"منقسم كحال الوطن".. كيف استقبل اليمنيون اختلاف يوم العيد داخل بلدهم؟
كتبت-دعاء الفولي:
مازال أحمد عبداللطيف البيل يتذكر الأيام الخوالي، حين كان والده يأخذه صبيحة كل عيد، يمران سويا على بيوت الأقارب والأصدقاء، ينتظران القادمين من مدن أبعد كمأرب وعدن، تجتمع الصُحبة ويقضون ساعاتهم بين الطعام التقليدي للبلد، الأناشيد، والرقص أحيانا. غير أن ذلك بات مجرد ذكريات، لم تُبق الحرب في اليمن إلا على مظاهر قليلة، حاول البيل التمسك بها قدر المستطاع، قبل أن يقضي عيد هذا العام على آخر آماله، حين انقسم البلد لنطاقين، أحدهما يحتفل اليوم بعيد الفطر، والآخر احتفل بالأمس.
أول أمس، وفيما تتوارد أخبار رؤية هلال شوال في الأراض العربية، اختلف الوضع داخل اليمن، فبينما أقرت السلطات اليمنية التي تتخذ من محافظة عدن عاصمة مؤقتة لها أن أمس هو الأول من شوال، قررت جماعة أنصار الله الحوثية، المسيطرة على مدن أخرى أهمها العاصمة صنعاء، أن اليوم هو أول أيام العيد.
"هذا شيء موجع.. الواحد كان يستنى العيد عشان نود أرحامنا ونتقارب.. هذه السنة إحنا نعيد بمفردنا وهما بمفردهم.. هذه مأساة والله"، يقول البيل.
حالة من الإحباط تسيطر على صاحب الثلاثين عاما، حينما سمع نتيجة الرؤية انفلتت منه ضحكة ساخرة "لأنه الحال من سيء لأسوأ.. مش يكفي إنه الحرب حرمتنا من العيد لأ بننقسم أيضا".
تفاصيل ما قبل الحرب ليست ببعيدة عن ذهن البيل، فقبل 9 سنوات كان للعيد في صنعاء طعم خاص "لأنها العاصمة فكانت مضيافة.. يجيها ناس من كل قبائل اليمن"، كان لقاء الأحبة بعد الصلاة واجبا، يعقبه أحيانا زفاف يستمر أحيانا خلال أيام العيد الثلاثة. بينما يصبح منزل الشخص المريض مزارا عاما، فتطبخ السيدات بعض الطعام لأهل البيت، ويظل الرجال لجانب المريض لساعات عدة "بينما الآن صارت الناس تخاف من بعض.. آرائهم السياسية طغت على علاقاتهم".
عقب رؤية الهلال ظل البيل على تواصل مع أهله في المدن التي احتفلت أمس بالعيد "إحنا كمدنيين ما بنريد شيء إلا السلام فقط"، هنأ أحبابه، وفوجئ أن بعضهم صام بالأمس "لما رأوا حالة الانقسام قرروا يأخذوا بالأكثر حيطة". داخل صنعاء، مازال شيء من الفرحة يسيطر على الأجواء، لا يتنازل البيل عن وجبة "اللحوح" المكونة من الدقيق والمكسرات والسكر صباح العيد، تصنع السيدات الكعك، ويشتري بعض القادرين المكسرات، يستطرد ابن الثلاثين "كانت المكسرات قبل الحرب رخيصة كتير.. بس صار لازم ثروة لنشتريها الآن".
صبيحة أمس، استيقظت نوف محمد، صاحبة الواحد وعشرين عاما، لصلاة العيد في مدينة تعز، الخاضعة للحكومة اليمنية. بعد العودة من الصلاة كانت القهوة اليمنية والمكسرات حاضرة على مائدة طعام الصباح، احتستها الشابة فيما تتابع ردود أفعال أصدقائها القاطنين بالمدن التابعة لسيطرة الحوثيين "بعضهم يسخر والآخر لا يفهم ما يحدث.. داخل بعض المناطق بتعز فيه حارة احتفلت أمس وحارة اليوم".
السلتة اليمنية جزء أصيل من احتفال نوف بالعيد، وهي أكلة تتكون من الثوم المهروس والحلبة مع اللحم والبطاطا والفلفل، تلك الوجبة هي الأهم على موائد كثيرة في عيدي الأضحى والفطر، لكن الأمر اختلف في السنوات الماضية "لما كانت تعز تحت سيطرة الحوثيين اختفت مظاهر الاحتفال تماما لأن الناس خافت منهم كثيرا"، كان كل منزل في مدينة الشابة قد شيّع شهيدا أو يحوي مصابا، الطرق معظمها مُغلق ومفروش بالمتاريس، عادت المدينة لسلطة الدولة، ولم تتحسن الأوضاع المالية كثيرا "كما أن غصة الحرب لازالت هنا".
ذلك العام، يتنفس فهيم المخلافي ابن مدينة تعز الصعداء قليلا، فرغم الانقسام، إلا أن عودة معظم أجزاء المدينة للسيطرة الحكومية أثلج صدره، لا يرتبط الأمر بالعيد أو رمضان فقط "كل شيء في حياتنا اختلف بعد الحرب.. الانقسام ليس الأسوأ".
أرسل صاحب الـ34 عاما بالأمس رسائل التهنئة لأهله في المدن الأخرى "بعضهم صائم والآخر يحتفل"، فيما أبقى على عادته الدائمة "بنعطي للأطفال عيدية بعد الصلاة حتى لو قليلة.. ما لهم ذنب في الحرب".
عانت "تعز" الكثير بعد 2011، يتذكر فهيم عام 2015 حين حوصرت من قبل ميليشيات الحوثي "كان لا يوجد عندنا أدوية، ولا أغذية، ومواد بترولية، بعضنا كسر خشب السرير ليطبخ عليه، حتى الآبار انعدمت لتواجدها في مناطق الحوثيين"، كانت القذائف تُنير ليل المدينة، يُصلي الناس التراويح على استحياء، ويحتفلون بالعيد داخل منازلهم أو الأزقة، لذا ورغم الانقسام "هذا الوضع أفضل من إنه أكون تحت سيطرة الحوثيين مرة أخرى".
أكثر من 250 ألف شخص هم ضحية الحرب في اليمن، بعضهم قُتل بشكل مباشر، وآخرين قتلهم شُح الغذاء وسوء الرعاية الصحية، حسب تقرير نشرته هيئة الأمم المتحدة في إبريل 2019، حيث توقع التقرير تفاقم الأزمة والخسائر المادية إذا لم تتوقف الحرب فورا.
العودة لما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع تظاهرات 2011، ثم اشتعال الحرب في 2015، أمر عسير بالنسبة لعفراء الشهيري التي تقطن بمدينة عدن "يعني إذا حتى حدث تنمية... لن يعود الموتى ولا المصابين ولا كل الأشياء الجميلة التي ابتلعتها الحرب".
تخضع عدن الآن للسيطرة الحكومية، بالكاد يحاول أهلها الاحتفال، تقول صاحبة الـ27 عاما "أهلنا لا يتنازلون عن طقوس العيد.. بداية من الاجتماع مع العائلة وحتى إعطائنا العيدية مهما كبرنا".
حينما كانت عدن تحت سيطرة الحوثيين "كنا نخرج نصلي في الساحات أيضا ونزور أهلنا لكن على استحياء"، إلا أن الخروج للمتنزهات والملاهي مُنع وقتها "كانت الناس ترتعد من بطش ميليشيا الحوثي".
تأمل ابنة عدن أن تتحسن الأحوال، تُصبر نفسها برؤية الأحباب في العيد والخروج رفقتهم، لا تنسى عام 2015 حين اضطرت للنزوح مع أهلها لمحافظة المهرة "ساعتها قضينا العيد هناك وخالتي ذهبت لدولة جيوبتي وخالتي الثالثة بالسعودية وخالي في صنعاء ومحتفلناش بالعيد".
فيديو قد يعجبك: