لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مرحبًا في فرنسا".. كيف وضعت "استراتيجية التعليم" الطلاب الأجانب في مواجهة الحكومة؟

07:02 م الخميس 02 يناير 2020

جامعة السوربون

تقرير -مارينا ميلاد:
جرافيك – مايكل عادل

يوم 19 نوفمبر من العام الماضي، كانت كامي سترومبوني، الصحفية بجريدة لوموند، في مكتبها وقت خروج رئيس الحكومة الفرنسي إدوارد فيليب؛ ليعلن قرارًا جديدًا، ربما لم يهتم به قطاع كبير من الفرنسيين والأوروبيين، لكنه مَثّل صدمة لطلاب وعائلات آخرين، حيث قررت الحكومة رفع رسوم الدراسة الجامعية للطلاب الأجانب بعد أن كانوا يدفعون مثل مواطنيها، ذلك ضمن استراتيجيتهم الجديدة "مرحبًا في فرنسا"، والتي تهدف لجذب مزيد من الطلاب الأجانب عبر زيادة المصاريف لتحسين الخدمات.

Graphic-(1)

فاجأ القرار كامي، رغم أنه –حسب قولها- "كانت هناك مؤشرات في برنامج الرئيس ماكرون على حدوث ذلك، كما ظهرت تسريبات في الصحافة قبل أسبوع من إعلان رئيس الحكومة".
كان أول ما فعلته كامي هو الاتصال بمدير مكتب رئيس الحكومة؛ ليفسر هذا القرار، فجاء التبرير الحكومي "هذا الإجراء سيوفر موارد مالية للجامعات ستساعد في تحسين ظروف استقبال الطلاب الأجانب ضمن استراتيجية تتضمن عدة محاور".

Graphic-(5)

لم تكن تفاصيل الاستراتيجية قد اتضحت بعد، لم يعلم أحد تمامًا كيف سيتحسن الوضع؟ وهل يحتاج الأمر فعلا لجمع هذه الأموال!. انتبه الجميع فقط لقرار زيادة الرسوم وحسب. فما كان من كامي إلا أنها هاتفت رؤساء الجامعات؛ لتعرف رأيهم؛ فرفض أغلبهم، وتردد آخرون بحجة عدم استعدادهم.

بعد بضعة أيام رصدت فيها كامي حالة الرفض الكبيرة من النقابات الطلابية، ذهبت إلى الطلاب: "رأيت حالة تعبئة عامة من جانبهم". اتسعت رقعة احتجاجاتهم بالتزامن مع حِراك "السترات الصفراء"، أغلقوا عدة جامعات وعلقوا الدراسة بها.

Students-protest-in-Lyon---December-2018----AFP

بعد عام من القرار والاحتجاجات التي صاحبته، زرنا العاصمة الفرنسية؛ لتحديد تأثير القرار على العام الدراسي الجديد الذي من المفترض أن يشهد بداية تطبيقه، والتعرف إذا ما كانت مواقف أي من الأطراف قد تغيرت.

Algerian

في جامعة السوربون (باريس 3)، كان وضع الطلاب عاديًا والأمور تبدو منتظمة؛ لأن جامعتهم هي إحدى عشرات الجامعات التي أعلنت رفضها تطبيق قرار الزيادة هذا العام.

جميلة بالوزني (40 سنة) ولويزا بوحيرد (26 سنة) تجلسان معًا في مطعم الجامعة، فكلتاهما جزائريتان، لكن ثمة فارق كبير بينهما غير العمر؛ فالأولى تحمل الجنسية الفرنسية بعد أن قضت 15 عامًا، والثانية أجنبية. الأولى، والتي تدرس الماجيستير الآن، تدرك من البداية أن القرار لا يخصها، لكنها شاركت في الاحتجاجات ضده، لكن الثانية صدمها القرار خاصة وأنها في عامها الثالث من الليسانس وتريد استكمال دراستها.

تصف جميلة القرار بـ"المجحف"، كما لم تقنعها الأسباب التي ذكرتها الحكومة: "الجامعة على حالها منذ زمن وإن كان لا بد من تطبيق زيادة؛ لتحسين ظروفها، فليس على حساب الأجانب الذين يعانون من مشكلات أخرى في المعيشة، ويتعلمون، ثم يتركون البلد، لكن الأولى هم المستقرون هنا".
تتدخل لويزا في الحديث؛ لتؤكد على ما تقوله صديقتها، موضحة أنها جاءت إلى فرنسا بمفردها وبمالها الخاص، ولم تحصل على منحة؛ لذلك كان عامها الأول صعبًا جدًا، وكانت تعيش في بيت مشترك.

لم تعتمد لويزا على الأموال التي يرسلها إليها والدها الموظف في البلدية: "الدخل في الجزائر لا يكفي مصاريف العيش هنا"؛ لذلك قررت البحث عن عمل معتمدة على لغتها الفرنسية، لكنها واجهت صعوبة أخرى لم تكن تتوقعها.

واجهت لويزا الرفض من أماكن كثيرة؛ لأنها ترتدي الحجاب، ولم تجد أمامها سوى خلعه؛ ليكون بإمكانها العمل. عملت في مطعم وتركته بعد أربعة أشهر بعد أن أخفقت في دراستها، واضطرت لإعادة السنة، ثم عملت مع الأطفال في مدارس، حتى استقرت الآن في أحد الأسواق التجارية.

"حين خلعت حجابي؛ لأحصل على عمل شعرت بالظلم، وعندما صدر قرار زيادة الرسوم علينا شعرت بظلم جديد، وما زلت أخشى من تطبيقه في مراحلي المقبلة".

University-(2)

يعرف مسؤولو وزارة التعليم العالي والبحث والابتكار، هذا الوضع. ووفقا لحديث أحدهم لـ"مصراوي"، فأطلقت الوزارة استراتيجية تتضمن عدة محاور؛ الأول منها متعلق بزيادة الرسوم الدراسية، لكنه مرتبط مباشرة بتحسين ظروف الجامعات من خلال تنفيذ عدد من المشاريع.

إذ توضح المسؤولة بالوزارة أن الحكومة فتحت هذا العام باب المشاركة أمام الجامعات في مشروعين، كل منهما بمبلغ 5 ملايين يورو؛ الأول لتحسين مكاتب استقبال الطلاب الأجانب وتوفير الخدمات، والثاني: يتمحور في مشاريع تخص رعاية طالب أجنبي أو فرنسي للطالب الجديد: تنظيم دورات اللغة الفرنسية، وتوفير دروس باللغة الإنجليزية لدى الموظفين الإداريين عند استقبال الطلاب الأجانب وكذلك أساتذة الجامعات.

كما أن وزارة التعليم العالي والبحث والابتكار على اتصال دائم بوزارتي الداخلية والخارجية؛ لسرعة إنهاء تأشيرات الطلاب التي عادة ما تخضع لإجراءات مركبة.
وتقول إن هناك عدد من الجامعات أعفت هذا العام طلابها الأجانب الجدد من دفع الرسوم الإضافية، لكن هذا القرار لا يخالف القانون طالما التزمت الجامعات بنسبة الـ 10% المسموحة لها للإعفاء: "الجامعات تتمتع بالاستقلالية في إدارتها طالما في إطار القانون".
وتؤكد أن المصروفات بعد زيادتها لا تغطي إلا ربع التكلفة الفعلية لاستقبال الطلاب الأجانب في فرنسا، والتي تتحملها الدولة.

Graphic-(4)

في المدينة الجامعية التي يسكنها الطالب مقابل 350 – 500 يورو شهريًا، وهي أرقام أقل كثيرًا من أسعار السكن خارجها، ثمة بيوت كثيرة تتبع بلدانًا عربية وأوروبية وأسيوية، بل ويأخذ شكل بنائها نفس طراز البلد؛ كالهندي، والمغربي، والتونسي، والبريطاني، وغيره.

City

إريس نيكولوبلو (25 سنة)، طالبة يونانية تسكن المدينة، تقول إن جامعتها وهي )باريس (7 وافقت على تطبيق هذا القرار من البداية، رافضة أي حوار مع طلابها.
اعترضت إريس على القرار رغم أنها لن تتأثر به؛ لأنها أوروبية أولًا، ولأنها في عامها الثاني من الدكتوراه، وهي مجانية في فرنسا. اختارت لها إريس موضوع "الأزمة الاقتصادية في اليونان"، ذلك السبب الذي جعلها تختار الدراسة في دولة لا تُحملها مصاريف إضافية مقارنة بغيرها من العواصم الأوروبية.

"هذا القرار غير مقبول. كان التعليم مجانيًا ومفتوحًا للجميع، والآن سيصبح مقصورًا على نخبة معينة".

لكن الأمر وقعه مختلف على صديقها روبرتو فيديلا (27 سنة)، القادم من تشيلي منذ عامين، ويدرس الماجيستير في جامعة السوربون (باريس 4). فمنذ معرفة روبرتو بالخبر وهو يشعر بالقلق؛ لأن والده الذي لا يعمل حاليًا، كذلك والدته، لا يمكنهما أن يساعداه، كما أنه ترك قبل أشهر عمله في قصر الأوبرا، وما زال يبحث عن عمل جديد.
لكن لحسن الحظ أن جامعة روبرتو أعلنت رفضها تطبيق القرار هذا العام.

وتتشابه ظروف روبرتو مع فيكتور إندوسي (30 سنة)، والذي جاء من المكسيك بعد أن اختار فرنسا التي اتفقت أسرته عليها، على أن يعيش هناك بمساعدة إحدى المنظمات المعنية بالطلاب.
"تخوفت منذ سمعت القرار، وأرسلت رسائل عبر البريد الإلكتروني للجامعة؛ لأفهم الأمر، وارتحت كثيرًا حين عرفت أن جامعتي لم تطبقه هذا العام، وأنا في عامي الثاني من الماجيستير وإذا أنهيته ووصلت إلى الدكتوراه سأنجو من ذلك".

vector

"هل تتخيل أن هؤلاء الطلبة الأجانب يمثلون 50 % من مستوى الدكتوراه في فرنسا؟!".. هكذا يقول جان لوك كليمون، مستشار علمي بالمجلس الأعلى لتقييم البحث والتعليم العالي، وهو مجلس "مستقل نسبيًا" عن الحكومة، "لولاهم لن يتقدم البحث العلمي؛ لذلك استقبالهم أمر مهم لفرنسا".

يوضح كليمون أن كل الجامعات الفرنسية توقع عقدًا مع الوزارة، يخص اعتمادها ويحدد الموارد المالية وإعطاءها للشهادات، ووفقًا لذلك تُشكل لجنة من 6 أعضاء من الأساتذة الفرنسيين والأجانب –بإشراف المجلس-؛ لتقييم الأداء كل 5 سنوات: "كان جيدًا ومرتفعًا خلال السنوات الماضية، ودور الدولة أصبح أفضل من قبل".

وعن رأيه في هذا القرار، وهل كان ضمن توصياتهم، يقول: "دائمًا الجامعات في أي مكان تحتاج إلى تمويل؛ لتنفيذ التطوير المطلوب، والكلفة في فرنسا تتحملها الحكومة، عكس دول أخرى. لكن نحن كمجلس دورنا ليس اقتصاديًا، إنما سنقيم نتائج هذا التوجه وهل سيزيد أو يقلل من عدد الطلاب الأجانب حال تنفيذه. حتى الآن لا ندري كيف ستتطور الأمور؟!".
لكن بروفيسور أمارا، رئيس لجنة العلاقات الدولية والأوروبية بمؤتمر رؤساء الجامعات، ينظر إلى الأمر على أنه "شيء عادي"، ويقول: "هناك دول ليس بها رسوم مثل: "ألمانيا"، وأخرى مرتفعة جدًا مثل: "بريطانيا"، لكن: "فرنسا"، في الوسط بينهما".

مع ذلك يتساءل: "هل فرنسا ترغب في أن تكون ذات سياسة انفتاحية على كل الدول أم أنه مبدأ اقتصادي، وأن من يملك المال هو فقط بإمكانه أن يتعلم فيها؟!".

شاركت سارة سعدون، طالبة مصرية، وأحد أعضاء اتحاد الطلاب (UNEF)، في الاحتجاجات التي تلت القرار، رغم عدم تأثرها به كونها تحمل الجنسية بعد أن قضت في فرنسا 10 سنوات. "نحن اتحاد قوي وإدارة الجامعة تعاونت معنا".

تقول سارة التي تبلغ 25 سنة وتدرس الماجيستير في جامعة (السوربون باريس 3)، إنها ومن معها أغلقوا المدرجات، وصوتوا على مدة البلوكاج (الإغلاق)، لينتهي التصويت باستمرارها شهرين، الوقت الذي صادف توقيت الامتحانات؛ لذلك أدوها من خلال الإنترنت.

ما زالت سارة بعد مرور عام تعمل ضد تطبيق ذلك القرار: "هناك طبقة من الفرنسيين البرجوازيين يروونه عاديًا وسيسهم في تحسين الاقتصاد ومستوى التعليم العالي، وهناك طلاب أجانب وافقوا، لكن نحن –الأغلبية- ضد القرار تمامًا، فهو يفرق بين الطلاب".

Graphic-(3)

لكن لم يجعل سعد الدين الخصيري (22 سنة) هذا القرار يعطله عن حلمه في المجيء إلى فرنسا ودراسة الماجيستير والدكتوراه بها، والتي يقول إنها "الخيار الطبيعي للمغاربة بحكم اللغة والعلاقات".

زاد من حماس سعد عندما علم أن الجامعة التي يريد الالتحاق بها كانت بين الجامعات الرافضة للقرار: "وجدت طاقة إيجابية جعلتني أستكمل مشواري".
واصل سعد إجراءاته التي وصفها بـ"الصعبة" لطلبهم الكثير من الوثائق للحصول على التأشيرة. وأخيرًا جاء إلى باريس، سبتمبر الماضي، ودفع رسومه العادية مثل الفرنسيين، ثم قرر العمل في الدراسة الخاصة لتلاميذ الثانوية؛ لينفق على معيشته.

"لو قررت الجامعة زيادة الرسوم سيكون علي إيجاد حل، ربما العمل ساعات أطول".

Morrocan

كامبوس فرانس – Campus France وهي الوكالة الوطنية للنهوض بالتعليم التابعة لوزارتي التعليم العالي والخارجية، يؤكد مسؤولوها عند مقابلتهم أنهم "لاحظوا أن فرنسا لم تكن جاذبة للطلاب الأجانب خلال السنوات الماضية، وتلك الاستراتيجية الجديدة تعمل على تحسين ظروف استقبالهم وزيادة الدروس والبرامج والأنشطة وتوفير فرصة عمل، والجامعة التي ستنفذ ذلك بالفعل ستتم دراسة ملفها وستحصل على شعار الجودة".

في الوقت نفسه أشار مسؤولو الوكالة التي أمدت الوزارة بالبيانات المطلوبة لأجل هذه الاستراتيجية، "أن كل من حصل على منحة، أو جاء من خلال عقد اتفاقيات مشتركة بين جامعة فرنسية وجامعته، أو طالبي اللجوء، أو الطلاب القدامى، لن يُطبق عليهم قرار الزيادة، لكن فقط الطلاب الجدد".

Graphic-(2)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان