لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بين "الكيماوي" وشبح الانفجار.. حكايات مرضى معهد الأورام في ليلة العيد (صور)

12:05 ص الأحد 11 أغسطس 2019

رئيسة

كتابة وتصوير- شروق غنيم:

افترشت أسماء صبحي ملاءة زرقاء اللون على سرير ابنها الأكبر، داخل مستشفى هرمل بمصر القديمة. وضعت الطعام استعدادًا للإفطار بعد صيامها يوم عرفة، تقتسم "اللقمة" مع ابنها رغم عدم مقدرته على الصيام، تحاول أن تُعايش أجواء العيد، تستدعي تفاصيله البسيطة في "لمة على القَد"، تحاول نسيان رائحة المحاليل والأدوية، وتتذكر نفسها في بيتها ببني سويف، تنظف منزلها، تُعّد "الفتّة" الشهية، يتجمع أحباؤها حول طاولة واحدة.

1

تأتيها مكالمة تختصر آلاف الكيلومترات، ترد على تهنئة العيد ثم تُردف "لسة بياخد الجرعة أهه"، كأنما مشرط وقد فتّح كافة جروح السيدة الثلاثينية، تدمع عيناها؛ لن تقضي هذا العيد لأول مرة رفقة أسرتها، بل في مراقبة قطرات المحلول وهو يخترق جلد ابنها ببطء، تشكر الله على قدره، يكفي أنه نجا ابنها من حادث مميت، بينما تدعي أن يحل العيد القادم "وهو واقف على حيله وكاسر السرطان، مش العكس".

لم يعد بالإمكان الاستمرار داخل غُرف المعهد القومي للأورام بعد حادث التفجير الإرهابي الذي وقع مساء الأحد الماضي أمام المكان، أودى بحياة 20 شخصًا، نال من الواجهة الرئيسية للمبنى، وألحق ضررًا ببعضه، ظلت العيادات الخارجية تعمل لاستقبال المرضى، لكن مع حلول عيد الأضحى واحتياج المكان للترميم والإصلاحات، نُقِل كل مرضاه إلى مبنى الأورام في مستشفى هرمل، بحسب حديث دكتور أحمد سعيد، مدير العيادات الخارجية بالمعهد لمصراوي.

2

3

مع اللحظة التي انفجرت فيها السيارة أمام معهد الأورام، تلاشت كل خطط الممرض إبراهيم السيد تجاه العيد، كان ينوي الشاب صاحب الـ24 عامًا قضائها بين أسرته في المنصورة، اعتاد منذ سنوات عمله الثلاث بالمعهد أن ليالي العيد "هادية ومفيهاش شغل كتير وباخد إجازة"، لكن هذا العيد الوضع اختلف، حملت ليلته مرارة في نفس الشاب العشريني "الواحد مش قادر يكتب معايدة لحد حتى، إزاي بعد ما مات اتنين من الأمن، أو صحابنا اللي اتصابوا، أو إحنا نفسنا بعد ما شوفنا يوم مرعب".

في مستشفى هرمل وقد صار بيتًا ثانيًا لمعهد الأورام، لم ينل طاقم الأطباء والتمريض إجازة "حتى اللي من الأقاليم معرفش ينزل يوم واحد يروح لأهله"، تقول نسرين بديع، مدير التمريض بالمعهد دون ضيق، تعتبر ذلك واجبًا تجاه المرضى"إحنا عيلة، كلنا سند لبعض في أي موقف، واللي عدى علينا كان فوق الاحتمال، فمش هنقدر نعيّد في بيتنا في حين المرضى هنا لسة متأثرين باللي حصل نفسيًا".

45

مع آذان المغرب تّشق مدير التمريض صيامها بعصير، بينما تجمعت أسر المرضى خارج الغرف، في الردهة تداخلت رائحة الطعام، لحوم وأسماك وخضروات مُعدّة منزليًا، فيما وزع المعهد وجبات أيضًا على المرافقين، تحاول نبيلة أحمد الإفطار لكن جوفها يأبى كلما رأت ابن شقيقها يبكي، لازال الحادث مسيطرًا على نفس الصغير صاحب الثمانية أعوام، يتذكر الأجواء المُرعبة، كانت تجلس بجواره "عمته، أختي التانية ده كان يومها"، وحين وقع الانفجار لم تعلم كيف تتصرف "شالت من إيده الكانيولا وجريت بيه، مفيش شوية ولقت الواد كله دم".

تلتقط السيدة الأربعينية أنفاسها ، حكاية مُعقدة يحملها الصغير "إحنا من الشرقية وأبوه عنده شلل عشان كدة إحنا عماته اللي بنجري عليه في المستشفيات"، ذهبت به شقيقتها إلى محل سكنها ثم عادت به ثاني يوم إلى مستشفى هرمل لكي يتلقى جرعات العلاج، تتوق نفس الفتى إلى ألعاب يوم العيد، الملابس الجديدة، وجوده وسط أشقائه منتظرًا "العيدية"، اختفت تلك الملامح إذ صار لزامًا عليه المكوث في المشفى "كل شوية يعيط ويقولي روحيني عاوز أشوف بابا في العيد"، تحاول عمته تهدأة الصغير "بقيت أقوله ده إحنا هنفرق بلالين كمان شوية، وهندبح كمان هنا وهنشوف الخروف، أهه نصبره بأي حاجة الواد مفطور من العياط".

5

قرابة أسبوع مّر على الحادث الأليم، بينما طيفه لازال حاضرًا في أحاديث المرضى، شبح ثقيل الظل يُقحم نفسه في كل لحظة، يحمد شريف محمد ربه أنه قد غادر المعهد رفقة صغيره قبل الحادث بربع ساعة فقط، فيما حفرت الواقعة ندوبًا في روح جمعة عبدالغني، لا يعلم كيف تمكن الرجل الستيني من السير على أقدامه المنهكة من العلاج الكيميائي، وهبوط ستة أدوار دون توقف رفقة زوجته ليغادر المبنى بعد الانفجار.

لم يعتد الرجل الستيني على وضع كهذا "مبحبش الرَقدة، لحد قبل المعاش كنت بشتغل بنفس طاقة أيام الشباب"، حتى مع أيام العيد كان يقضيها ابن محافظة الفيوم في العمل، تسخر زوجته من الفكرة "لسة خارج على المعاش وقولت خلاص أول عيد هيقضيه معانا، يتفرّق شملنا كدة، أقضيه أنا وهو في المستشفى وولادي كل واحد مع نفسه"، تتمنى أن تنقضي هذه الأيام "أول ما يخلص جرعته نفسي ناخده ونروح مكان هادي يستجم فيه عشان ينسى الليلة إياها واللي حصل فيها".

7

تداعب نفس الأمنية شريف محمد، بعدما دّبر للسفر في العيد رفقة ابنائه الثلاث، صار الوضع صعبًا لمّا احتاج صغيره محمد إلى جرعة جديدة من العلاج الكيميائي "ولازم بعدها بأسبوعين يبقى معزول وميخرجش لإن مناعته بتبقى ضعيفة"، أجّل الأب الثلاثيني كل الخطط " ليلة العيد دي كنا نقضيها نأزأز لب أنا والعيال ونتفرج على فيلم للصبح وبعدها نروح نصلي كلنا"، يغزو الحزن وجه الأب، لكنه سرعان ما يتدارك قوله "قولت لأخواته إننا هنشتري لبس العيد لما محمد يخف، وإن شاء الله أسفرهم بعدها".

8

910

بين العلاج الكيميائي وشبح الحادث، انقضت ليلة عيد الأضحى في المشفى، تتشارك السيدات خطط لذلك اليوم وقد صارت من الماضي، تستدعي كل منهن الأطعمة التي يعددنها "كنت لازم أعمل محشي ليلة الوقفة وتاني يوم الفتة"، تحزن نبيلة لأن الشمل تفرّق "مادام مفيش لمّة يبقى مفيش عيد"، كذلك يشعر الممرض العشريني، يزداد الجفاء تجاه العيد بقدر المسافة بينه وعائلته في البلد، لكن تقطع أمنية من أسماء بأن العيد المقبل ربما يكون أخف وطأة على النفوس "ربنا اللي في إيديه كل حاجة، زي ما شوفنا في يوم الموت وكل يوم يزيد التعب في عيالنا، قادر يشيل كل ده عننا".

11

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان