شوق إلى الوطن.. النيل سبيل مغتربين لوصال بلدهم في العيد
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
في أول أيام العيد يبحث كل عن وِجهته؛ كيف يقضي يومًا سعيدًا؟ الحدائق، الأماكن العامة، أو دور السينما، غير أن المغتربين شغلهم شيئًا آخر، البحث عن مكان يكون وِصال بينهم ووطنهم، فكانت رحلة بالأتوبيس النهري ملاذهم، يذكرهم النيل ببلادهم، يُعيدهم إلى أحضان أُسرهم، في رحاب النيل لا وجود للغربة.
في كل مرة يأتي العيد بينما تقضيه هاجر محمد بالقاهرة، تأتي إلى النيل، لا تضيق ذرعًا بتكرار "الخروجة"، طالما أنها ستشعر أنها لاتزال في بلدها السودان، تختار مكانًا بجوار النافذة، فتطل منه على مشهد المياه المنسابة حولها فتتذكر قضاؤها لأيام العيد بداخل بلدها.
في السودان ثمة تفاصيل للعيد متشابهة مع مصر، لمست السيدة الأربعينية ذلك، بينما لاتزال تشعر بالحنين لـ"لّمة الناس"، في بلدها الخرطوم حين تنتهي صلاة العيد "لازم نزور البيوت اللي حوالينا نبارك لهم بالعيد"، يُعدون فطارًا جماعيًا، تجتمع العائلات كلها على مائدة واحدة "وبعد ما نخلص، كل واحد بيشوف برنامجه لليوم".
هذا العام حمل العيد مرارة في نفس السيدة السودانية، إذ تابعت ما جرى في بلدها بالأمس من فض الاعتصام في العاصمة الخرطوم، ووصل عدد القتلى إلى 60 شخصًا بحسب لجنة أطباء السودان المركزية "ما في طعم لأي شي بعد ما سمعت اللي حصل، عيد منكوب بموت شبابنا"، غير أنها تدرك أن أطفالها الاثنين لا ذنب لهم في ذلك، اصطحبتهم رفقة شقيقاتها وأتت بهم إلى الأتوبيس النهري "نفسيًا بشعر حاليًا إني جوة بلدي ووسط أهلي، كإني مو بعيد".
للسنة الثانية يقضي "إلهم يحيى" عيد الفطر في مصر؛ لم ينل أي إجازة تمكنه من العودة إلى بلده إندونيسيا فيقضي العيد برفقة أهله، لكن بالنسبة للشاب العشريني فيمكن أن يقهر المسافة برحلة نيلية وسط القاهرة.
اتخذ إلهم وقرابة ثلاثين فردًا من أصدقاؤه الآسيويين الأتوبيس النهري من محطته بمنطقة التحرير، جلسوا في أماكنهم غير مكترثين بالمحطة التي يرسو فيها الحافلة، ما يشغلهم قضاء عدة دقائق برفقة المياه العذبة "في القاهرة اعتدنا على مواصلات مثل القطارات أو العربات، نحن سعداء لاكتشاف الأتوبيس النهري لإنه يفكرنا برحلاتنا البحرية في بلادنا".
قبل عامين جاء الشاب العشريني إلى القاهرة من أجل الدراسة علوم الشريعة في الأزهر، يشاركه السبب باقي أصدقاؤه الوافدين، يحكي محمد فكري إن معمله في إندونيسيا أخبره "إذا أردت أن تسافر للعبادة فاذهب إلى مكة، إذا أردت العلم والمعرفة الدينية، فعليك بالأزهر"، ثّمن الشاب العشريني النصيحة وجاء إلى مصر هذا العام، فيما يبلغ عدد طلاب إندونيسيا في المعاهد والجامعات الأزهرية 6 آلاف طالب وطالبة بحسب حديث لسفير إندونيسيا حلمي فوزي العام الماضي.
لأول مرة يقضي فكري العيد بعيدًا عن بلاده، يجلس بجواره صديقيه "رزق" و"هارون"، تأقلموا سريعًا على البلد الأفريقي، لكن يظل الشوق إلى الوطن ولمة العائلة في القلب "لذا حين أخبرني أصدقائي القُدامى عن هذه الرحلة لم أتردد، التنزه في نهر النيل وكإنه علاج للحنين الذي يتملكنا جميعًا".
استقر الطلاب الإندونيسيون على مقاعد الأتوبيس النهري، حاول كل واحد منهم توثيق الرحلة بأشكال شتى، فأخرج أحدهم كاميرا احترافية لالتقاط صورًا تذكارية لهم، البعض أسند رأسه على المقاعد ليستمتع بمشهد المياه، آخرين لم يتركوا هاتفهم من أجل توثيق اللحظة، بينما كان لفكري طريقة مختلفة للاحتفال بالعيد.
أخرج الشاب العشريني ورقة من حقيبته، كتب عليها باللغة الإندونيسية تهنئة بعيد الفطر لصديقه " من أجمل نهر رأيته في حياتي وأطولهم، أريد أن أقول لك أن صداقتنا ستستمر كما تنهمر مياه هذا النيل الجميل".
فيديو قد يعجبك: