إعلان

"لا نريد مدرسة".. "عنصرية اللون" بعيون أطفال اللاجئين

10:45 م الأحد 29 سبتمبر 2019

أطفال السودان بمنطقة أرض اللواء

كتابة – فيديو- مارينا ميلاد:

فوتوغرافيا – أحمد النجار

بدأت حصص الأحد عند الثامنة صباحًا بعد أن اتخذ الأطفال أماكنهم في فصول مركز المنار للتعليم السوداني بمنطقة أرض اللواء بالجيزة. يتمنون لو أن الشتاء يأتي أسرع لينهي معاناتهم الصيفية مع التهوية السيئة والرطوبة العالية والمياه غير الكافية للشرب.

لا يتشابه هؤلاء في ملابسهم بمفهوم الزي المدرسي الذي نعرفه، كذلك لا يتشابه كثير منهم في أعمارهم حتى لو كانوا في نفس الصف، لكن ما يجمعهم هو اللون، الأصل، وظروف الحياة التي يصعب أن يشذ عنها أحد يحمل صفة لاجئ، كذلك المضايقات العنصرية التي يواجهها كل منهم كجزء من يومه، وتجعله يجد في هذا المكان ملاذًا آمنًا.

من بين هؤلاء كانت ازدهار. تجلس وسط زملائها شاردة قليلًا وهي تستمع إلى درس التاريخ، الذي يتحدث عن إستقلال بلدهم وكفاح أهلها وما ينتظر السودان المستقل.

لكن في تلك اللحظة ليس في ذهن صاحبة الـ18 عامًا عن وطنها الذي تركته الصورة التي يرسمها التاريخ.

1 -

قبل 5 أشهر

اتجهت الأنظار نحو السودان عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير استجابة للاحتجاجات الشعبية التي طالبت بإسقاطه. تسارع إيقاع الأحداث بعد ذلك، ودعا قادة حركة الاحتجاج إلى إجراءات تصعيدية لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى مدنيين.

في ذلك الوقت، كانت بدرية محمد (38 سنة) تخشى الذهاب إلى السوق لشراء احتياجات بيتها بسبب إغلاق الشوارع والخوف من أن يتعرض لها أحد. كما لم تكن تعلم مصير أولادها ومتى يمكنهم الذهاب إلى مدارسهم بعد تأجيل العام الدراسي الجديد.

في الأخير، هي ظروف يشاركها فيها كل السودانين. لكن ما زاد عليها هو خلافها مع زوجها ووالدتها لإصرارهما على ختان بناتها الثلاثة بعد أن فعلوها بابنتها الكبرى "ازدهار".

2 -

الآن..

أخرج الأطفال بالفصول الكتب من حقائبهم، تلك الكتب التي تحمل اسم "جمهورية السودان، وزارة التربية والتعليم، المركز القومي للمناهج". فالتعليم في المراكز السودانية ليس له صلة بالتعليم المصري ولا وزارته وإجراءاته، إنما المنهج السوداني على أن يتقدم طلاب الشهادات منهم إلى الامتحانات داخل سفارتهم بالقاهرة.

كانت حصتهم الآن هي الرياضيات، التي تُدرسها لهم سهير آدم (42 سنة).

جاءت سهير إلى مصر قبل 7 سنوات في رحلة علاج مع زوجها ثم قررت أن تستقر هنا لكن "كلاجئة تقدم خدمها لمجتمعها" – كما وصفت نفسها.

سهير حاصلة على شهادة الثانوية العامة فقط، وكانت تعمل مدرسة أيضًا في السودان: "من لا يعمل مدرسا في السودان، لا يمكن أن يفكر في العمل مدرسا في مصر. هنا نواجه صعوبة في ظروف مراكز التعليم إلى جانب صعوبة مضاعفة وهي التعامل مع نفسية الأطفال التي تكون سيئة جدًا لما يتعرضون له من مواقف يحكوها ويؤلمونني بها دائمًا. فأنا لم ارتبط بهم في التعليم فقط، إنما في التربية والتخفيف عنهم".

تحاول سهير بدورها أن تساعد الأطفال في تجاوز المشاعر المزعجة المتشابكة داخلهم: "أنصحهم أن يكونوا أشخاصا جيدين، لا يهتموا بكل شئ يٌقال لهم، لكن عند حدوث موقف يستدعي الرد، فعليهم فعل ذلك حتى لا يتربوا على الذل".

3 -

الهروب..

لم تأخذ كثيرا لتقرر بدرية، والدة ازدهار، أن تنقذ بناتها الأخريات وتهرب بهم إلى مصر، التي تأتي إليها شهريًا للعلاج. عارضت ازدهار فكرة والدتها ثم استسلمت لإصرارها على أن التعليم والحياة سيكونان أفضل في مصر.

باعت الأم كل ما لديها ثم اتفقت مع سائق أن يصحبها وأولادها الـ6 من البيت عند الثانية عشرة ليلاً، مستغلة سفر زوجها في ذلك الوقت. سلكوا طرقًا ضيقة داخل الأحياء حتى لا يراهم أحد يعرفهم، ولا تعترضهم قوات الدعم السريع المنتشرة أو أفراد العصابات. وصلوا في النهاية إلى "جندهار" عند الرابعة فجرًا، ومنها استقلوا الحافلة إلى أسوان.

Map

في الفصل..

انتهت سهير من حصتها. وجاء إلى الأطفال مدرس آخر سيقضي معهم حصتين اللغة العربية والإنجليزية أيضًا!

إذ يمكن في المركز، الذي يضم 17 معلمًا لـ200 طالب، أن يُدرس أحدهم مادتين، ويمكن ألا يكونوا محل دراسته في السودان من الأساس كما في حالة هذا المعلم، الذي كان يَدرس مجال الكهرباء.

فلا يملك المركز إمكانيات تساعده على جلب مدرسين متخصصين أكثر. فيعتمد على مساعدات جمعية مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعي، والتي يتبعها كإحدى أنشاطتها الثقافية، إلى جانب دفع كل طالب مبلغ 2500 جنيه مصري، والذي يمكن تقليله لمن لديهم أخوة بالمركز – بحسب سنين آدم، مدير المركز.

4 -

في مصر..

استقرت أسرة ازدهار في منطقة العمرانية فترة قبل أن تنتقل إلى منطقة أرض اللواء. ولم تجد والدة ازدهار إلا استغلال مهاراتها كسيدة سودانية في رسم الحِنة للمصريات لتوفر دخلًا لأسرتها، وهو العمل الذي كانت تقوم به من حين لآخر في بلدها.

عادت ازدهار لتعارض والدتها لكن هذه المرة في الذهاب إلى المدرسة بسبب ظروفهم المادية. لكن والدتها – رغم عدم استطاعتها سداد مصاريفهم – أجبرتها وإخواتها على الذهاب لمركز التعليم السوداني. وكان سيناريو اختيار مدرسة مصرية حكومية مستبعدًا تمامًا: "نتعرض لمضايقات في الشارع وسب طوال الوقت، فماذا يحدث لو أدخلتهم مدرسة مصرية؟! هل سأنتظر حتى تصاب ابنتي بعقدة نفسية!".

5 -

يتضمن جدول الأطفال المُعلق خارجًا حصصا باسم "سلامتنا"، "مسكننا"، "ملابسنا"، بحسب أحد المعلمين: فالأولى يتعلمون فيها كيفية حماية أنفسهم في المواقف الصعبة، والثانية تحكي عن التراث السوداني في المباني، والثالثة عن اختيارهم للملابس المناسبة. لكن ما لم يتضمنه هذا الجدول هو الحصص الترفيهية أو الأنشطة الرياضية.

وحين جاء موعد "الفسحة" الذي ينتظرونه، لم يجد هؤلاء مساحة للعب!

فالمركز الذي هو واحد من أربعة مراكز سودانية بالمنطقة، يقع في عقار قديم ضيق، ولا يمتلك ساحة، كما لا يمكن لأطفاله الذهاب خارجًا إلا لمحل مجاور به عربة آيس كريم فقط، وهي حلواهم الوحيدة طوال ساعاتهم الصباحية في المركز.

6

لا يقتصر الأمر على الخوف عليهم فقط من الخروج إلى الشارع إنما حتى يتجنب مدير المركز المشاجرات: "منذ فترة هدد رجل يسكن أمامنا بالقاء مياة ساخنة عليهم إذا ألقوا شيئًا أمام بيته، وآخر اشتكى من أصواتهم، إلى جانب المراهقين الذين يمرون ويلقون الحجارة علينا وينطقون ألفاظ غير لائقة".

Graphic 1

مع انتهاء يومهم الدراسي عند الواحدة والنصف ظهرًا، خرجت ازدهار مع صديقتها آمنه حتى لا تسير في الشارع بمفردها.

في الخارج أيضًا، كانت إخلاص يوسف (35 سنة)، تقف منتظرة أبنائها الأربعة.

وصلت إخلاص إلى مصر في مايو عام 2015 مع أبنائها وزوجها بعد رحلة شاقة من دارفور، التي تشهد نزاعات مسلحة تسببت في ترك زوجها عمله مع إحدى المنظمات.

Graphic 2

وأدخلت أبناءها مدرسة مصرية لمدة عام قبل أن تنتقل إلى فيصل، ويعمل زوجها في منظمة لمساعدة اللاجئين، ومن ثم سجلت أبناءها في المركز السوداني: "ابنتي الكبرى تعرضت لكثير من العنصرية في المدرسة المصرية، وواجهت بسببها مشكلات نفسية. لكن السوادنين لا يهتمون بالأبيض والأسود، فالمدرسة هنا بها أكثر من جنسية أخرى كاليمنين والفلسطينين. لذلك وجد أبنائي البيئة التي تشبههم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان