إعلان

يصيب طفلة من بين ١٠ آلاف مولودة.. أم تكتشف مرض ابنتها بـ"متلازمة ريت"

12:57 م الثلاثاء 17 نوفمبر 2020

ياسمين أبو الدهب وابنتها أيسل

كتبت-إشراق أحمد:

طالما تمنت ياسمين أبو الدهب أن تنجب فتاة، في الشهر الخامس من حملها علمت أن مرادها تحقق، من وقتها ولم تتوقف عن التفكير؛ تتخيل ما ستفعله معها، تنتقي ملابس بألوان تشبه ما ترتديه وبأحجام مختلفة، تُحدث نفسها "الفستان ده هتلبسه لما يبقى عمرها سنة وده لما تكبر شوية". نسجت الأم حياة بهية الألوان وحكايات لا تنضب، لكن مع بلوغ ابنتها أيسل ثمانية أشهر تغير كل شيء؛ دخلت أبو الدهب متاهة لم تخرج منها إلا قبل ثلاثة شهور، بعدما تأكدت أن طفلتها تعاني من متلازمة نادرة تسمي "ريت".

قبل أيام اطفأت أيسل شمعة ميلادها الرابع، مع كل نظرة تذوب ياسمين مع ضحكة طفلتها، فهذا كل ما تفعله الابنة بإراداتها "هي 4 سنين لكن كأنها 6 شهور"، مازالت الطفلة لا تتحرك، لا تتحدث، لا تسطيع فعل شيء دون مساعدة، وهو حال المصابات بـ"ريت"، المتلازمة التي تحدث نتيجة خلل جيني في كروموسوم X، لذا تعاني منها الفتيات بنسبة أكبر بكثير من الذكور، تقدر بطفلة بين 10 آلاف مولودة حسب المعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية.

أبو الدهب أم دقيقة الطباع، عملها في مجال الصيدلة عزز لديها هذا، طيلة الوقت تتابع طفلتها ونموها، بعد 8 شهور من ولادتها لاحظت أن جسد أيسل رخو رغم أن استجابتها طبيعية، صرحت بقلقها لأكثر من طبيب أطفال، وجميعهم أخبروها أنها هواجس "وبنتك زي الفل"، لكن مع تخطيها العام تأكدت ظنونها بأن هناك خطب ما "فضلت مش بتقوم ولا تقف لوحدها ولما أديها حاجة تمسكها متعرفش تديها لي تاني".

لم تترك الأم بابًا إلا وطرقته لمعرفة علة ابنتها، كانت الفحوصات الطبيبة تشير دومًا إلى صحة أيسل الجسدية وأن ما لديها "مجرد تأخر في النمو غير معلوم سببه"، لجأت أبو الدهب إلى العلاج الطبيعي كي تستطيع طفلتها الحركة "بقت تقف تتسند على حاجة"، فيما أصرت على معرفة تشخيص ما تعانيه طفلتها.

1

دارت الأم على الأطباء، ما زادتها الزيارات سوى ثقلًا "قالوا لي دي حاجة متعلقة بالجينات والتشخيص مش هيفيد في العلاج. متحاوليش سيبيها كده بركة في البيت". لم تقبل أبو الدهب بغير معرفة ما تعانيه طفلتها؛ عكفت على البحث بذاتها، وذات يوم قرأت عن "متلازمة ريت"، تطابقت أعراضها مع ما رأته في أيسل، لكن ليس هناك طبيب يؤكد ذلك "كل لما أقول لدكتور عن المتلازمة مبيبقاش عارف".

ظلت أبو الدهب لنحو عامين وثمانية أشهر في حيرة عاصفة، تزيد من بحثها عن المتلازمة، فيما يقترب كل ما تلاحظه على أيسل مع التشخيص المحتمل؛ فما لبثت الصغيرة أن تقف وتتعلم الإمساك بالأشياء حتى راحت تفقد المهارات "مابقتش تمسك حاجة ولا تمشي متسندة ولا تقف زي الأول".

زادت شكوك الأم نحو المتلازمة التي من أعراضها المهمة تراجع القدرات المكتسبة، واصلت تفقدها حتى علمت أن ثمة تحليل يُجرى في المركز القومي للبحوث بإمكانه أن يثبت إذا الطفل مصاب بـ"ريت"، تزامن هذا مع فترة تفشي فيروس كورونا المستجد، انتظرت أبو الدهب حتى عادت الحياة رويدًا، وما إن ظهرت نتيجة التحليل حتى تأكدت شكوكها. الآن تحمل والدة أيسل ما يثبت أن طفلتها تعاني من متلازمة ريت.

لم تمنع معرفة الأم المسبقة عن المتلازمة من صدمتها "قعدت فترة لغاية ما استوعبت. 3 سنين ونص لغاية دلوقت متعشمة أنها هتبقى طبيعية"، لكن سرعان ما هدأت حينما تأملت الحال "التحليل خلاني فاهمة فيها إيه كنت شاكة أنها فاهماني لكن دلوقت اتأكدت أنها فاهماني حتى لو مش بتتكلم". أخيرًا وقفت أبو الدهب على أرض صلبة.

حينما استعادت والدة أيسل اتزانها قررت أن تجنب الأمهات مشقة البحث. كانت في رحلتها لمعرفة تشخيص طفلتها، تواصلت مع سيدات لديهن أطفال بأعراض شبيه لما تعانيه أيسل "معظمهم سلموا لفكرة أن ولادهم يبقوا في البيت وأن خلاص مفيش تشخيص ولا علاج"، فيما عرفت أبو الدهب خلال بحثها أن الباب ليس مغلقًا، خارج مصر هناك من تعايشوا وتحسنت حالتهم مما تقول، لذا انشأت الأم مجموعة على فيسبوك باسم "ملائكة متلازمة ريت في مصر".

2

منذ شهرين، من مكانها في مدينة بنها، أصبحت والدة أيسل تتشارك مع نحو 30 أم أخرى حال فتياتهن، صارت الصفحة ملتقى ومتنفس لهن، تدفع أبو الدهب نحو الأمل، تواصل جمع المعلومات العلمية حول "ريت" وتنشرها للتوعية، تُراهن على كشف الجهل عن المتلازمة النادرة، تقارن بينها و"متلازمة داون سندروم": "أول لما ظهرت محدش من الأهالي كان يعرف وكانوا بيخبوا ولادهم وبرضه اتقال لهم مش هنعرف نعملهم حاجة ودلوقت المجتمع تقبلهم وبقى ليهم وجود عن زمان".

ألمت أبو الدهب بما يكفي عن متلازمة ريت، تواصلت مع أطباء خارج مصر، ورغم ذلك يتملكها هّم كبير بشأن تعاملها مع طفلتها التي بلغت الرابعة من عمرها ولاتزال تحملها بين ذراعيها، وتعتمد كليًا عليها، لا تعرف الأم مصير قدرة ابنتها على الكلام والحركة "شاغلني إزاي هتدخل مدرسة وتتعلم"، علمت أن ثمة جهاز طبي خاص للمصابين ب"ريت"، يُترجم إشارات العين، فهم ليسوا مثل الصم والبكم بإمكانهم تعلم لغة الإشارة، لكن ذلك الحل مكلف للغاية، فضلاً عن الحاجة للتدريب على استخدامه.

تعلم والدة أيسل أن الطريق عسير، ولن تتخفف من حِملها حينما تكبر طفلتها كما تصورت، لكن تلتمس ما يربت على قلبها في رسالة سيدة توجهها نحو مكان إجراء التحليل ومعرفة التشخيص لحالة ابنتها "بحس بسعادة أني قدرت أريح قلب أم"، ومن ثم تزيد سعيها للبحث عن طبيب مصري يعلم أو يبادر لدراسة العلاج والتعامل مع نحو 5 آلاف طفلة في مصر تعاني من "ريت"، الرقم الذي قدرته أبو دهب استنادًا للنسبة المعروفة عالميًا "مصر فيها تقريبًا 50 مليون بنت والنسبة 1 من كل 10 آلاف".

مع كل صباح، تبذل أبو الدهب أقصى ما لديها للحياة على نحو قريب مما حلمت به مع أيسل، مازالت تنتقي أبهى الملابس لطفلتها، تُهيء الأجواء في المنزل كي ترى ضحكتها "لما نكون مبسوطين ومرتاحين بلاقيها مختلفة"، تتمنى الأم أن تجد يومًا عيادة متخصصة لذوي متلازمة ريت كي لا يفقد الأطفال فرصتهم في العلاج حال طرحه، فلا ترغب والدة أيسل في الكثير "مش عايزين حاجة كبيرة.. عايزين العلم عشان ولادنا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان