إعلان

محاربة بدرجة "رسامة".. منار تُقاوم الفقد والمرض بـ"الفن"

03:51 م السبت 26 ديسمبر 2020

منار

كتبت-رنا الجميعي:

لطالما حلمت منار عادل بتغيير العالم، وهبها الله نعمة الرسم، كان المخرج لها منذ أن كانت طفلة مُنطوية على نفسها، آمنت بأن الفن هو الطريقة التي تُريد أن يعرفها العالم بها، وهو السبيل للتعبير عن نفسها، وعبر الفن دمجت كل ما تُحبه فيه من مجالات أخرى، فهي رسامة وكاتبة ومتطوعة ومعالجة بالفن، كل التنوع ذلك سببه أنها مؤمنة بأن الفن هو خيارها للتأثير في المجتمع بشكل مختلف.

منذ صغرها كان الفن هو وسيلة منار للتعبير عن نفسها ومشكلاتها "حتى أجدادنا الفراعنة كانوا بيعبروا عن نفسهم بالفن اللي موجود في المعابد"، كانت تملك العديد من كراسات الرسم "رسوماتي كانت منقسمة يا إما لحد بيعاني ويتعذب، يا إما بعمل عالم تاني وأخترع شخصيات مختلفة لكل حاجة حواليا في الحياة"، تدريجيًا وجدت الشابة نفسها في مجالات أخرى منها التطوع التي دخلت أعتابه منذ دراستها في المرحلة الإعدادية، كذلك الكتابة "أنا كتبت روايتي الأولى وأنا عندي 16 سنة"، والتي ظهرت للنور بعد ذلك، وهي في عمر الواحد والعشرين، كما أنها قامت بالمعالجة بالفن داخل المصحات النفسية وعلاج الإدمان، والعديد من المؤسسات المجتمعية الأخرى، لإيمانها بأهمية الفن في تحسين الصحة النفسية.

1

ومن بين ما قامت به، رسم سور معهد الأورام بالمنصورة برفقة زملاء، استغرقت التجربة سنتين متقطعتين "كنت بفكر إن الأطفال المرضى اللي بيروحوا مكان وحش زي كدا، يشوف على الأقل رسمة حلوة في طريقه للمستشفى يمكن تغير فيه حاجة"، ترى منار أن ذلك أهم لديها من إقامة معرض يحوي رسوماتها ويراه المتخصصين فقط "الرسم على السور كأنه معرض دائم بيشوفه الأطفال".

2

بنفس الإيمان ذلك تعمل منار كمعالجة بالفن، تتذكر أول مرة دخلت فيها إلى إحدى المؤسسات الخاصة بالبنات مجهولات النسب "كانوا حاطين البنات في مكان لوحدهم من كتر ما هما عاملين شغب"، وحذّرها الجميع من التعامل معهم حتى شعرت بالخوف "بس بمجرد ما بدأت أتكلم معاهم وأعلمهم الرسم، سلوك البنات اتغير 360 درجة"، ترى منار السر في ذلك هو التعامل بشكل إنساني "هما بني آدمين زيهم زي أي حد، وبمجرد ما تلمسي الجانب الحساس والطفولي عند الإنسان بيتغير للأحسن".

لم ينطفئ شغف منار بالفن، رغم معاناتها جسديًا "ساعات بفني صحتي في العمل المجتمعي، وده بيأثر عليا وأقعد في البيت لفترات طويلة"، تعاني منار من مشكلات في العمود الفقري، فيما تتذكر عجز ذراعها التام لمدة شهر "اكتئبت ولما كنت أجرب أرسم بلاقي رسمي زي الأطفال"، عانت منار وقتها كثيرًا، اعتقدت أن الله سلب منها موهبة الرسم، معاناة منار الجسدية جعلتها أكثر شغفًا بالفن "كنت بهرب من المشاكل اللي بكون فيها بالرسم"، فما إن تسترد بعض صحتها حتى تشارك ثانية في مشروعات فنية لا تنتهي.

3

الفن أيضًا كان طريقتها لمواجهة الفقد والمرض، فقد لازمت منار ابنة أخيها في علاجها بمعهد الأورام، غير أنها توفت بعد ذلك، مما سبب صدمة كبيرة لها، لم تُشف من جراحها سوى برسمها على جدار المعهد ضمن رسومات أخرى امتلأ بها السور، كما أنه خلال ذلك الوقت مرضت والدتها أيضًا، ودخلت المستشفى، مما حتّم عليها مرافقتها "ومجرد ما كان ييجي زيارات لماما، كنت بنزل أرسم".

4

لم تقتصر مشروعات منار على ذلك فقط، بل إنها شاركت أيضًا كفنانة أغلفة؛ حيث انضمت لفريق عمل مجلة عالم الكتاب، المتخصصة في قضايا صناعة النشر والكتاب، وقامت بصنع أغلفتها منذ أغسطس الماضي، تحمّست الشابة للتجربة كونها مهتمة بالكتابة أيضًا بجانب الرسم، وأحبّت أن تضفي نظرة خاصة لها بالمجلة "كان هدفي إن يبقى فيه روح للمجلة"، تتناسب مع الألوان الرئيسية للمجلة المكونة من درجات البُني.

في البداية كانت خطوات بسيطة، حيث قامت برسم اسكتش بسيط للناقد المصري "على الراعي"، ثم بعدها قامت بتصميم غلاف يحمل بورتريه للكاتب "أحمد مراد"، حينها واجهت منار مشكلة؛ حيث أثار الغلاف ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بين أوساط المثقفين، وعلّق البعض على تصميم الغلاف نفسه رغم أنه لم يكن موضوع الحوار "وفيه ناس قارنت بينه وبين أغلفة سيئة فنيًا"، فكل ما تحتكم إليه الشابة هو رؤيتها الشخصية لتوظيف الفن "المهم إن التصميم يكون مريح للعين ويبقى فيه تناسق مع الألوان والعناوين، عشان ميضايقش القارئ".

5

وهو ما فعلته أيضًا في غلاف العدد الأخير من المجلة، حيث قامت برسم كاتبين؛ أحدهما رحل في سن الثمانين ،وهو كاتب القصة القصيرة سعيد الكفراوي، والآخر هي ريم بسيوني، صاحبة رواية "أولاد الناس"، واختارت وفق الرؤية التحريرية أن يكون الكفراوي بالأبيض والأسود، أما ريم بالألوان "عشان إدارة التحرير حبت تعمل الفكرة بإن جيل بيسلم جيل".

الأدب أيضًا هو جزء من اهتماماتها المتعددة؛ لذا تشعر كثيرًا بالسعادة في التجربة مع المجلة، فيما تعمل بمشروع آخر تمزج فيه الكتابة بالرسم، تحت اسم "نوتة"، وفي كل تلك التجارب المختلفة لم تنسْ إيمانها الأساسي بالفن، ودوره في تغيير المجتمع، رغم الإحباطات التي تقابلها، والكلمات التي تسمعها أحيانًا "كتير بيتقالي انتوا بتنحتوا في المية، والدنيا بايظة"، لكنها لا تتخلى عن يقينها الأبدي، مُدركة أن "الفن بيقرب المسافات، ويقصرها جدًا، ومن غير الضلمة مش هيكون فيه نور".

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان