يوم ميلادك في الأهرام.. حين تصبح الهدية "صفحة جرنال"
كتبت-إشراق أحمد:
على مدار 48 عامًا، يستقبل زياد عبد التواب التهنئة في يوم ميلاده، لكن قبل نحو شهر من تاريخ الاحتفال، خاض تجربة مختلفة هذا العام؛ قرر أن يقدم لنفسه هدية "كان عندي فضول أعرف إيه اللي حصل يوم ما اتولدت". بالصدفة علم عبد التواب عبر صديق أن جريدة الأهرام تقدم خدمة الحصول على الصفحة الأولى من العدد الصادر يوم ميلاد أي شخص، جذبته الفكرة وأرسل إلى البريد الإلكتروني المخصص، ليحصل على وثيقة إخبارية عمرها بعدد سنوات حياته.
قبل نحو عشرة أعوام، طرح العاملون في أرشيف جريدة الأهرام عدة أفكار للاستفادة مما لديهم من تاريخ، كان من بينها إمكانية الحصول على صفحة بتاريخ يوم الميلاد، وبالفعل توفرت في البداية عبر جناح الأهرام في معرض الكتاب كما تقول ميرفت وديع، مدير إدارة المكتبة الميكروفيلمية.
وحينما تولت ميرفت إدارة الأرشيف منذ 6 أعوام، أضافت إلى الخدمة وضع الصفحة في إطار خشبي واستقبال صورة صاحب التاريخ، لتصبح هدية ذات طابع شخصي، هذا إلى جانب طباعتها "A4 وتغليفها زي الشهادة"، أرادت وديع أن يصل الأرشيف الصحفي إلى أيدي الكثير"مش بس الباحثين هم اللي ييجوا لنا".
يهتم عبد التواب بالصحافة والتاريخ، يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، ورغم تحول اطلاعه إلى الانترنت، والجرائد الورقية إلى "حنين" يلجأ إليه بين الحين والآخر، إلا أن فكرة امتلاك صفحة من أرشيف الأهرام آسرته "حسيت أنها هتبقى ذكرى جميلة اضمها لمكتبتي"، أرد الرجل الأربعيني التجريب بنفسه قبل أن يهادي بها أحد، ظن الأمر يستغرق طويلاً، فيما استقبل الرد بعد نحو نصف ساعة من طلبه على البريد الإلكتروني المخصص للخدمة "قالوا لي اجي استلمها تاني يوم".
الاسم، تاريخ الميلاد، وصورة شخصية مع تحديد الرغبة في استلام "الهدية" المطلوبة كورقة منفردة أم داخل إطار خشبي، هو كل ما يلزم لطلب الحصول على الصفحة الأولى من جريدة الأهرام في أي تاريخ كان خلال 145 عامًا لإصدارها، وذلك مقابل 50 جنيهًا للورقة، و150 في حالة بروزتها، على أن يكون الاستلام داخل مقر الأهرام.
كانت المرة الثانية التي يذهب فيها عبد التواب إلى مقر الأهرام، الأولى حضر ندوة في إحدى القاعات قبل أعوام، أما هذه المرة فدخل إلى أرجاء الجريدة، قصد مكتبة الأرشيف، وهناك امسك صفحة من التاريخ "14 نوفمبر 1971 يوم ميلادي اتفاجئت باللي حصل فيه كان موافق ليلة 27 رمضان وهو نفسه وقت تنصيب البابا شنودة وكمان وزير الحربية ورئيس الوزاء كانوا بيتفقدوا القوات عشان الحرب وقريت مقال "بصراحة" لمحمد حسنين هيكل يومها".
جرت السعادة في نفس الباحث في مجال تكنولوجيا المعلومات، حين قرأ الصفحة المتصدر لها صورته وكلمة "صفحة الأهرام الأولى يوم ميلاد زياد عبد التواب". لم تكن بالنسبة له مجرد صفحة جريدة، شعر أنه يشارك أسرته وقتًا لم يدركه لكنه الآن يفعل "قلت لنفسي ده الجرنال اللي قراه أهلي يوم ما اتولدت".
تفاجأ عبد التواب أن الخدمة ليست جديدة كما ظن، شعر أنه حصل على "كنز"، وكذلك تؤمن مسؤولة الأرشيف، ولهذا لا يقتصر دورها على مجرد تسليم الصفحات إلى طالبيها "اللي بيجي لنا بنستقبله وناخده في جولة بالأرشيف نعرفه على تاريخ الأهرام وإصدارتها". منذ فتح باب هذه الخدمة، وصارت لوديع صدقات عدة، تشارك العديد لحظات فريدة حينما تمسك أيديهم بصفحة الجريدة، حتى أن البعض يعود إليهم مرة أخرى.
تذكر مدير المكتبة الميكروفيلمية بالأهرام ذلك الأب الذي آتاها قبل ثلاثة أعوام، حصل على صفحة بتاريخ ميلاد ابنه الوحيد، ليرجع مرة أخرى وقد قرر أن يعطيهم تواريخ أخرى "عمل ملف لابنه بمراحل حياته من ابتدائي لغاية ما اشتغل"، كل تاريخ يحمل "مانشيت" مختلف لحدث وقع ذات يوم في بر مصر.
توسع مدى الفكرة عن تاريخ عيد الميلاد، تتلقى ميرفت أفكار ليس بالإمكان رفضها "في أب جالي بتواريخ ميلاد وجواز أسرته كلها ولاده وأحفاده"، وأخرى قررت أن تستبدل حلوى سبوع مولودها بصفحة الأهرام في ذلك اليوم لتقدمها إلى ضيوفها كذكرى، تندهش السيدة الخمسينية لما يمكن أن تحدثه ورقة تضم أخبار انقضت عليها أعوام في نفس الحاصلين عليها، لكن سرعان ما تنعكس الحالة عليها "بحس أني سعيدة لأني قدرت أفرح حد".
تعلم ميرفت أن الطالب لهذه الخدمة، لن يخرج كثيرًا عن دائرة المهتمين بالصحافة والثقافة بشكل عام، إلا أنها تراهن على الوقت وأصحاب الفضول لتجربة شيء جديد، لذلك لم تلتفت للتعليقات الساخرة بعدما نشر عبد التواب عن حصوله على صفحة من أرشيف الأهرام كهدية عيد ميلاده، "في ناس قالت إيه الفايدة ودي حاجة مالهاش لازمة"، إلا أنها تعلم جيدًا كم تتجاوز أهمية تلك الصفحات حدود الترفية.
بين مَن تستقبل ميرفت، أشخاص يستجيرون لمعرفة معلومة من الأرشيف لإنجاز مصالح لهم "في ناس ولادهم اتولدوا في دول بتسجل شهادة الميلاد بتاريخ هجري وعشان يخلصوا الجواز لازم التاريخ الميلادي فبيجوا لنا عشان نديهم ورقة مختومة بالتاريخ المقابل"، وآخرون يحضرون للحصول على تفصيلة مكتوبة في خبر قد تنقذهم في قضية متداولة في المحكمة.
أتاح الأرشيف لميرفت أن تطّلع على ما مضى وتقديم الخدمة لمن يلجأ إليها، فيما كانت الصفحة التي حصل عليها عبد التواب بتاريخ ميلاده دافعًا لمزيد من الفضول "بقيت أفكر في تواريخ تانية عايز أعرف ايه اللي حصل فيها.. عايز أعرف ايه اللي اتنشر تاني يوم ثورة يوليو وحرب أكتوبر والنكسة ويوم الحرب العالمية الأولى والثانية"، بينما أصبحت أقدامه تعرف الطريق نحو تقديم هدية غير تقليدية.
فيديو قد يعجبك: