إعلان

رحل جاد الكريم.. "الصورة" ترافق صاحب لقطات اغتيال السادات حتى النهاية

06:13 م الجمعة 05 يوليو 2019

المصور الراحل مكرم جاد الكريم صاحب لقطات اغتيال ال

كتبت-إشراق أحمد:

حتى آخر لقاء ظل لسانه يردد ما عاش له؛ كان التصوير لمكرم جاد الكريم ذاكرته التي لم يمسها تبعات كبر العمر بسوء. ما إن يكون محل حديث، فيتبدل حال المصور الصحفي من شخص كتوم إلى حكاء نهم، يروي التفاصيل البعيدة ويغادر فكره ما دونها، كأنما أراد أن تكون الصورة ميراثه بين معارفه، مَن اقترب منه أو صادفه يوًما، فكانت أول حاضر في أعين مَن عاصروه بعد خبر وفاته صباح أمس.

التقى المصور الصحفي عبد الوهاب السهيتي بجاد الكريم لأول مرة عام 1979، كان لم يزل مصورًا شابًا، بينما ينتمي مصور الأخبار الراحل إلى الجيل الثاني لتلاميذ حسن دياب أحد رواد التصوير الصحفي في مصر، جمعتهما اللقاءات في حضرة الأستاذ الكبير قبل أن يتشاركان التنافس "كنا في رئاسة الجمهورية مع بعض وقت السادات ومبارك هو بيصور للأخبار وأنا كنت ماسك قسم التصوير في الوفد".

1

طالما نظر السهيتي لمكرم بعين "التلميذ والأستاذ"، حتى اللقاء الأخير لهما، حين قابله وقت تكريم شعبة المصورين له في يوليو 2018، وقتها لم يسمع من الرئيس الأسبق لقسم التصوير في جريدة الأخبار سوى الحديث عن الصورة "حكي عن حرب اليمن ومغامراته وإزاي كان ممكن يفقد حياته". أنصت لما عرفه عنه مسبقا وتداول بين المصورين حينما عمل جاد الكريم مراسلا حربيا وقت حرب اليمن عام 1962 فكان يتخفى داخل "برميل" ليتمكن من التنقل بين المناطق ويقتنص الصور، حتى أن المخابرات الحربية اعتمدت عليه "والمشير عبد الحكيم عامر أمر يكون ليه خط تليفون مخصوص" كما يحكي السهيتي.
اشتهر جاد الكريم في الوسط الصحفي بـ"الخبطات"، فهو صاحب المشاركات المتفردة في العديد من الحروب، بداية من اليمن وحتى أكتوبر 1973. "هو الوحيد اللي صور ضرب المطارات وقت النكسة في 67 لكن متنشرتش عشان كان ممنوع وقتها" حسب قول السهيتي، لكن ظلت لقطات اغتيال السادات الأكثر شهرة في سيرته، خاصة وأنه حاز عليها جائزة "الصورة الصحفية العالمية "world press photo" وكان أول مصري ينالها عام 1982.

2
غاب جاد الكريم –مواليد 1939- عن الوسط الصحفي منذ 2006، انقطعت الاتصالات مع مؤسسته الأخبار بعد إحالته للمعاش، أصابه مرض الزهايمر لكنه لم ينس شغفه بالتصوير ولا مَن عمل معه. "أنت كنت بتصور إيه طيب هنزل أصور معاكم؟" يتذكر خالد الباجوري، الرئيس الحالي لقسم التصوير في الأخبار، آخر كلمات سمعها من المصور الراحل وقت تكريمه في نقابة الصحفيين.
لم ينس الباجوري سنوات عمله ضمن 40 مصورًا آخرين، تولى جاد الكريم إدارة شؤونهم في الفترة من 2000 حتى 2006. عرفه رئيسا ستيني العمر لكن لا يتوان عن تشجيعهم على استخدام التكنولوجيا والكاميرات الحديثة، فيما يعيب عليهم إن حدد له مصور توقيت عمله "كان يقول لنا متنزلش وتقول هترجع أمتى.. عايز تعرف هتمشي وتيجي الساعة كام اشتغل موظف أحسن"، فطالما كانت جودة الصورة الهم الكبير لجاد الكريم أو كارمي الاسم الحقيقي للمصور الراجل كما يقول الباجوري.

3

مازالت صور جاد الكريم داخل المحاكمات العسكرية للتنظيمات الإرهابية فترة الثمانيات والتسعينيات محط تأمل المصور عمرو نبيل لسيرة الراحل "تقريبا مفيش حد صور غيره. كانت صور قوية لانفعالات المتهمين وأهلهم"، تأكد معها أنه لم يكن مصورًا محظوظا بل يعرف كيف يقتنص الوجوه والمشاعر الإنسانية، لذلك لم يعد يتعجب لكونه مصور لحظات اغتيال السادات وثباته الانفعالي، فقد كان ذلك نتاج تجارب مسيرته مع تغطية الحروب.

قبل عشرين عاما رأى مصور وكالة الأسوشيتدبرس مصور الأخبار الكبير وجهًا لوجهًا، استمرت اللقاءات المتقطعة ومعها الشغف غير المنقطع بالصورة "كان قرب الستين وحماسه كبير. فاكر إنه كان بيصور الأعياد وشم النسيم وأحد الزعف".
استمر نبيل في التواصل مع جاد الكريم رغم ابتعاد الأخير طويلا، كان يراه "علامة فارقة ومهمة في تاريخ التصوير"، فضلا عن أن لرئيس شعبة المصورين الصحفيين السابق اهتمامًا خاصًا بأرباب المهنة. أراد أن يسجل معه فيلما مصورا، لكن طابع المصور الراحل المتكتم عن الحديث في أغلب الوقت حال بين ذلك، لكن لم يضع الاهتمام هباءً.

4
صورة لم تُلتقط احتفظت بها ذاكرة نبيل عن جاد الكريم رغم مأساويتها، حينما هام الراحل على وجهه إثر مرضه بالزهايمر ووجده شاب تعرف عليه وكان على علم بما يكتبه نبيل عن جاد الكريم فتواصل معه، وتولت دار رعاية في الزيتون العناية به حتى وفاته.
في تلك الدار تكرر لقاء مجدي إبراهيم بالمصور الراحل لمرتين أضيفت إلى مثلها قبل سنوات، فيما يهدأ صوت نائب رئيس شعبة المصورين الصحفيين بينما يذكر أن بالأمس كان اللقاء الأخير به للمرة الخامسة.
في كنيسة العذراء مريم بمنطقة الزيتون، وقف إبراهيم بين المشيعين، الذين اقتصروا على أسرته وعدد قليل من المصورين ممن علموا بخبر الوفاة وتمكنوا من الحضور في الثانية ظهرًا، يمتن إبراهيم ليوم تكريم جاد الكريم، يتذكر سعادته وكم كان فارقًا في معنوياته، يقول "الحمد لله إننا قدرنا نعمل ده في حياته عشان نريح ضميرنا ونفسيتنا شوية".
يشعر المصور الصحفي بالتقصير إزاء نماذج كثيرة من المصورين بينهم جاد الكريم، يأسى لحال الأرشيف الضخم الذي لا يُعرف منه سوى الفتات، فيما يضيع ما يمثله من تاريخ ولا يُذكر سوى الحديث عن صور تمنى لو لم ترحل مثل صاحبها.

فيديو قد يعجبك: