"شغف لا ينتهي".. حكاية شابة نوبية أصبحت أول عربية تدرس الفنون التقليدية في كوريا
كتبت-رنا الجميعي:
ربما لم تكن تعلم نور الدمرداش أن قدر الله أجمل بكثير من أحلامها، فلم تحلم يومًا أن تكون أول عربية تدرس في جامعة كوريا للفنون الفلكلورية التقليدية، وتحمل ثقافتها النوبية داخل كوريا.
"أنا بعيش جوة حلمي".. تظل تلك الجملة تتردد داخل نفس نور كلما تجولت داخل طرقات الجامعة، غير مُصدّقة أنها وصلت أخيرًا بعد مشوار بدأ عام 2011، حين كانت تتنقل بين قنوات التلفزيون، حتى استقرت على إحدى القنوات تعرض مسلسلًا كوريًا، انتبهت الفتاة التي كانت حينها تدرس الثانوية العامة إلى ما يُعرض، شدّها إيقاع اللغة، تناست ضغوطاتها واستمعت جيدًا إلى اللغة الكورية التي كانت على وشك الوقوع في غرامها "كنت أخلص المذاكرة اللي ورايا وأفتح القناة أتفرج على المسلسلات والأغاني"، جعلها ذلك الشغف تمشي في طريق لم تفكر فيه من قبل، وهو دراسة اللغة الكورية.
بعدها بعام درست نور بكلية سياحة وفنادق، داخل قسم الإرشاد السياحي، بجانب ذلك ظلّت على حبها للغة الكورية "دورت وقتها على المركز الثقافي الكوري عشان آخد كورسات"، لكن مواعيد الكورسات لم تُناسبها بسبب الدراسة الجامعية، وظلّت القناة الكورية هي مصدرها الوحيد للتعلم "لحد ما اتقفلت فجأة وبقيت ألجأ للانترنت"، استمرّت نور في التعلم بتلك الطريقة حتى تخرجت من الجامعة "بدأت ساعتها أقدم في كورسات بس كنت بترفض عشان بكتب الأبلكيشن غلط"، تقول ضاحكة.
الخطأ والتجربة هو أساس التعلم، هذا ما آمنت به نور خلال مشوارها، لم يوقفها ذلك عن المحاولة مرات عديدة "في المرة الخامسة اتقبلت، ودرست في المركز الثقافي من 2016 حتى 2018"، خلال تلك السنوات كانت الشابة العشرينية تعمل بأقصى طاقتها كمرشدة سياحية بجانب التعلّم، تضع نصب عينيها شغفها بالكورية، كان القدر يحمل لها مفاجأة على تعبها ذاك، حيث انضمت لسباق خاص بالمحادثات الكورية تابع لإحدى المعاهد الكورية، يحصل الفائز فيه على رحلة سياحية شاملة التكاليف إلى كوريا مدتها 10 أيام، لم تصدق نور نفسها حين فازت "مكنتش متوقعة خالص ولا حاطة أمل إني آخد المركز الأول"، وأصبحت كوريا بالنسبة لنور هي أول بلد تطئها قدماها خارج مصر.
لازالت نور تتذكر تلك الرحلة الجميلة "اتعلقت بكوريا جدًا، لدرجة إني في آخر ليلة كنت بعيط وبقول لصاحبتي أنا مش عارفة ليه همشي وأنا حاسة إن دي بلدي"، لم تكن تعلم نور حينها أن الخطة الأجمل كانت في انتظارها بعد ذلك، وهي منحة تعليمية مدتها أربع سنوات.
لم تفكر نور من قبل في المنح الدراسية خارج مصر، لكن رحلتها إلى كوريا دفعتها للتفكير لذلك، حتى وقعت أمامها بالصدفة؛ تحكى نور أنها ذات يوم خلال عملها كمرشدة سياحية التقت بفوج سياح كوري، كان من بينهم أستاذ بالجامعة، شدّه تحدثها المتقن باللغة الكورية، ودفعه الفضول للتعرف عليها ومعرفة سر إتقانها "وهو اللي عرفني على المنحة دي اللي بتقدمها الجامعة بتاعته"، كان بابًا جديدًا يفتحه القدر أمام نور فتقول بنبرة راضية "المنحة هي اللي وقعت أدامي لوحدها"، وقد كانت تلك أول مرة يتم فتح المنحة التعليمية الخاصة بالفنون التقليدية الكورية لدول العالم "كانت مقتصرة على دول آسيا بس".
تعبت نور كثيرًا في الإعداد للمنحة، فلم يكن الأمر بتلك السهولة "عملت غلطات كتير في التقديم، واترفضت"، وقتها شعرت الشابة أنها خسرت كل شيء "حسيت إني مش هقدم تاني في حاجة زي كدا"، لكن بعد وقت استجمعت شتات نفسها، وجربت المحاولة ثانية، مع فارق أنها أعادت النظر في أمر بعض الشروط التي لم تضعها في اعتبارها أول مرة "كان المفروض أقدم البورتفوليو وإني أعمل فيديو أقدّم فيه أغاني معينة".
تختص المنحة التي قدّمت فيها نور بالفنون التقليدية الكورية، وهو أمر كانت تهواه الفتاة دون العلم بمدى جدواه خلال سنوات حبها الأولى لكوريا "كنت بحب أسمع أغاني كوري أوي، لدرجة إني حفظت أربع أغاني من غير ما أفهم كلماتهم، كمان وقت رحلتي الأولى لكوريا أخدت ورشة في الفنون التقليدية"، والفنون التقليدية الكورية تتضمن الرسم والغناء والشعر والموسيقى "لكن بلغة كورية قديمة كمان، مش باللغة الحالية المستخدمة".
مع محاولة نور الثانية قوبل طلبها بالموافقة، لم تسعها الفرحة؛ نظرت خلال مشوارها الطويل إلى كل العراقيل التي كانت في طريقتها، لكنها لم تَسْنها عن رغبتها، تذكرت تعليقات الناس المحبطة؛ بعضهم استنكر دراستها لنحو أربع سنوات في كوريا "كانوا بيقولولي اشمعنى كوري وهتعملي ايه بالكوري، طب هتغني ازاي وانتي لابسة حجاب"، لم تنس كذلك الفترة الأولى التي كانت تدرس فيها الكوري بالمركز الثقافي "كان مديري في الشغل فرحان إني بتعلم وكان بقالي تسع شهور باخد كورس"، فاعتقد أنها قد تمكنت من اللغة تمامًا "راح معرفني على فوج كوري وكل اللي كنت بعرف أنطقه ساعتها التحية بالكوري"، وحين انتبه أحد السياح الكوريين لعدم فهمها للكوري، حدّثها بالإنجليزية قائلًا"يعني انتي بقالك تسعة شهور ولسة معرفتيش تتعلمي"، تكمل نور قصتها "وقتها اتأثرت وعنيا دمّعت جامد".
رغم ما شعرت به نور من إحباط وقتها، لكنها أكملت طريقها، وبعد عام واحد من ذلك الموقف السخيف "اتعرض عليا من فوج سياح كوري إني اعمل انترفيو في شركة هيونداي عشان أعجبوا بإتقاني للغة"، لكنها رفضت حيث جاءت في نفس الوقت الذي كانت تقدم فيه للمنحة الدراسية.
كل تلك المواقف وأكثر لازالت تتذكرها نور كعثرة في طريقها، تزيحها ثم تكمل طريقها بروح إيجابية "مكنش فارق معايا اللي بيقوله الناس، بس كنت بروّح جسمي واجعني من كتر ما سمّوا بدني"، لكنها الآن بعدما أثبتت نفسها تحوّلت تلك التعليقات السلبية إلى إيجابية "والناس بقت بتشجعني ومبسوطين بيا، وبيقولولي نفسنا عيالنا يبقوا شبهك".
لم تكن نور لتزيح عنها ذلك الإحباط دون وجود والدتها "هي درع الحماية بتاعي، وأي حد لما ييجي يكلمني بتهاجمه"، شجّعتها والدتها للسفر وحدها "وكانت تقول أنا عارفة بنتي وعارفة مربياها ازاي"، الآن بعد كل تلك السنين تعيش نور حلمها كما وصفت "أحلى حاجة هنا إني بستمتع بالدراسة لأن معظمها عملي"، صحيح أنها لم تنزل مصر منذ عام بسبب فيروس كورونا المستجد، لكنها لا تزل بروح معنوية مرتفعة طالما حققت مرادها.
اندمجت نور داخل كوريا حتى أنها بدأت تُعرّف أصدقائها على الثقافة النوبية، التي جاءت منها، فقد لاحظت أن الأغاني الكورية القديمة تُشبه في إيقاعها الإيقاع النوبي "حتى الدف النوبي شبه الطبول بتاعتهم"، والطبلة هي الآلة التي تتعلم عليها نور خلال أربع سنوات دراسة، ولحبها للنوبة قامت نور بصنع فيديو تعريفي للثقافة النوبية باللغة الكورية، كما أنها اصطحبت معها الزي النوبي "الجرجار" "ودايمًا بتكلم عن اللبس والثقافة بتاعتنا".
فيديو قد يعجبك: