في الوقوف على قدميها دون جلوس لتعبئة بعض الخضراوت أو الفاكهة، وعن أحلامها بعد الزواج " كانت بتقولي بعد ما أتجوز مش هشتغل تاني وهرتاح بقى من الهم ده، لكن أديها ارتاحت خالص من كل حاجة".
فيديو قد يعجبك: