لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مستشفى شهير وخطاب رسمي.. شركة وهمية نصبت على 200 مصري حالمين بالسفر

02:04 م الأربعاء 07 أغسطس 2019

كتب- رمضان حسن:

في منتصف مايو الماضي، سافر "محمد سيد" من محافظة الفيوم؛ قاصدًا مقر شركة مقاولات بالمعادي، تعرف عليها عبر إعلان وظائف منشور على صفحتها بـ"فيسبوك"، تعلن فيه عن حاجتها لعمال وأفراد أمن للسفر إلى دولة البحرين، للعمل في فرع الشركة هناك، وجدها الشاب فرصة لتحقيق حلمه الذي يسعى خلفه منذ سنوات.

"محمد" واحد من بين 200 ضحية، معظمهم من أبناء قرى ريفية من محافظات مختلفة، تقدموا للشركة للحصول على فرصة عمل في الدولة الخليجية، ليكتشفوا قبل ساعات من سفرهم تعرضهم لعملية نصب، بعد فقدان الاتصال مع العاملين بالشركة التي كانت تستأجر المقر، وتركته في غفلة من المتعاملين معها.

الصورة الأولي

في شقة دور أرضي، بشارع سالم عبدالسلام، بتقسيم اللاسلكي بالمعادي، تعلن لافتة عن هويته ونشاط الشركة التي قصدها محمد "تارجت للمقاولات وإدارة المشروعات".

داخل هذه الشقة 3 بنات سكرتارية، ومحامٍ، ومدير الشركة يدعي أيمن وهو من أجرى المقابلة مع محمد سيد، وغيره من المتقدمين للسفر، وأوضح لهم تفاصيل العمل والشروط المطلوبة التي كان من ضمنها إجراء الكشف والتحاليل الطبية بمستشفى خاص ومعمل تحليل، محددين بالاسم، مبررا ذلك بأن هناك تعاقدا واتفاقية تعاون معهما.

"أخدنا منه استمارة الكشف وورقة بالتحاليل اللي هنعملها، وكان فيها اسم المستشفى والمعمل، وقال لنا مش هقبل ورق غير من المعمل والمستشفى دول"، يقول محمد، الذي يؤكد أن التحليل الطبي الذي أجراه بالمعمل الموجود بزهراء المعادي والمستشفى المتواجدة بالمعادي؛ كلفاه 4 آلاف جنيه.

نفس التكلفة المالية تقريبًا دفعها محمد عز، 28 عامًا، "قبل شهر رمضان لقيت ابن عمي بيقولي في شركة محتاجة ناس تشتغل أمن في البحرين، قدمت وعملت التحاليل والكشف الطبي اللي طلبه مني مدير الشركة".

2019_8_7_13_11_9_622

"تكاليف المعمل وصلت إلى 3200 جنيه" أنفقها عز، بينما كلفة الكشف الطبي 620 جنيهًا، حصل على وصل من المستشفى يفيد بتسديده المبلغ، بينما رفض المعمل، "طلبت من الدكتور صاحب المعمل إيصالا بالمبلغ، رفض وقال لي أنا عاملك خصم 40%"، موضحًا أن هناك تعاقدا بينه وبين الشركة وبناء عليه يتم تحديد نسبة الخصم.

الصورة الثالثة

بعد مرور 15 يوما من تقديم نتائج التحايل والكشف الطبي، وقع "السيد وعز" عقدي العمل مع الشركة بوظيفة فرد أمن في أحد مواقع الشركة بدولة البحرين، مقابل 280 دينارا بحرينيا، وبعد يومين أخطرتهما موظفة من الشركة تليفونيا "هنحجز لكم تذاكر السفر يوم 25 يوليو" في إشارة إلى يوليو الماضي.

الساعة الثانية ظهر 25 يوليو الماضي، أخطرت الشركة محمد السيد بموعد مغادرته القاهرة على متن الرحلة رقم 800 المتجهة للبحرين، وفقا للحجز المبدئي "صاحب الشركة حجز الطيران، وإدى كل واحد صورة من الحجز، وقالنا هتدفعوا تمنها يوم السفر".

بعد هذه المكالمة، حاول الرجل مرارا التواصل مع الشركة، دون رد. فذهب لمقر الشركة ليجد المفاجأة، المقر مغلق والمئات مثله محتشدون أمامه.

الصورة الرابعة

بخلاف "السيد"، علم محمد عز باختفاء صاحب الشركة من ابن عمه، الذي كان سيرافقه في نفس رحلة الطيران إلى البحرين، يقول الرجل: مدير الشركة حدد معي يوم 21 من الشهر الماضي، لاستلام باقي الأوراق المتعلقة بالتأشيرة ونسخة من عقد العمل، و"لما عرفت إن الشركة نصبت عليا، روحت قسم المعادي أعمل بلاغ، لقيت ناس كتير من اللي اتنصب عليهم عاملين بلاغ قبلي في الشركة والمعمل والمستشفى".

يذكر محمد أدوار العاملين بالشركة، "كان فيه سكرتيرة بتاخد مننا التحاليل، ومحامي بيوقع معانا العقود، وواحدة كانت بتابع معانا بالتليفون، لو عايزين نسألها عن أي حاجة"، مشيرا إلى أن كل أرقام الهواتف التي تخص الشركة والعاملين بها باتت غير موجودة بالخدمة.

لا يوجد عدد محدد ومعلن بالضحايا الذين حرر 200 منهم محضرًا بقسم شرطة المعادي؛ يحمل رقم 11546 جنح المعادي، بينما يحاول آخرون البحث عن مدير الشركة بعيدًا عن الأجهزة الرسمية.

الصورة الخامسة

استخدمت الشركة أكثر من طريقة للإيقاع بالضحايا، ومن بين هذه الطرق، أرسل أيمن (مدير الشركة) خطابا ممهورا بختم الغرف التجارية بالقاهرة، عبر تطبيق الواتساب لبعض المتقدمين للسفر كنوع من طمأنتهم.

يقول محمد السيد: الخطاب يظهر تفاصيل أكثر عن هوية أيمن، فالخطاب يذكر اسمه رباعيًا أيمن ربيع عبدالظاهر عبدالغني، ويؤكد وجود شريك له، وأن الشركة لها سجل تجاري يحمل رقمًا ينتهي 96355..، ولم يظهر الرقم الأول في الصورة التي أرسلها مدير الشركة للمتقدمين.

وبعرض الخطاب على حمدي إمام رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بغرفة القاهرة التجارية، أكد أن هذا الخطاب شخصي وليس خاصًا بمؤسسة، موضحا أن الخطاب مرسل لصاحبه كمقاول وليس كصاحب شركة، لافتا إلى أن الشركات تتم مخاطبتها باسم الشركة، وليس باسم صاحبها.

الصورة السادسة

يكشف العقد المبرم في 21 فبراير الماضي، بين صاحب الشقة عمرو زغلول وأيمن ربيع، مزيدا من البيانات الشخصية لصاحب الشركة، منها رقم بطاقته القومية ومكان إقامته المحدد بالعقد بشارع عبدالرازق غنيم بالمنيب، وهو العنوان الذي لم يعثر فيه عدد من الضحايا على أي أثر له أو معلومة تساعد في الوصول إليه.

يقول جاب الله بواب العقار: الشركة بدأت عملها في الأسبوع الثاني من شهر مارس الماضي، وبعد مرور أسبوع على افتتاحها "لقيت ناس كتير بتيجي الشركة، لما سألت عرفت إنه هيسفرهم بره البلد".

يضيف بواب العقار: "أيمن ما دفعش إيجار آخر شهر"، ولم يأت لمقر الشركة منذ بداية يوليو الجاري، والبنات كانت موجودة أول أسبوع في الشهر الماضي كانوا بيفتحوا الساعة 10 الصبح، ويمشوا الساعة 5، وبعد كدا لقيت الشقة مقفولة، وبعدها عرفت إنهم نصبوا على الشباب".

يتذكر الرجل الخمسيني، إحدى المرات التي التقى فيها صاحب الشركة أثناء استخراج سيارته من جراج العقار "قالي هات ورق ابنك وأنا أسفره بره مصر زي الناس اللي هتسافر دي، ومش هاخد منه ولا جنيه"، مضيفا أن صاحب الشركة كان في الأربعينيات من العمر، ويمتلك سيارة جديدة.

الصورة السابعة _1

بعد يومين من اكتشاف العمال واقعة النصب التي تعرضوا لها، وتحديدا في 20 يوليو الجاري، نفت شركة "تارجت للمقاولات العامة والتشطيبات" مسؤوليتها عن الواقعة. وأعلنت في بيان على صفحتها على "فيس بوك" أن هناك "شركة أخرى تحمل نفس الاسم، قامت بعمل إجراءات سفر للعمل بدولة البحرين لعدد كبير من الشباب"، مؤكدة أنها ليس لها أي صلة من قريب أو بعيد بالشركة المذكورة، وأن ما يجمعهما هو تشابه الاسم فقط، وحذرت الشركة عملاءها من التعامل معها لحين اتخاذ كافة التدابير القانونية، بعدما تلقت الشركة مكالمات لا حصر لها كلها تهديد ووعيد ومطالبات بفلوس، بحسب ما جاء في بيان الشركة.

وفقا لقانون تأسيس الشركة ولائحته المعدلة عام 2017، يشترط عند تأسيس أي شركة الحصول على شهادة من مصلحة السجل التجاري تفيد بعدم التباس الاسم التجاري للشركة مع اسم غيرها من الشركات، "ما يعني أن أي تشابه بين أسماء الشركات يعطي إشارة إلى وجود خلل في إجراءات التأسيس".

وأمام الاتهامات التي وجهها الضحايا للمستشفى الخاص ومعمل التحاليل، أصدر المستشفى بيانًا ينفي فيه تورطه في عملية النصب التي تعرض لها الضحايا، مؤكدًا أن المستشفى يتعاقد مع جميع الشركات والمؤسسات بعقود أوراق رسيمة، ويعطي عملاءه إيصالات رسمية توضح الخدمة التي حصلوا عليها ومقابلها المادي، ولا شأن لإدارة المستشفى من قريب أو من بعيد بالعلاقات التعاقدية بين هذه الشركات وعملائها".

وحاول مصراوي التواصل مع إدارة المستشفى للحصول على نسخة من العقد المبرم بين المستشفى والشركة، وأبدى موظف في إدارة التعاقدات في البداية رغبته في التعاون معنا، وأكد أنه سيحضر الأوراق بعد التواصل مع مديره، إلا أنه لم يجب على هاتفه بعدها طيلة يومين.

الصورة الثامنة _2

بينما أغلق معمل التحاليل مقره، بعد استجواب صاحبه بتهمة التواطؤ مع صاحب الشركة الوهمية، والإفراج عنه بعد نفيه التهمة وعدم كفاية الأدلة ضده. وبرر مسئولو المعمل قرار الغلق لجيرانهم بأنهم سيفتحون مقرا في منطقة أخرى بسبب الاتهامات التي وجهت لهم، بحسب رواية أحد الجيران.

إقرار بالإكراه

يقول كريم محمد إن صاحب الشركة طالبهم بالتوقيع على إقرار أثناء تقديم الأوراق بأنه لم يتقاضَ منهم أي مبالغ مالية، مقابل تسهيل عملية السفر إلى فرع الشركة بدولة البحرين، "مضيت على إقرار بأن الشركة ما أخدتش فلوس مننا، ولما سألت مستر أيمن، قالي علشان ما حدش يتبلى علينا ويقول إننا أخدنا منه فلوس علشان نسفره".

ويضيف الرجل: "صاحب الشركة نصب علينا من خلال المعمل الذي اشترط علينا استخراج التحاليل منه، ورفض يعطينا إيصالات بتكلفة التحاليل المبالغ فيها، كل واحد دفع 3200 جنيه"، على عكس الكشف بالمستشفى الذي لم تتجاوز تكلفته 720 جنيها، وأعطانا المستشفى إيصالًا بالمبلغ المدفوع.

ويضيف محمد السيد: صاحب الشركة تعمد التعاقد مع مستشفى معروف ومعملٍ مجهول -بحسب وصفه-، حتى لا يشك أحد فيه، وفي نفس الوقت لم يجمع هو أي مبالغ مالية وأخذ علينا إقرارًا بذلك.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان