لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"كل سنة في نفس المعاد".. "ماما نويل" العراق تُسعد أطفال المخيمات

01:38 م الأربعاء 30 ديسمبر 2020

شيماء العباسي ماما نويل العراق


كتبت- إشراق أحمد:
للعام الرابع، يحل شهر ديسمبر ومعه تبدأ شيماء العباسي رحلة لا تتوقف حتى مطلع العام الجديد. تستقل الشابة دراجتها وتنطلق بين مخيمات العراق، ترتدي رداء أحمر شبيه بالشخصيىة الخرافية لرأس السنة "بابا نويل"، تطرق أبواب الصغار، تمنحهم ما استطاعت من هدايا رمزية، لا تُحقق أحلامهم لكن الأكيد ما تعطيه لهم من مرح وابتسام يترك في نفسهم أثرًا كما يفعل معها "كل طفل بشوفه بتذكر أخي الراحل حيدر". أوقات تقتنص فيها الشابة العراقية فرحة من قلب الدمار، فيما بات في العراق أطفال تنتظر كل عام "ماما نويل".

لم تلقْ شيماء طفولة هنيئة، سكنت مدينة سنجار في محافظة نينوي –شمال العراق- نسجت الأحلام لكن سرعان ما تهدمت مع غزو العراق تارة عام 2003، وأخرى بعد انقضاض تنظيم الدولة "داعش"؛ هُجّرت الشابة الكردية مع أسرتها في أغسطس 2014 كما فعل 6 مليون عراقيًا نزحوا داخل البلاد ما بين هذا التاريخ و2017 وفق منظمة الأمم المتحدة. انتقلت الشابة إلى مخيم في مدينة أربيل التابعة لإقليم كردستان العراق بالشمال "عند النزوح تعرضنا للانتهاكات والتحرش وفتيات اتاخدت"، داخل المخيم وجدت شيماء في الورقة والقلم ونس لها "بلشت أكتب عن الواقع اللي شوفناه"، ومن ثم دخلت عالم الصحافة والإغاثة الذي معه تعرفت أكثر على أهل المخيم واحتياجات أطفاله.

1

تطوعت ابنة مدينة سنجار مع هيئة انقاذ الطفولة الدولية "save the children"، كثيرًا ما خرجت في جولات للدعم النفسي للصغار، تحكي قصص وتلعب معهم وتوزع الهدايا. تجيد شيماء التعامل مع الأطفال خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يكن الأمر غريبًا عنها كما تقول لمصراوي " أخي الصغير حيدر كان يعاني من الشلل ومتلازمة داون. كنت أوديه بالعربانة (الكرسي المتحرك) وألعبه مع الأطفال لأن في أطفال يتنمروا عليه"، كان شقيقها الذي يصغرها بنحو 7 أعوام دافعًا لها دومًا.

رحل حيدر قبل أربعة أعوام وهو في عمر 13 عامًا " كان يحتاج لعملية والوضع الصحي والمادي صعب بالمخيم"، غاصت شيماء في الحزن على شقيقها الذي ربته لكنها قررت ألا تتوقف عن إسعاد الأطفال، خاصة من هم مثل أخيها.

2

ذات يوم وبينما يقبل عام 2016 ، اقترحت شيماء على الفريق التطوعي أن تحمل جولتهم طابعًا مختلفًا "قلت لهم شنو رأيكم بما أن راس السنة قريبة ما نلبس دمية أو نعمل فاعلية بابا نويل"، لكن اشترطت الشابة أن ترتدي ملابس تليق بالنساء وتكون "ماما نويل". نالت الفكرة الإعجاب، وبالفعل ارتدت شيماء رداء ومعطف أحمر وحملت حقيبة من القماش ثم التقت الصغار.

احتضنت "ماما نويل" فرحة الأطفال وترحيبهم بها، كذلك دعوة الأهالي بتكرار مجيئهم، ومن حينها قررت شيماء "كل سنة اعمل الفقرة دي حتى لو لوحدي"، وما إن حل العام التالي حتى استمرت فاعليتها، دارت الشابة على مخيمات أربيل في البداية، لم تكن حينها تملك دراجة للتنقل، فعلت ذلك مع العام 2018 ، لتتوسع بعدها إلى الموصل، دهوك، زاخو، تكريت، ووصلت إلى كركوك بشمال العراق.

3

ممع مطلع ديسمبر تبدأ شيماء جولاتها المتقطعة، تتواجد بين المخيمات وركام المنازل وفي المراكز ونوادي ذوي الاحتياجات الخاصة، بمفردها أو بصحبة فريق من المتطوعين، المهم ألا تتخلى عن المهمة السنوية.

وما إن تصل شيماء المكان حتى يعلو صوتها بالغناء، يتبعه تشغيل الموسيقى، فهذه إشارة تواجد "ماما نويل"، يخرج الصغار إليها ويبدأ المرح "في البداية أعطيهم فقرات توعوية.. أعمل مسرحية أو اقرأ لهم قصة"، تقفز ذات الثالثة والعشرين ربيعًا مع الأطفال، تمرح وتغني كأنها في مثل عمرهم، يذوب مشهد الأنقاض التي خلفتها الحرب وسط دوي الضحكات.

4

المشهد الأخير المنتظر يكون توزيع الهدايا، توقن شيماء أن " لو عطينا الطفل وردة راح يفرح فيها"، لهذا لا تحمل هم ما تضمّه جُعبة "ماما نويل"، المهم ألا تكون حقيبتها فارغة من الحلوى والألعاب البسيطة، وفي الوقت ذاته أن تترك معنى لدى الصغار، إذ تعطي شيماء الهدايا بينما تلعب وتُجري مسابقات معهم فتكون الهدية جائزة لهم وليست منحة "حتى يحس الطفل أنه بياخد شيء بعد تعب".

لم تخلْ جولات شيماء من الصعاب؛ تعرضت لضغوط من الأهل والأقارب خاصة وأنها منفصلة عن زوجها قبل أعوام "يقولون أنت امرأة مطلقة ما يصير تتطلعين وتسوين هيك"، فضلاً عن خروجها بينما كانت الأجواء مضطربة للحرب على "داعش"، ففي الموصل القديمة تتقيد في الحركة، تدور عيناها بين الصغار"ما كنت أخليهم يتمشون بالأماكن يمكن يكون في شيء ينفجر"، ورغم هذا لم تتراجع "ماما نويل"، حتى مع تفشي "كورونا" أصرت على مواصلة جولاتها وتكون التوعية جزء من مهمتها.

أصبحت الكمامات والمعمقات تحتل جانب من حقيبة "ماما نويل"، ما إن تلتقي الأطفال حتى توزعها عليهم، ثم تتحدث إليهم عن "كورونا"، وبعدها تبدأ البهجة المعتادة مع محاولة الالتزام بالتباعد الاجتماعي كما تقول.



هذا العام حازت جولات شيماء على اهتمام إعلامي غير مسبوق داخل العراق وخارجه، وفي المقابل استقبلت تعليقات إيجابية "كتير من النساء تواصلت معي لدعمي، وكتير طلبوا يكونوا معي السنة المقبلة"، فيما تلقت رسائل أخرى سلبية تسخر مما تقوم به، لكن "ماما نويل" لم تلتفت لها، فما تلقاه بطريقها يغنيها عن أي أذى.

5

تذكر شيماء الطفلة التي التقتها قبل أعوام وتعاني من متلازمة داون، حينها كان صغار أخرين لا يقبلونها، لكن شيماء حاولت دمجها بين صحبتها "وقتها حضنتني وراحت تناديني ماما ولما رحت صارت تبكي كتير"، اكتشفت الشابة العشرينية بعدها أن الصغيرة يتيمة الوالدين بعد قتلهما على يد الإرهابيين.
كذلك لا تنسى الشابة العشرينية تلك الأم التي أخبرتها "أول مرة أشوف بنتي فرحانة هيك"، وطلبت رقمها كما يفعل العديد من الأهالي ممن يواصلون سؤالها عن مكان تواجدها وأنهم سوف ينتظرونها العام القادم.

تلك الأيام قبل نهاية العام تحقق "ماما نويل" السعادة للصغار، وبالمقابل تتزود بابتسامتهم، تجد فيهم ريح شقيقها الراحل "لما أشوف ضحكة طفل أو اساعد ذوي الاحتياجات الخاصة بالحركة دائمًا اتذكر أخي حيدر"، ولهذا تواصل شيماء جولاتها، ترافقها أمنياتها في عمل مشروع لأطفال العراق خاصة ممن يعانون التوحد ومتلازمة داون، وأيضًا نادي يدعم نساء بلادها، لا يغيب عنها هدفها "بدي أزرع الأمل والابتسام والمحبة وأخبر الجميع أن المرأة تقدر تعمل كل شيء"، فيما تقف على أعتاب تجربة جديدة والوصول إلى صغار جدد، لكن هذه المرة عبر أثير الإذاعة بـ"حكايات ماما نويل".
6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان