لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

للأجيال القادمة.. شباب أسوان يصنعون قاموسًا صغيرا للغة النوبية

06:46 م الثلاثاء 28 يناير 2020

أول قاموس مترجم للكلمات النوبية

كتبت- شروق غنيم:

لطالما سيطرت فكرة الحفاظ على التراث على ذهن حفصة أمبركاب، حتى أن اسمها اقترن باسم قريتها النوبية، وطيلة شهور ماضية عملت الفتاة العشرينية على حفظ سيرة أجدادها من الزوال، سحر لغتهم وكلماتهم الخاصة، تحولت الفكرة إلى حقيقة حين ضمّت بين دفتي كُتيب 230 كلمة نوبية، صارت قاموسًا للوافدين لبلاد الجنوب، إذ يحتوي ترجمة للكلمات النوبية بثلاث لغات؛ العربية، الإنجليزية، والإسبانية، فيما كان هدف الفتاة الأساسي، تمرير المصطلحات النوبية إلى الأجيال القادمة في بلادها، وأن يكون حفاظًا على تراثهم أولًا.

بأدوات بسيطة سعت حفصة على توثيق التراث النوبي بشكل مرأي بعدما تلقّت ورشة تدريبية في القاهرة لصناعة الأفلام الوثائقية "اللي دربنا على الإخراج أستاذ سمير سيف الله يرحمه". بهاتفها المحمول وسؤال واحد أخذت تجوب على القرى، تُعد برفقة صديقتها المونتيرة فاطمة عدرا مشروعًا باسم "كوما وايدي"، أي حواديت زمان بالنوبي.

1

تطوف حفصة على القرى ثم تسأل الأجداد "احكي لي حاجة عن النوبة"، ثم تترك للكلمات الانسياب أمام شاشتها الصغيرة، أحيانًا تنتهي الحكاية في خمس دقائق وأخرى تمتد لساعات "وأنا بصور كان في كلمات غريبة بسمعها لأول مرة ومش فاهماها"، كان هذا المفتاح بالنسبة لها لتكوين قاموس للمصطلحات النوبية "لإن الأجيال الجديدة زيي مش بتستخدم اللغة النوبية كتير".

مع انتهائها بتسجيل مقاطع الفيديو، شرعت الفتاة العشرينية في العمل "بقيت بفرّغ الفيديوهات وأطلّع الكلمات النوبية الغريبة"، ثم تعود لتسأل عن معناها، فيما كانت والدتها خير مساعد بالنسبة لها "فكرنا بدأنا نعمل تقسيمات للقاموس".

2

بدأت حفصة الكُتيّب بالأفعال "زي قوم، نام، افرح، غني وارقص"، ثم أفردت فصلًا لأجزاء الجسد، الأعشاب، الحيوانات، الأرقام، الألوان، كذلك المصطلحات التي أفرزها أهل النوبة في حياتهم "عندنا كلمة زي القيف، كانت بتتقال زمان لوصف الجزر الطميية في منطقة الفيضان". 230 كلمة كانت الحصيلة النهائية "ودورت على أصدقاء مرشدين سياحيين في أسوان عشان نترجمهم"، فصارت لكل كلمة نوبية مقابلها العربي، الإنجليزي، والإسباني.

في ديسمبر الماضي، صار في يد الفتاة العشرينية وفريقها 150 نسخة، باتت تتخير الأماكن النوبية المعروفة بوجود أفواج سياحية بها مثل جزيرة هيسا وغرب سهيل "عشان أقابل جنسيات مختلفة"، وأخذت توزع القاموس بالمجان، وخلال مرحلة التوزيع تشرح حفصة ورفاقها هدف الكُتيب "دي كانت أهم خطوة عندنا، نقول للناس ليه عملناه، وإننا نفسنا اللغة النوبية تفضل باقية".

3

ما إن وزع الفريق القاموس، انهمك الوافدون في تصفحه، فرحة تملّكت حفصة حين وجدت أجانب مهتمين بالكُتيب، وبأن لغتها ستجري على ألسنة جنسيات مختلفة، فيما كانت لها سعادة خاصة حينما وجدت طفلًا من القاهرة يُدعى يحيى مهتم باللغة النوبية، كان الوضع معاه مختلفًا إذ غير من طريقة الفتاة العشرينية في الشرح "أنا اللي كنت بروح للناس عشان أفهمهم، هو كان أول واحد يجيلي بنفسه"، وجدت شغفًا للاكتشاف بداخل الصغير "مامته قالتلي إنه كان نفسه يعرف معنى أسامي البيوت لإنها مكتوبة بالنوبي"، بفرحة بِكر أخذ يُردد الصبي الكلمات التي أمامه "وبقى يسألني إزاي أقول بالنوبي لماما إني بحبها".

كما كان لوقع القاموس في نفس أبناء النوبة مكانة مميزة داخل نفس حفصة، حين جاءها المدح من كِبار السن لحفظ سيرتهم، لكن أكثر ما علق بذهنها حين أتاها شاب نوبي يحكي لها إنه لأول مرة يعرف أن للأرقام معادل بالنوبية "كان بيعرف يعّد لحد عشرة بس"، يتذكر الشاب حين تتفوّه جدته بكلمة وهو لا يفهم معناها فتخبره "إزاي متعرفش اللغة بتاعتك؟"، لكن حينما صار القاموس بين يديه "قالي هروح اتناقش معاها في المعاني دي". كانت فرحة لا تُقدّر بالنسبة لها "إن الكتيب وصل للنوبيين، وإنه بيوثق تراثنا لينا إحنا قبل أي حد".

فيديو:

خلال فترة العمل، كبر فريق حفصة، وبعد أنا كانت هي ورفيقتها فاطمة فقط في مشروع "كوما وايدي"، صار لها داخل كل قرية نوبية مندوبًا عنها، يلتقط بهاتفه المحمول حكايات الأجداد في النوبة، شكل الحياة، الماضي، الأغاني، وصولًا إلى الأكلات النوبية "بقى في أكتر من 44 متطوع".

تهيم حفصة حُبًا في تراثها النوبي، فيما تغمرها أيضًا هموم بكيفية الحفاظ عليه، لذا لا تتوانى عن الدخول في مشاريع تحفظ الماضي، قبل شهور صنعت فيلمًا برفقة صديقتها نوال باسم "حُرّاس النيل" تحكي فيه عن ارتباط النوبيين والأطفال بالنيل، وكيف تشكّلت عاداتهم بناء على وجوده "وشاركنا في مهرجان وكسبنا أحسن إخراج"، لكن كانت جائزتها الكُبرى حين عرض الفيلم على الجمهور داخل الجامعة الأمريكية في القاهرة "كان نفسي أكسب عشان الناس اللي موجودة في القاعة يوصل لهم حاجة عن النوبة وأهلها".

4

بينما ظل هاجسًا بالنسبة للفتاة العشرينية تكملة أغنية والدتها تغنيها باستمرار دون استئناف "ماما من وهي إحنا صغيرين بتغني لنا أغنية بالنوبي بس مش عارفة تكملها عشان مش فاكراها"، عكفت حفصة في البحث عن تكملة الأغنية حتى وصلت إلى مطرب في الإسكندرية من أصل نوبي "روحت له ولقيته عارف تكملتها، عملت الفيلم عن رحلتي عشان أكمّل أغنية نوبية، وإني أرجع بيها لوالدتي من تاني".

تؤمن الفتاة الشابة بقيمة التراث، وأنه المرجع لتعرف هي وعائلتها الكبيرة في النوبة من هم، لذا تُكمل حاليًا مسارها في البحث عن كلمات أكثر لإكمال القاموس وطرحه قريبًا، فيما تتمنى أن تنجح في تحقيق حلمها "إني أعمل مكتبة وثائقية كاملة بسلسلة كتيبات وجزء مرئي تكون مرجع عن النوبة"، تطمح أن يكبر مشروعها، في حين أن البعض استعان بتجربتها في "كوما وايدي "في اتنين بيحضروا ماجستير وواحد دكتوراة اتواصلوا معايا عشان يستعينوا بالمواد بتاعتنا"، تأمل حفصة أن تكون الحواديت، والأغاني سبيلها للحفاظ على تراث بلدتها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان