«شريف وولاء».. حكاية «حب في صيدلية الحجر الصحي»
كتابة وتصوير- عبدالله عويس:
جمعهما الحب غير مرة، في السراء حيناً والضراء أحياناً، وعزاؤهما بين هذا وذاك أنهما معاً، كتفاً بكتف ومحبة بأخرى. وحين ظنّ الصيدلي «شريف النشار » الذي ذهب للعمل بمقر الحجر الصحي للمصريين العائدين من مدينة ووهان الصينية، موطن فيروس كورونا المستجد، أن عيد الحب الأول له ولخطيبته «ولاء»، سيمر دون هدايا أو لقاء، إذا بالحب يجمعهما من جديد، ولم يخل الأمر من طرافة وتعجب، إذ قدمت هي الأخرى للعمل في الصيدلية نفسها، بأول مقر مخصص للحجر الصحي بمصر، في ذكرى يؤمن كلاهما أنها لن تنسى.
خلال عمله بصيدلية مستشفى الصدر بمطروح، تعرف شريف على ولاء، وكان الحب يسري بينهما، حتى صارح كلاهما الآخر بما في صدره، فخطبها من أبيها، وكان في انتظار العرس الذي حدد له مطلع أبريل القادم، ولم يكن على معرفة بأنه سيكون ضمن الفريق الطبي الموجود بمقر الحجر الصحي للمصريين العائدين من الصين، بأحد فنادق محافظة مطروح، لكنه لم يتردد وانطلق إلى هناك بعد أن أخبر خطيبته، التي أصرت على الرفض، إلا إذا كانا معا: «عشان لو حصله حاجة نبقى مع بعض» تحكي ولاء ناصف وهي تجلس رفقة خطيبها داخل مقر الحجر الصحي، قبل دقائق من خروجهما منه عقب انقضاء الـ14 يوما التي فُرضت على العائدين: «لما راح كنت بسمع شائعات كتير، وكنت طول الوقت قلقانة، وأقوله لازم تتصرف وتجيبني عندك الحجر عشان أبقى مطمنة عليك».
لم يكن الأمر بيد شريف، وكان يخبر ولاء بذلك، لكنها لم تتوقف عن طلبها، حتى أخبره القائمون على الحجر أنهم في حاجة إلى صيدلي آخر، فشريف وحده لن يستطيع متابعة احتياجات كافّة المحتجزين، لينتهز الفرصة ويطلب ضم ولاء إلى المكان، وسرعان ما قدمت لاستلام العمل، لكنها لم تكن تعرف أن ضغط العمل بذلك الشكل: «الموضوع كان صعب، بنشتغل ونبدل مع بعض، وطول الوقت في شغل» تحكي الشابة وإلى جوارها خطيبها، الذي كان يسرق من وقته بضع دقائق ليتناجيا سويا، وليتحدثا في أي أمر بعيدا عن أجواء الحجر: «كنت أنا الصيدلي الوحيد اللي موجود مع الطقم، ومن خوفها عليا صممت تيجي ووجودها الحقيقة كان مطمني، وكنا بنستغل وقت الغداء مثلا للكلام» قالها شريف وهو يسترجع تفاصيل الـ14 يوما التي قضاها داخل مقر الحجر الصحي، حين خصصت له غرفة بها أدوية عليه أن يقوم على أمرها: «أنا وولاء مكتوب كتابنا وفاضل لنا شهر على زواجنا، وقضينا 10 أيام مع بعض في الحجر».
ما باليد حيلة، واللفظ الحسن لن يفي أن يكون هدية، وعيد الحب الأول لهما على بعد أيام، وسيكونان داخل الحجر الصحي، منهمكين في العمل، ليقرر شريف أن يبحث عن هدية داخل المكان تلائم ذلك الموقف، ليفاجئ ولاء ببالونتين صباح عيد الحب، وهي هدية لم تكن تتوقعها الشابة: «أنا بصراحة خدت البالونتين من ولد صغير هنا، لإني مش هعرف أطلع برة أجيبلها حاجة». ترى ولاء أن البالونتين من أجمل الهدايا، لارتباطهما بذلك الظرف الذي جمعهما، ولم تكن تتصور من الأساس أن يفاجئها شريف بأي شيء في ذلك اليوم: «لإنه كان طول الوقت مشغول».
بين اللحظة والأخرى، يتبادل الاثنان عبارات الحب، يسرقان من وقتيهما بضع ثوانٍ للحديث قبل الانهماك في العمل وتفاصيله مرة أخرى، إما بمتابعة من يرغب من العائدين من ووهان بمواعيد أدوية، أو إعطاء الحقن، أو صرف الأدوية التي يقررها الأطباء لمن يطرأ عليه أي إعياء: «اللي عنده برد واللي عندهم أمراض مزمنة كل دول ليهم أدوية فكنا بنصرفها ونتابع معاهم، وكان في ضغط شغل شديد». هذا الضغط تحديدا، كان له أثر في معرفة كلاهما بالآخر أشد المعرفة، تيقنت ولاء من سرعة انفعال شريف لكنها عرفت أيضا تحمّله المسؤولية، وكان ذلك مبهجا لها: «كنت بقوله ده أنا هنا عشان أهدّيك، لكنه كان شايل الموضوع على أعصابه جدا» قبل أن يخبرها هو الآخر بما اكتشف فيها من صفات، على رأسها الخوف والقلق الشديدين، فتخبره سريعا: «يا حبيبي عشان خايفة عليك».
يعرف مَن في الحجر الصحي، قصة الاثنين، يتحدثون معهما كثيرا عن الحب، وعن تلك الظروف التي لن ينساها الاثنان. ويرى شريف وولاء أن تلك الفترة رغم صعوبتها إلا أنهما فخوران بالمشاركة في ذلك الحجر الصحي، الذي بانقضائه عاد 302 من المصريين العائدين من مدينة ووهان الصينية إلى منازلهم، ثم جمعا أغراضهما وغادرا المكان بعد خروج المرضى والأطباء والأطقم المرافقة لمن كانوا بالحجر.
كانت البالونتان في يد ولاء وهي تغادر المكان، تنظر إليه نظرة أخيرة قبل الرحيل، تخبر خطيبها أن الفترة التي انقضت رغم صعوبتها إلا أنها تبقى من أجمل الأوقات التي مرا بها فيوافقها الحديث قبل أن ينصرفا.
فيديو قد يعجبك: