ليلة المدارس في "الفجالة".. كورونا يُعكر صفو البيع وفرحة التلاميذ
كتبت- دعاء الفولي:
بضع ساعات قضاها محمد شعبان داخل منطقة الفجالة برمسيس، لم يرفع الكمامة عن وجهه، لا تمر فترة وجيزة إلا وعقّم يديه بالمطهرات، لولا حاجته للنزول لما دخل الشارع "بس الأسعار هنا أرخص من بره"، ورغم ذلك؛ اشترى الأب نصف الكمية التي اعتادها كل عام "لأني مش عارف الدراسة مكملة ولا لأ؟، وكمان عندنا حاجات من السنة اللي فاتت جديدة".
حين يقترب الموسم الدراسي، تُصبح منطقة المكتبات الأشهر في مصر، مسرحا للحركة. لا موضع لقدم، الجميع داخل الفجالة له دور ورزق؛ أصحاب المكتبات، بائعو الكتب ومستلزمات الدراسة، الحمّالون وحتى الباعة الجائلون، لا تمر الأسابيع السابقة للدراسة إلا وقد رضوا؛ يسدد البعض ديونه ويتكسب آخرون أموالا تدر عليهم مزيدا من البضاعة، لكن تلك الأيام مختلفة؛ يجلس العاملون على أبواب محلاتهم في انتظار زبائن، يخيم الخمول على الشارع الشهير، وتظهر بصمة فيروس كورونا المستجد قبل ساعات من بدء الدراسة.
كان أنور السطوحي أنهى إفطاره للتو مع عقارب الواحدة ظهرا، جلس لشريكه في المحل يتحدثان، العاملون في المكان وقفوا على بعد خطوات، افترشت البضاعة الأرض "اللانش بوكس والزمزمية دول كانوا بيتباعوا هوا.. بقالهم عندي سنة دلوقتي زي ما هما"، لا يتعلق الأمر بتلك الأيام فقط؛ فالبضاعة موجودة في مخازن أنور منذ مارس الماضي "مرضتش أجيب لما جت كورونا ورغم كده متسحبش منها حاجة".
يعمل السطوحي في الفجالة منذ 20 عاما "ممرش علينا موسم كده"، لم يستطع إغلاق المحل، رغم أنه ينفق شهريا حوالي 30 ألف جنيه "بين إيجار ومرتبات العمال وغيرها"، تكبد الخسارة خلال الستة أشهر الماضية رفقة شريكه في المكان "ورغم ذلك عندنا أمل إن مع بداية الدراسة الأهالي يشتروا لما يلاقوا العملية التعليمية منتظمة".
أثر كورونا لمس الكل؛ حتى الذين لم تتجاوز مرتباتهم الأسبوعية 600 جنيه بات وضعهم أسوأ؛ كحال مدني قاسم، العامل في أحد المحال منذ ست سنوات، كان صاحب الـ25 عاما يحسب ما لديهم من مستلزمات، يجيب على الزبائن بفتور "عددهم قليل والأسعار مش عاجبة حد"، لم يكن قاسم بائعًا فقط "عندي تروسيكل بجيب عليه بضاعة من المخزن للمحلات"، اعتاد نقل عدة شحنات يوميا في ذلك الموسم "السنة دي لو عملت نقلة واحدة في اليوم يبقى كويس"، لا يؤثر الأمر على حركة البيع عموما "حتى على الفلوس اللي بناخدها كعمال"، فمرتب الشاب الأسبوعي كان يرتفع خلال وقت المدارس "بتجينا مكافآت"، غير أن صاحب المحلات أوقفها العام الجاري "وكمان فضلنا قاعدين شهرين في البيت"، فيما يعايش الشاب بعض زملائه ممن تم تسريحهم من العمل في منطقة الفجالة بسبب سوء الظروف.
بين البضائع المرصوصة، أمسك بعض الآباء بأوراق مكتوب فيها ما يحتاجه الابن، كان قرار كثير منهم تقليص المستلزمات التي يحضرونها "عشان مش ضامنين هيروحوا أد إيه، وكمان هما يومين؟"، كما يقول محمد عوض.
لعوض 3 أبناء "في المرحلة الابتدائية"، لا يخفي خوفه من ذهابهم المدرسة، كان يوم شراء المستلزمات يدخل السرور على قلوبهم، غير أنه اضطر ذلك العام للذهاب بمفرده، متخذا ما استطاع من الإجراءات الوقائية، مخططا لما سوف يشتريه "دستة كشاكيل عربي ودستة إنجليزي بس"، فيما لن يُحضر كتبا خارجية، يقول الأب إن ميزة الفيروس الوحيدة "إن مصاريف الكتب هتقل شوية"، فقد اعتاد دفع ما يزيد على 600 جنيه سنويا للمستلزمات، فيما انخفض الرقم لأقل من النصف ذلك العام.
ليس الباعة بمفردهم من يلاحظون هدوء الشارع؛ شيماء مسعود تعودت الذهاب دائما لشراء ما تحتاج، تعرف والدة الثلاثة أبناء أن "الحركة خفيفة"، لكنها لا تخفي سعادة من عودة الدراسة "بنتي في تانية ابتدائي قربت تنسى القراية، الولاد لازم يروحوا مدرسة مينفعش الأونلاين"، حاولت الأم مرارًا إلزام أطفالها بالمذاكرة خلال فترة كورونا "بس كان الموضوع شبه مستحيل".
رغم ذلك، لم تكن جميع المستلزمات على هوى الأم "فيه حاجات غليت جدا وفيه حاجات أرخص من بره زي الكشاكيل"، اضطرت شيماء لشراء كتب خارجية "كلفتني 1000 جنيه لولادي الاتنين اللي في إعدادي"، فعلت ذلك "لأنه حتى لو الدراسة وقفت هيذاكروا منها"، أما الأشياء الأخرى فقد اقتصدت فيها "تقريبا جبت تلت الكمية اللي بجيبها كل سنة".
كان بركات صفا نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية بغرفة القاهرة التجارية قال لمصراوي في تصريحات سابقة، إن أسعار الأدوات المدرسية هذا العام أقل من العام الماضي، نظرا لعدم استيراد بضائع جديدة هذا العام؛ ذلك ما حاول سمير كمال استغلاله للحصول على بضاعة جيدة.
منذ عامين خرج كمال إلى سن المعاش، قرر وقتها افتتاح محل صغير لبيع الأدوات المكتبية "وللأسف اشتغل شهر وبعدين وقع بسبب كورونا"، كان الموسم الحالي فرصته الأهم لكسب المال "المكتبة أصلا مش بتدخل لي كتير يا دوب بصرف منها على مراتي وعلى نفسي"، لذا حينما ذهب للفجالة اليوم، حصل على صفقات جيدة بأسعار أقل "الدنيا نايمة عندهم عشان كورونا"، لم ينس الرجل الستيني ارتداء الكمامة "بس مفكرتش في الزحمة ولا قلقت منها، كفاية إن كورونا وقف حالنا شهور، خلينا نحاول نسترزق"، فيما يأمل أن تحمل شهور الدراسة له خيرا وفيرا يعوضه عما مضى.
تابع باقي موضوعات الملف:
موسم دراسي مضطرب.. التلامذة في مفترق كورونا (ملف خاص)
أحمال زائدة.. كيف يواجه أولياء أمور تقليص الأيام الدراسية في "كورونا"؟
إجازة إجبارية.. أُسر تؤجل عودة أبنائها للمدارس خوفًا من "كورونا"
كورونا+ أول سنة تابلت.. كيف يستقبل طلاب الثانوية العامة العام الدراسي الجديد؟
"خلصنا من الإرهاب دخلنا في كورونا".. طلاب شمال سيناء يستقبلون العام الجديد
"خبطتين في الراس توجع".. حال راسبي الثانوية العامة في "زمن كورونا"
حراس نظافة المدارس.. "الدادات" تستعد لمواجهة "كورونا"
"افتح الراوتر واقفله تاني".. أزمات الدراسة في زمن الأونلاين
طوارئ كورونا.. كيف تستقبل ممرضات المدارس العام الجديد؟
عودة الجامعات|باقٍ من الزمن 3 أيام.. وافد سوري لم تظهر نتيجته للتنسيق بعد
فيديو قد يعجبك: