"الأسرة المفقودة".. حكاية أول مأوى لحماية المشردين من الضياع (صور وفيديو)
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتب- محمود عبدالرحمن:
فيديو- عمر هشام:
طاولة طعام صغيرة، يلتف حولها رجل وامرأة طاعنان في السن وثالثهما طفل، يتبادلون أطراف الحديث، ربما كان هذا المشهد الأسري مألوفًا في البيت أو خارجه في مكان عام، لكن تفاصيله هنا مختلفة، فأبطاله الثلاثة لا يجمعهم سوى أنهم بلا مأوى ويفتقدون الرعاية الأسرية، فالطفل الذي يعتبر أحد 16 ألف طفل يعيشون بلا مأوى في مصر، جمعه مع المسنين –اللذين كانا ضمن المشردين في الشوارع– تجربة الدمج بين "أطفال وكبارٍ بلا مأوى" التي طبقتها وزارة التضامن الاجتماعي لأول مرة في فبراير الماضي؛ كمحاولة لتوفير الأجواء العائلية والأسرية التي يفتقدها الطرفان.
مجمع رعاية الأطفال والكبار فاقدي الرعاية، بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، هو المكان الذي شهد تطبيق التجربة الأولى للدمج بين الطرفين، ويدار من خلال فريق جمعية بسمة للإيواء، يضم المجمع ثلاث بنايات منفصلة تتوسطهما ساحة خارجية ومساحات خضراء، المبنى الأول مخصص للأطفال، بينما الثاني والثالث لكبار السن، أحدهما للرجال، والآخر للسيدات، ويسمح للأطفال بزيارة من يرغبون من كبار السن.
في الساحة الخارجية التي تمتد من مدخل المجمع وتطل عليها المباني الثلاثة، يتجمع الأطفال مع الكبار كل صباح تحت رعاية مشرفي الدار، يتعامل الجميع معًا وفقًا لنظام الدمج -المسنين آباء والمسنات أمهات والأطفال أبناء- أثناء ممارسة العديد من الأنشطة الاجتماعية والرياضية والترفيهية: كـ"الرسم، وعمل المشغولات اليدوية، وتناولهم الطعام وإقامة الصلوات وحفظ القرآن".
فكرة الدمج التي تنفذها وتشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي، مستوحاة من التجربة الكندية التي كانت أول دولة تطبق عملية الدمج بين دور المسنين ومراكز رعاية الأطفال، لاحتياج كل منهما للآخر، كما يحكي حسني يوسف مدير مشروع أطفال بلا مأوى بوزارة التضامن الاجتماعي.
وفي ظل توجه عام للدولة بالتعامل مع ظاهرة المشردين في الشوارع، بدأت وزارة التضامن بتنظيم حملات في الشوارع منذ يناير 2019، باستخدام الوحدات المتنقلة المجهزة والمدعومة بفريق من المتخصصين والمؤهلين للتعامل مع مثل هذه الحالات، كما يروي مدير مشروع أطفال بلا مأوى بالوزارة.
"ما كنت أفتقده أعيشه هنا" يعبر محمد أحمد، الستيني المقيم بدار الرعاية، عن حياته الحالية ودوره أبًا لطفل: "عوضني عن شعور الوحدة بعد ما تخلت عني أسرتي، وفقدت عملي، وأصبحت في الشارع بعد عجزي عن دفع الإيجار، وكان اللجوء إلى الدار الملجأ الوحيد والأخير لي".
بجوار مبنى إقامة المسنات، جلست الخمسينية نجاح علي، على كرسيِّها المتحرك يلتف حولها الأطفال تحكي لهم حكايات: "حاجة جميلة إنك تحس إن ليك أحفاد، لو يوم تعبت يسألوا عنك"، تقولها السيدة.
تطلب نجاح صباح كل يوم من إحدى المشرفات نقلها إلى الحديقة، لكي تجلس مع الأطفال، ترى فيهم حلمها الضائع بأن تكون أما، تسعد لرويتهم يلتفون حولها ويستمعون للحكايات التي ترويها، تقول: "محتاجين حنان الأسرة زي ما أنا محتاجة إحساس الأمومة".
قبل 5 أعوام وبعد وفاة والديها، غادرت "نجاح" المنزل الذي كان يستأجره والدها، بناء على طلب مالك البيت، وعاشت مع أقاربها بمركز أبوحماد بالشرقية، من أجل التغلب على شعورها بالوحدة،" روحت عند قرايبي بس كنت حاسة إني غريبة وأنا عايشة معاهم"، وحدثت خلافات انتهت بطردها من البيت، ولم تجد مكانًا تقيم فيه سوى أمام أحد المساجد، وأثناء مرور إحدى الحملات التي كانت تجوب الشوارع؛ للبحث عن المشردين، نقلتها إلى دار الإيواء ومن يومها وهي تعيش داخل الدار.
بينما "عم محمد" الذي جاء من بلدته بمحافظة أسوان قبل 45 عامًا، من أجل البحث عن حياة أفضل في القاهرة، بدأ حياته بالعمل مع بعض أقاربه بإحدى الشركات الخاصة، واستأجر شقة بمنطقة الدراسة وتزوج فيها، لم تمر ثلاث سنوات، وبدأت المشكلات تهدد استقرار حياة الأسرة، التي انتهت بقرار الانفصال دون الإنجاب.
بعدها بسنوات، تعرض "محمد" الذي تخطى 68 عامًا للعديد من الأزمات الصحية المتكررة، حُجز بسببها بأحد المستشفيات، تسبب انقطاعه عن العمل بسبب مرضه في فقدان وظيفته: "طلعت من المستشفى لقيت نفسي مقدم استقالتي بدون ما أعرف".
محاولات عديدة قام بها من أجل العودة إلى عمله مرة أخرى، لكنها فشلت، ما دفعه للبحث عن عمل آخر، ومن عمل إلى عمل حتى انتهى به المطاف إلى عامل بدار مناسبات بمنطقة الدراسة، ومع تفشي "كوفيد-19" في مصر والإجراءات الحكومية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الجائحة، أوقفت دار المناسبات عملها في مارس الماضي؛ ليجد نفسه دون عمل، وبلا دخل؛ لينتهي به الحال للإقامة بدار مسنين.
"سنين محدش سأل عليا من أهلي ولا افتكرني"، يقولها الرجل، الذي اقترب من إتمام عامه الأول داخل مجمع الرعاية، الذي وجد فيه المشاعر التي كان يفتقدها يقول: "وجود الأطفال تعطي لنا الأمل في الحياة".
وتتذكر نجاح: "أول ما وصلت الدار اتصلت بأقاربي وعرفتهم إن أنا هنا، ومن يومها محدش اتصل بيا أو سأل عليا"؛ ليصبح مجتمعها كله داخل الدار منذ إقامتها بها.
"مهما وفرنا للنزلاء جلسات علاج نفسي، لن تغنيهم عن غياب الأسرة"، يقول محمد حسن، الإخصائي النفسي بالدار؛ لذلك يرى أن لتطبيق فكرة الدمج بين الأطفال والكبار -الذين لا يوجد لهم مأوي أو أسرة-، دورًا كبيرًا في التأثير النفسي الإيجابي للطرفين، وساهم هذا التأثير في إقبالهم على الحياة ورفع الروح المعنوية عندهم، فتطبيق الدمج زاد من نسبة تقبل الأطفال للإقامة في الدار: "الأطفال قبل التجربة كانوا يرفضون الإقامة بالدار وعندهم إصرار للتعامل مع المجتمع الخارجي، وهذا ما وجدوه في عملية الدمج".
يروي الإخصائي النفسي حالة "محمد وأحمد" شقيقين لا يتعدى عمرهما الثماني سنوات، جاءت بهما إحدى الوحدات المتنقلة، كانا يعيشان بالشارع عقب انفصال والديهما، وتزوج كل منهما من آخر،" طول الوقت كانا يريدان أن يخرجا من الدار للشارع"، دون الرجوع إلى أسرهم، لسوء المعاملة التي كانا يجدانها، بعد عملية الدمج تعلقا بالمكان أكثر وتقبلا الحياة داخل الدار.
يقول محمد حسن المسؤول الأول عن الصحة النفسية بالدار التي تعتبر إحدى 19 مؤسسة تضم كبارًا بلا مأوى على مستوى الجمهورية، إن عمله يركز على ترسيخ مفهوم الأسرة والعائلة داخل الدار، (الأب والأم وأبنائهم)، دور كل منهما تجاه الآخر وما يجب عليه عمله، مثل المعاملة الحسنة والعطف والحنان، وتنظم الدار جلسات تربوية لكبار السن عن كيفية التعامل مع الأطفال.
تطبيق تجربة الدمج خلق دعمًا نفسيًا كبيرًا لدى الطرفين، بحسب أشرف محمد، رئيس الرعاية بالمجمع، فالأطفال الذين كانوا بلا أب أو أم، توفر لهم الأمان الأسري ولو بشكل نسبي، بينما كبار السن الذين حرموا من الأبناء والأحفاد شعروا بإحساس الأبوة ولو بشكل جزئي، أثناء تعاملهم مع الأطفال ما جعلهم يشعرون بما كانوا يفتقدونه في أسرهم الحقيقة. وخلال الفترة المقبلة سيتم التوسع في دور الرعاية التي تعتمد نظام الدمج بين الأطفال وكبار السن، بحسب تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج.
فيديو قد يعجبك: