حلم في "النادي".. هالة تصنع مسرح للأطفال بـ30 أيدي صغيرة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير-حسام دياب:
يوم لا يُنسى؛ يحضر مخرج مسرحي إلى مدرسة ابن سينا في حدائق القبة، يبحث عن صغار يُخرج بهم مسرحية للأطفال، من بين الطلاب تتحمس هالة توكل للمشاركة، ترفع ذات الحادية عشر عامًا يدها وتندفع متحدثة "عايزة أعمل ده"، لا تعرف الصغيرة ما عليها أن تفعل وماذا يعني التمثيل، كل ما تريده "أزوغ من حصة الإنجليزي". تحقق لهالة مرادها الصغير، ومعه تشكلت رغبة أكبر في ملازمة الفن طوال حياتها. مضت السنوات، درست، شاركت في السينما والتليفزيون، ثم صارت أما، وحين تولت نشاط مسرح الأطفال في نادي الصيد قبل ثلاثة أعوام، لم يغب عنها ذلك اليوم ولا المعنى؛ قررت هالة منح الصغار الفرصة كما سبق ونالتها، لعله بالفن يتشكل بنيان طريقهم.
يوم الخميس،29 أغسطس المنصرف، أخذت عينا هالة تدور بين 30 طفلاً، تتأكد من جاهزيتهم للعرض أمام الجمهور، تقتسم معهم الإحساس بالمسؤولية، فالصغار البالغ أكبرهم 14 عاما شكلوا فريق عمل مسرحية "مملكة كيميت" بكافة التفاصيل، من تمثيل وإضاءة وتجميل وحتى فتح الستار.
طيلة شهرين ونصف من الإعداد للمسرحية، يراود هالة تساؤل؛ هل تنجح في التحدي للمرة الثالثة؟ تتذكر كم استغرقت لتجد نصًا يناسب الأطفال "من الشتا بدور وأقرأ لغاية ما لقيت قصة اسمها ضوء النهار والملك زنكار في المكتبة الخضراء لكن كنت عايزة حاجة فيها خيال تناسب الأولاد وتدي قيمة إنسانية". لتجري هالة معالجة مسرحية وتكتب سيناريو مستوحى من القصة ويحمل اسم مصر القديمة في اللغة الفرعونية.
منذ تولت هالة لجنة النشاط الفني في نادي الصيد، ولا يبرحها الهدف "أعمل مسرح طفل يخاطب الأولاد والأهل". كونها أم لطفلين أكبرهما في الرابعة عشر من عمره جعلها تعلم المعضلة "طول الوقت بنلوم على ولادنا أنهم ماسكين التاب والتليفون واحنا مبنقدملهمش البديل"، وفي المسرح قررت الأم أن توجد ذلك البديل.
في مخيم صيفي ينضم إليه أبناء النادي لمزاولة الأنشطة الفنية من رسم وموسيقى ومسرح، تجمع هالة الصغار، تحكي لهم "حدوتة" ثم تشجعهم على محاكاتها، ومنها تلمس أرواحهم، يجذبها من يحمل غضب زائد أو هدوء مبالغ، تعلم أن المسرح سيكون متنفسهم، وبهذا تختار من يلتحق بفريق عمل المسرحية المقدمة في نهاية المخيم.
مثلما كان اكتشاف حبها للتمثيل صدفة، كذلك عمل هالة في النشاط الفني بنادي الصيد؛ أراد يوسف ابنها البكري أن يلتحق بالتمثيل، لكن الأم بخبرة الممثل السابق لم تجد المناخ ملائما، فإذا بإيمان كريم عضو مجلس إدارة النادي تدعوها لعمل مسرح أطفال، وتدعمها سعاد فطيم مقررة لجنة الطفولة، ترددت هالة ذي بدء "أنا بمثل مش بخرج"، لتخبرها إيمان "أحنا بنلعب. تعالى جربي"، لتصبح تلك الكلمات منهاج لها مع الصغار، حينما يعبرون عن خوفهم من خوض التجربة أو الوقوع في خطأ.
في "مملكة كيميت" وجدت هالة ضالتها للعام الثالث؛ عبرت بشكل طفولي عن الواقع ومزجته بالخيال، جسدت ذلك في أم تحكي لطفليها قصة المملكة بينما تطالبهما بالكف عن اللعب بالهاتف المحمول، وبينما يستمر الحوار الأسري بين المشاهد، يذهب الحضور مع بقية الصغار إلى عالم آخر، إلى زمن تبدل حاله من انشغال أهله بالعلم والعمل إلى انتظار من يجد لهم حلول سريعة لمشاكلهم، من الملك إلى الرعية، ينتشر بينهم الكذب والخديعة، حتى تطلعهم ساحرة بحقيقة أمرهم فيعودون إلى رشدهم وتعود مملكة كيميت إلى سابق عهدها.
بملابس تعبر عن عصر الفراعنة القديم يظهر الأطفال، تتباين أعمارهم، بينما تأخذ ملامحهم الجدية في الأداء "كانوا مبهرين كل حد التزم بدوره وكان بيعمله بتركيز شديد".
في كالوس المسرح، وقفت هبة بسيوني، مصممة ديكور العرض، والأم الثالثة في فريق عمل مسرح الأطفال، بإمكانيات بسيطة بلغت تكلفتها 3 آلاف جنيه شاركت مع هالة في صنع أجواء المسرحية، فيما لم يغب عنها القلق.
تتذكر هالة بابتسامة كلمات هبة المعتادة "أنا بتاعة عرايس مش ديكور"، لكن التجربة أخرجت طاقة الجميع، كبارا وصغارا، بالخيش والقماش وأدوات في المنزل صنعت الأُمان أثاث العرض والملابس.
حرصت هالة أن يكون للجميع دور ويعي أهميته، ولا يتدخل البالغين إلا بالتوجيه، فخلف العرض نحو 10 أطفال مساعدين للمخرج يؤدون ما قد يحدث حقا في المسرح من نقل الديكور وتحريك الستار"بنعرض في قاعة السينما بتاعة النادي بس فيها مسرح للوقوف فبعض الأولاد دورهم يحركوا الستارة".
في بداية مشوار هالة مع أطفال نادي الصيد، كانت الأمور عسيرة، ليس فقط لتعليم الصغار التمثيل وهوية المسرح ومنحهم الثقة فيما يفعلون كل مرة يتلاقون فيها أسبوعيا، لكن أيضا لإقناع الآباء بما يصنع أبنائهم، تتذكر حديث بعض الأمهات استخففن بمسؤولية أولادهم عن فتح ستار المسرح، فتدخلت هالة بالشرح نظريا وعمليا.
توقن هالة أن بإمكان الفن التأثير في الحياة بالأفضل، راقبت طيلة تجربتها تغير طباع الأطفال "اللي محدش كان بيعرف يكلمه بقى مطيع واللي مبيتكلمش بقى اجتماعي"، أصبح المسرح جزء عزيزا عليهم حتى بات التهديد بسحب الدور من المسرحية عقاب جديد يخشاه الصغار.
مواقف عدة جمعت مخرجة "مملكة كيميت" بالأطفال، تذكر "زينة" ذات العشرة أعوام "مكنتش بتقول حتى صباح الخير" تصف هالة خجل الصغيرة الزائد، الذي تبدل مع إيجاد الوسيلة "كنت اقعد في جنينة النادي وهي على مسافة وأقولها عايزة اسمع صوتك عندي"، كذلك زياد، 13 عاما، كان يهوى تجميل الوجوه "المكياج"، عانى الطفل جراء ذلك بين رفاقه وأسرته، ظل غريبا حتى التحق بفريق المسرح، وصار "الماكيير"، انعكس هذا على النظرات إليه، حتى أن والدته أخبرت هالة بأن ابنها وجد المناخ المريح نفسيا له.
لم تخل التجربة من المتعة كما تقول هالة، خاصة مع البحث عن حل يتناسب والإمكانيات المادية. تحكي مخرجة الأرض أنها أرادت إحداث مؤثر يشبه الدخان في أحد المشاهد، لكنه مكلف فكان البديل "خليت الأولاد ينفخوا في دقيق من ورا الستار فأدى نفس الحالة تقريبا".
أثر مسرح النادي أيضا على هالة، عادت لشغفها بعد انقطاع لنحو 10 أعوام، خاضت قبلها تجارب فنية أشهرها المشاركة في مسلسل للعدالة وجوه كثيرة، وكأم زادت خبرتها "كنت عارفة ازاي اتعامل مع الأطفال لكن مكنتش فاهمة احتياجاتهم. بقيت أصبر اكتر"، صارت السيدة أكثر دراية بأولادها اللذين يشاركان معها في المسرحية، تقر عينيها بيوسف بينما تولى إدارة الصوت واختيار موسيقى المسرحية، وبفيروز -8سنوات- وهي تجيد دور قائدة الجيوش وقد زال عنها مشاعر الغيرة من اهتمام أمها بصغار آخرين.
على مدار ثلاثة أعوام يقبل صغار نادي الصيد على المشاركة في نشاط المسرح، فيما تستقبل هالة ردود فعل مليئة بالثناء والإعجاب، يعيدها لسيرتها الأولى وقتما اندفعت تهرول فرحة بعد عرضها الأول وهي طفلة تستشعر أنها قدمت شيئا مميزاً، فتزداد الأم تمسكاً بالحلم "نفسي يرجع الاهتمام بالأطفال ويبقى في مسرح للطفل يتعمل بيهم وليهم".
فيديو قد يعجبك: