حدث في مطار بروكسل.. سوري جمع شمل أسرته بـ"ميكي ماوس"
كتبت-إشراق أحمد:
9 أشهر وينتظر آلان يوسف أن يلتقي زوجته وأطفاله، يتشوق ليضمهم إلى صدره، يلتمس بينهم دفء يعوضه ليالي الغياب، أيام تمنى الأب السوري أن ينسى في حضور أسرته ما لاقاه حتى يصل إلى بلجيكا، لساعات حلم أن يجتمع بهم في مكان آمن ليزيل عنهم الخوف والحزن. نهاية أكتوبر المنصرف تحقق المراد، هجر النوم أجفان آلان بينما يفكر كيف يستقبل أهل بيته، رغب أن يكون لقائهم مبهجًا، تعمه الضحكات، لذا استأجر ملابس لشخصية والت ديزني الشهيرة "ميكي ماوس"، وتَخفى فيها ليُفاجئ أسرته في المطار.
قبل يومين من قدوم أسرة آلان، أخبرته زوجته داليا بالحصول على تأشيرة وتذاكر الطيران، طارت نفس آلان من الفرحة، مرات سبقت لم يبلغوا فيها المطار "آخر فترة أطفالي اتعذبوا. رجعوا على الجنوب السوري وراحوا على لبنان وضلوا شويه عم يحاولوا يروحوا ويرجعو على لبنان"، يحكي الأب لمصراوي أن اشتياقه لصغاره وما عانوه في غيابه دفعه للبحث عن وسيلة لإسعادهم منذ اللحظة الأولى للقائهم "حبيت أخليهم شوي يفرحوا من أول يوم خليهم يضحكوا".
كان آلان مستلقيًا على سرير النوم، قبل أن تأتيه فكرة "اعمل شي حركة بالمطار. اتنكر بملابس كرتون واستقبلهم"، سريعًا نهض الأب وبحث على الانترنت ليجد صفحة مخصصة لهذه الملابس المحشوة، اختار شخصية "ميكي ماوس" وأحضر الزي قبل يوم من مجي عائلته الصغيرة، فيما يهفو قلبه للقاء المنتظر.
خلاف الكثير من السوريين، لم يخرج آلان ذو الأصول الكردية من سوريا، سبق أن غادرها عام 2004 واستقر في منطقة فايدة بإقليم كردستان شمال العراق "طلعت من زمان منشان(عشان) أكمل دراستي. خلصت الجامعة وانهيت دراسة علوم رياضيات عام 2013 وتزوجت بنفس العام وما رجعت على سوريا"، لكن الأمور لم تبق أيضًا على حالها في العراق.
زاد التوتر مع عودة القوات العراقية للسيطرة على المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة "داعش" خاصة مدينة الموصل التي يبعد عنها مكان إقامة آلان بنحو 20 دقيقة، بات لزامًا على الأب الرحيل.
مع نهاية شهر أغسطس 2018 خرج آلان من منزله، ودع زوجته وأطفاله خاصة الصغير دلدار "كان عمره 3 شهور وقت ما طلعت"، تركهم على أمل اللقاء، وولى وحيدًا نحو طريق الهجرة "7 شهور.. تلات أرباع رحلتي مشي. تقريبًا مريت على حوالي 15 دولة لوين وصلت على بلجيكا".
من العراق إلى تركيا، اليونان، مقدونيا، صربيا، البوسنة، كراوتيا، سلوفينيا، إيطاليا، سويسرا، النمسا، ألمانيا، هولندا، ومن الأخيرة إلى اللجوء في بلجيكا "كنت لحالي عم أمشي بين القرى. اتعذبت كتير. الخوف من الشتا والبرد. خوف من أني انمسك. خوف من الحيوانات والمهربين. خوف من الجوع". غادر الأب مع لهيب شمس أغسطس وبلغ مقصدة في الشهر الثالث من شتاء العام التالي 2019، لم يكن يُعين الأب طيلة ذلك الوقت وما بعده من شهور اللجوء في بلجيكا سوى صورة صغاره وزوجته.
أكثر من 40 كيلو متر قطعها آلان من مدينة أنتويرب –شمال بلجيكا- المقيم فيها إلى مطار بروكسل للقاء أسرته، كانت نفسه تسابقه بالوصول، يتابع مع زوجته طريقهم خطوة بخطوة، تخبره أن الطائرة تحلق مع السابعة صباحًا بتوقيت لبنان وتهبط في بلجيكا مع العاشرة و40 دقيقة صباحًا، فيصل الأب قبل ساعتين من قدوم أسرته.
في مطار بروكسل؛ الوقت ينقضي ببطء، ينتظر آلان وعيونه لا تغادر باب خروج ركاب الطائرات، تهتز مشاعره كلما اقترب الميعاد، وقبل ربع ساعة من الوصول، ارتدى الزي التنكري، التفتت له أنظار المتواجدين في ساحة الوصول "كان الناس عم تتصور معي"، لم يكن أحد يعلم ما بال الشخص المرتدي لـ"ميكي ماوس" وحامل باقة ورد، وحده آلان وصديق يرافقه مَن يعلم كم عانى لأجل هذه اللحظة.
هبطت طائرة الأحبة؛ تلاشي كل شيء حول آلان، كأنه وحده بالمكان، أذناه لا تسمع شيئًا، وعيناه لا ترى سوى زوجته وصغاره الثلاثة (آلين 5 أعوام ونصف، فريال 4 أعوام ونصف، دلدار عامان ونصف)، يتقدمون نحو باب الخروج، يدور بصر داليا عنه، فيما يقف هو متنكرًا، ترقرقت عيناه من الدمع خلف القناع دون أن يراه أحد "أطفالي قدامي كان بدي اهجم عليهم واحضنهم بس قلت يلا أول شي بدي أفرحهم".
اقترب الأب من زوجته وأطفاله، بدأ يتراقص في مرح، ارتعب الصغير "دلدار" من المجسم الكبير، بكى فابتعد آلان خطوات كي لا يزيد دموع ابنه، وما إن وقف صوبهم ثانية حتى انقضت عليه أم أولاده تحتضنه، عرفت الزوجة أنه رفيق دربها الغائب، لا يعلم آلان كيف تعرفت عليه وهي لا تعلم بمخططه لكنه ما حدث، ليتبعها ابنتاه ويكشف الأب عن نفسه ويواصلوا المرح في المطار كما أراد، احتضن الأب ضحكات صغاره وهو لا يصدق أنه يراهم "كانوا متل الحلم".
في الواحد والثلاثين من أكتوبر الماضي، وثق آلان بمساعدة صديقه أحد أسعد اللحظات في حياته منذ غادر أسرته قبل عامين وثلاثة أشهر. أخيرًا اجتمعوا بعد شهور من المحاولة لإنهاء أوراق لم الشمل في بلجيكا، نشر الأب لقائه بزوجته وصغاره الثلاثة على قناة له على يوتيوب، لم يتخيل آلان أن يتشارك تلك اللحظة العشرات ممن فرقتهم الأوضاع السياسية عن ذويهم أو مَن يتشوقون لوقت مثل هذا.
حظي لقاء آلان بأسرته على ملايين المشاهدات "أول أسبوع بعد نشر المقطع شافه حوالي 11 مليون"، فيما لم تتوقف التعليقات، شعر ابن مدينة المالكية -شمال شرق سوريا- أن "كل العالم شافوا فرحتي وكيف استقبلت اطفالي"، ضاعف ذلك من سعادته الخاصة.
23 يومًا وآلان يُصبح ويمسي في سعادة، يجلس بين أبنائه وزوجته، يتحلقوا على مائدة واحدة، يخرج بصحبتهم، يلعب معهم، يأنس بالحديث معهم، يعوض ما حرمه منه الغياب طيلة الشهور الماضية "كنت أتواصل معاهم واتس آب فيديو بس ما كان بيكفي. كنت اشوف أطفالي لكن ما بقدر المسهم وألعب معهم. في كتير شغلات كنت حابب أعملها معهم".
قرر الأب أن يتفرغ لصحبة أولاده وزوجته "وقفت شغلي منشنان (عشان) أضل مع أطفالي شهر ولا اتنين خاصة ابني الصغير بدي يتعرف ويتعود علي أكتر". يستعيد آلان حياته السابقه وقت أن كان يُعلم بناته عن طريق اللعب معهما، لم يعرف آلان العبوس منذ قدمت أسرته، ينفلت الوقت كالنسمات في حضورهم كأن لقائهم للتو، فيما يلازمه شعور جديد منذ قدموا "حاسس أني أسعد شخص بالعالم".
فيديو قد يعجبك: