في زمن "الكورونا".. اللغة العربية نافذة "سعاد" الصينية للتواصل مع العالم
كتبت- دعاء الفولي:
منذ حوالي شهر ونصف، لا تغادر سعاد يونغ منزلها بالعاصمة بكين إلا نادرا، تتابع الشابة الصينية ما يجري في وطنها، فيما لم تنقطع صلتها بالعالم الخارجي، فعبر صفحة بموقع فيسبوك تتواصل مع 260 ألف مُتابع، تُحدثهم اللغة العربية وتروي لهم يومياتها، تُفند حقيقة الوضع في مدينتها وتُصحح معلومات خاطئة ارتبطت بالصين وفيروس كورونا المستجد الذي أصاب 73.335 شخص حول العالم حتى الآن، أغلبهم من الصين.
قبل عدة سنوات حصلت سعاد على درجة الليسانس من كلية اللغة العربية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، لم تكن الدراسة يسيرة، فثمة حروف في العربية دون مُعادل في النطق الصيني "لكني أحببتها وبذلت جهدا كبيرا فيها"حتى أنها سافرت سوريا ودرست اللغة العربية بدمشق لمدة عام، تضحك سعاد قائلة إن اسمها العربي جاء لأن الطُلاب في صفها اعتادوا اختيار أسماء عربية لينادوا بعضهم بها خلال التواصل "اسمي الصيني هو شين هوا ويعني السعادة، لذا كان المقابل في لغتكم سعاد".
انفتاح الصين على الدول العربية هو ما دفع سعاد لدراسة اللغة، ثم العمل في مجموعة الصين للإعلام، إذ "أعمل كصحفية وإعلامية ومقدمة إذاعية باللغة العربية، وأسعى إلى تقديم مستمعينا بمختلف الدول العربية بالعالم ما يتعلق بالصين وثقافتها وتقاليد مواطنيها"، كان ذلك هو هدف صفحتها "كثير من الناس لا يعرفون عنّا سوى الكونغ فو والباندا وسور الصين العظيم".
سبتمبر الماضي، أطلقت الإعلامية الشابة صفحتها "سعاد من الصين"، طافت فيها مع المتابعين على مزارات وأماكن مختلفة في وطنها "كانت ردود أفعالهم تُسعدني وتساعدني على الاستمرار"، لكن عدد المهتمين بمحتوى الصفحة تضاعف حينما نشرت مقطع مصور تحكي فيه أسباب تعلمها اللغة العربية "شعر الناس أن بيننا قواسم مشتركة رغم اختلاف اللغات والثقافة"، حتى أنها أنشأت قناة عبر يوتيوب تُعطي فيها بعض مبادئ اللغة العربية للصينيين الراغبين في التعلم، كانت المنصة التي أطلقتها سعاد التعريف بوطنها، غير أن دور صفحتها تغير عقب وصول الكورونا.
لم تستطع سعاد تفادي الخوف من الفيروس كالآخرين "لكن في الصين مر علينا ظروف شبيهة في فيروس سارس الذي استشرى عام 2003"، تعترف الإعلامية أن الأمر أسوأ كثيرا تلك المرة، تمتن أن أحدا من أقاربها أو عائلتها لم يُصب بالفيروس "لأننا نلتزم بيوتنا تماما في بكين.. لا نخرج إلا للضرورة القصوى".
تمر الأيام ببطء على سعاد أحيانا، لا يُهونها إلا التواصل مع متابعي الصفحة "سألني العديد منهم كيف الحال في الصين. كما هناك عدة الشائعات بشأن الوباء والوضع الصيني. فبدأت إعداد الفيديوهات لعرضهم ما هو الوضع الحقيقي عندنا"، تفعل ذلك بصور مختلفة، فتارة تُسجل فيديو تشرح فيه كيف تقضي يومها في عيد الربيع داخل المنزل، وهي التي اعتادت قضائه مع أصدقائها، وأخرى تصطحب هاتفها المحمول لأحد المراكز التجارية التي دبت فيها الحركة قليلا لتقول إن الحياة ليست متوقفة تماما كما يعتقد الناس.
قبل أسبوع، عادت سعاد لعملها لكن من داخل المنزل، وبالتزامن وضعت خطة لقضاء يومها بين الصفحة وحياتها الشخصية "أمارس الرياضة بصورة مستمرة داخل المنزل لتقليل الملل وتعزيز الجهاز المناعي لأن كورونا يهاجمه عند الإنسان"، المنصة باتت منزل سعاد الثاني "وهو منزل يضم جنسيات مختلفة من العالم"، كوّنت الشابة صداقات عديدة، بعضها مع باحثين عرب مقيمين بمدينة ووهان.
"نطمئن على بعضنا بصورة مستمرة"، تُجري سعاد أحيانا مكالمات مُطولة معهم وتنقلها للمتابعين "كي أخفف حدة التوتر السائد المتعلق بالحياة في ووهان"، فرغم كونها معقل المرض "إلا أن الناس هناك يتم متابعتهم جيدا من الجهات الحكومية"، سواء من الناحية المادية أو النفسية، حتى أن "شادي" أحد أصدقائها الفلسطينيين، رفض مغادرة ووهان مرتين "لأنه يراها مدينة جميلة ويثق أنها ستتخطى الأزمة".
ثمة تفاصيل أخرى تهتم سعاد بتوصيلها عبر الصفحة "المغالطات التي قيلت عن طبيعة الأكل لدينا"، ففكرة انتشار الخفافيش أو الثعابين كطعام أوغيرها من الحيوانات الغريبة ليست صحيحة، وإنما يقوم بها البعض على سبيل التجربة "بل يتم مقابلة تلك التجارب بانتقادات شديدة عندنا وهناك القوانين الصينية المتعلقة بحماية الحيوانات النادرة. وفي الحقيقة، لم يؤكد العلماء والخبراء في المجال الصحي على أصل ظهور الوباء بعد"، حسب قولها.
مازالت أزمة "كورونا" مستمرة، أعداد المصابين في ازدياد، لكن رسائل إيجابية كثيرة تتلقاها سعاد تُبهجها "متابعون من كل العالم يُرسلون صورا للتضامن معنا في الداخل"، يخبرونها أن "الصين ستمر بسلام من تلك المأساة"، في المقابل، لم تفكر سعاد في الخروج من بكين، رغم إتاحة الفرصة أكثر من مرة "هذا بلدي ووطني وبيتي هنا، وعملي هنا.. لا أريد الهرب في ظل تلك الظروف".
فيديو قد يعجبك: