"إفريقيا السعيدة".. "سارة" انتقلت إلى كينيا لمساعدة "الأطفال اللاجئين"
كتب- محمد مهدي:
وسط عشرات الأطفال، في ملجأ بقرية صغيرة بكينيا، تتحرك "سارة الأمين" بنشاط، تذبح عدد من الماشية، تنهمك في طهي اللحوم لإطعام أطفال لاجئين فروا من بلادهم نتيجة للحروب فلم يعد لهم أسرة سوى "سارة" ورفاقها في الملجأ.. من أتى بالفتاة العشرينية من القاهرة إلى هذا المكان؟ لماذا تركت كل شيء خلفها من أجل هؤلاء الأطفال؟ الإجابات تحمل بين طياتها محاولة إنسانية لمساندة أطفال إفريقيا.
في يونيو من العام الماضي تعرضت "سارة" لصدمة بعد وفاة أمها "كانت كل شيء بالنسبالي، هي صاحبة الفضل في أي حاجة فيا" تحاملت على نفسها، تماسكت قدر الإمكان، لكنها أدركت حاجتها لخوض تجربة تساعدها على تخطي الأمر"كنت عايزة أسافر إفريقيا، صديق من جوبا رشحلي إني أروح كينيا" أخبرت الجميع بخطوتها القادمة "عشان اللي محتاج أوديله أو أجبله حاجة من هناك" لتجد رسالة من إحدى الصديقات بطلب غيرّ وجهتها.
"عايزة تبعت شنطة هدوم كبيرة لملجأ أطفال في كينيا" كانت سارة تنوي قضاء الوقت في العاصمة وجولات سياحية للاستمتاع بالطبيعة، لكنها حين وصلت إلى نيروبي في شهر أكتوبر الماضي اتجهت سريعا إلى الملجأ "لما روحت اتصدمت من اللي شوفته" الأطفال في حاجة شديدة للمساعدة، شعرت بالتعاطف معهم، حين غادرت المكان خيم الحزن على قلبها، في اليوم التالي عرض عليها أصحاب المنزل الذي تعيش فيه "يأخدوني معاهم منطقة اسمه كيبرا، لما بحثت عنها لقيتها أكبر مكان عشوائي في إفريقيا" وافقت على الفور.
توجهت معهم إلى كيبرا، تحركوا داخل منطقة نائية حتى وصلوا إلى بيت صغير جدرانه من الصاج، يعيش داخله عشرات الأطفال، يرتدون الملابس المهترئة، ويعانون من قلة الطعام وعدد كبير من الأمراض من بينهم الإيدز. حياة بائسة في سن صغير"فكرت في الصدفة اللي جابتني هنا، وإني لازم أساعدهم بأي شكل" دونت سارة أعداد الأطفال وأكثر احتياجاتهم احتفظت بيها لحد ما رجعت مصر".
لأيام كثيرة ظلت فكرة واحدة تطاردها أينما حلت "إني أرجع كينيا تاني وأعمل أي حاجة للأطفال" لم ترغب في الاكتفاء بإرسال مساعدات لهم من القاهرة فحسب "هما محتاجين مشاريع وأفكار توفرلهم معيشة أحسن طول الوقت". خططت الفتاة للعيش في كينيا لوقت أطول "بِعت شوية حاجات، لحد ما وفرت فلوس مناسبة" ثم انطلقت إلى هناك في نوفمبر الماضي.
قامت بتأجير بيت صغير بمنطقة أوزيرو، ثم داومت على الذهاب إلى كيبرا أحيانًا، ومرات آخرى إلى مخيم لأطفال الشوارع واللاجئين في منطقة "كبيريا" للتعرف على القائمين عليه وعرض مشاركتها في مساعدتهم، تقترب أكثر من الأطفال، تذهب إليهم يوميًا، تشارك في إطعامهم أو الحديث إليهم، أو محاولة تعليمهم. احتاجت لمزيد من الوقت للحديث باللغة السواحيلي "لأنه الأطفال والأهالي في القرى مبيتكلموش غيرها" تحسنت كثيرًا في التواصل معهم خاصة أن القاموس لا يفارق يدها.
انخرطت "سارة" سريعًا مع حياتها الجديدة، وجدت راحة في مساندة الأطفال، تمكنت بمساعدة أصدقائها من مصر وعدد من الدول من توفير مبالغ جيدة "بنعمل بيها إطعام بشكل يومي للأطفال في الملاجيء والمخيمات، رجعنا 500 طفل لمدارسهم بعد ما اترفدوا بسبب المصاريف، وفرنا كساء 4 مرات لأطفال في مدارس مختلفة" رغم الحياة الصعبة والبدائية التي تعايشها يوميًا والحالات القاسية التي تلتقيهم غير أنها لم تشعر للحظة برغبتها في تركهم، تشعر بخفة كلما شاهدت الابتسامة تعلو وجوههم.
أحيانًا يغالبها الدموع أثناء التعرف على قصة طفل جديد، لا تنسى حينما هرولت حاملة أحد الأطفال بحثًا عن منشأة طبية للتعامل مع آلام في قدمه " هرب من قريته في الكونغو وهو عنده 9 سنين" جرى اقتتال بين القبائل، شبت النيران في الأكواخ، تناثرت الدماء هنا وهناك، فر الطفل فزعا نحو الغابة، يجري دون أن ينظر خلفه، الخوف يملأ قلبه، الموت يطارده، حتى ابتعد عن قريته "حاجة في الغابة عضته أو دخلت في رجله واتصاب" ظل هكذا دون عناية رغم مرور السنوات حتى تفاقم الوضع " ميعرفش مصير أهله إيه، ماتوا ولا هربوا، مرة قالي (خايف إن ربنا يكون ناسيني)" احتضنته مؤكدة له أن الجميع سيحاول مساعدته.
تأقلمت الشابة العشرينية مع طبيعة الحياة في كينيا كما وجدت عملا مناسبا لها "الناس بتصحى بدري جدًا، والدنيا بتقفل على الساعة 7 بليل" أحبت الحياة البسيطة، لا تشعر بالضجر منها "بالعكس حياتي بقيت طبيعية أكتر، وبقيت بصنع كل حاجة بستخدمها، زي الصابون والغسيل من مكونات طبيعية" المياه تصل لها من أحد الأبار عبر مضخة، وتعيش في ظلام دامس حينما تغيب الكهرباء لكن ذلك لا يضايقها، فيما تقضى ساعات الصباح في التجول داخل الغابة القريبة من بيتها"وعادي إن ألاقي كام قرد بيتنططوا جنبي" قبل أن تنطلق إلى المخيم.
بعد مرور بعض الوقت شرعت سارة في تنفيذ مؤسسة مجتمعية أطلقت عليها "إفريقيا السعيدة " أعدت الأوراق المطلوبة "وقدرنا ننفذ أكتر من مشروع يساعد الأطفال وأهالي القرى البسيطة" حفر بئر باسم الأمهات المصرية وآخر باسم مارية القبطية "وشغالين على إنشاء مدرسة (طيبة) من 6 فصول عشان تعليم الأطفال اللي ملهمش فُرصة في المدارس الحكومية" أطلقت عليها اسم عاصمة مصر قديمًا "عشان عايزاهم في كينيا يعرفوا مصر أكتر".
10 شهور مضت منذ قدمت "سارة" إلى كينيا للعيش فيها، خطوة جريئة قد يراها البعض جنونية لكنها صارت حلما جميلا تمضي فيه بخطى ثابتة، تمر أحيانا بأوقات صعبة لكنها تنسى كل شيء حينما تشعر بتحسن الأطفال وسعادتهم عندما تنضم إليهم، فيما تحاول نقل تجربتها وطبيعة الحياة في إفريقيا من خلال فيديوهات وتدوينات لها على مواقع التواصل الاجتماعي، والحديث عن أحلامها القادمة في أرض كينيا "عندي طموح كبير إني أكمل وأدعم أكبر عدد ممكن من الأطفال".
تابع باقي موضوعات الملف:
مغامرة في أوغندا.. أميرة تركت "كركبة" العاصمة من أجل الحياة البرية
14 يوما خارج نطاق الخدمة.. مغامرة طبيب مصري في بحيرة فيكتوريا
"مياه آمنة".. حين توسّع مشروع مصري ليروي بلاد أفريقيا
"لفّة" في بلاد أفريقيا.. الحياة البرية تغير نظرة شاب عن القارة السمراء
57 يوما في قَلب إفريقيا.. كيف غيرت القارة السمراء حياة "مرام"؟
فيديو قد يعجبك: