"إجازة إجبارية".. كيف يكَسر مصريان عزلتهما في الصين
كتب- محمد مهدي:
تجربة قاسة يخوضها يوميًا من يعيش داخل أنحاء الصين، خاصة مع التطورات السريعة لانتشار فيروس "كورونا" وارتفاع حصيلة الوفيات لما يزيد عن 700 شخص، وتحذير السلطات الحكومية للمواطنين من مغادرة منازلهم، لكن الحياة تستمر في النهاية الأمر، يحاول البعض التأقلم مع الأوضاع، وكسر حالة الملل خلال عزلتهم في بيوتهم "اليوم كدا كدا هيعدي، فلازم نستغله بدل ما يضيع بدون فايدة" يقولها الدكتور أحمد سابق، مصري مقيم في "ووهان" الصينية.
في الأيام الأولى للأزمة، حينما فُرض الحجر الصحي على مدينة ووهان التزم "سابق" بيته رفقة زوجته وطفلتيه، قبل أن يتلقى إشارة من السفارة المصرية بالذهاب إلى المطار للعودة إلى مصر على طائرة خاصة، بناء على تعليمات من الرئاسة المصرية، لكن لم يحالفه الحظ في إتمام الخطوة "في المطار اكتشفوا إن درجة حرارتي عالية، أسرتي سافرت وأنا رجعت ووهان" كانت صدمة لكن تخطاها سريعًا وبات عليه التعامل مع الأمر الواقع "بما إني لوحدي، كان لازم الوقت يعدي بدون ما أسيب نفسي للوضع حوليا".
هدوء تام في جنبات جامعة هوازهونج الزراعية، التي يعيش "سابق" في أحد المنازل بها، الحركة معدومة، الثلوج في الخارج لم تطأ عليها أقدام، لكن الطبيب الذي وفد إلى الصين كأستاذ للطلبة يحافظ على حياة صاخبة في بيته "محدش هنا بيضيع وقت، عشان كدا الدراسة مكملة أونلاين رغم الأزمة" يتواصل على مدار اليوم مع زملائه من الأساتذة، يتلقى عشرات من رسائل التخرج للطلبة من أجل مراجعتها، يُجري اتصالات معهم لإبداء الملاحظات والتعديلات اللازمة "ودا بيأخد وقت كبير من اليوم".
يغرق "سابق" الذي قَدم إلى ووهان منذ سنوات، في عمله خلال ساعات اليوم، فضلًا عن تركيزه في أبحاثه الشخصية "بستغل الوقت وبشتغل عليها عشان أنجزها وأنشرها في أقرب وقت" يتابع من حين لآخر الجديد عن فيروس "كورونا" وما يدور في المدينة والصين بأكملها "لكن تركيزي في شغلي بياخدني بعيد عن الأخبار والتفكير في موضوع الفيروس" وكلما شعر بالضيق لجأ إلى قراءة القرآن الكريم حتى يهدأ ويستريح قلبه.
لا يقضي الرجل الثلاثيني كافة الوقت أمام الأبحاث ورسائل الدكتوراة فقط، إذ يُخصص ساعات من اليوم للتواصل مع أسرته التي عادت إلى مصر في الحجر الصحي بمطروح "بتواصل معاهم وبطمن عليها ونتكلم كأننا مع بعض" وأيضًا ينشغل بقراءة الروايات "الفترة الحالية بقرأ رواية (يوتوبيا) للدكتور أحمد خالد توفيق" أو مشاهدة القنوات الرياضية أو "ناشيونال جيوجرافيك" يستمتع بما تقدمه من أفلام وثائقية عن الحيوانات والطبيعة والعلوم.
في بكين لم تعد بسمة مصطفى- طالبة مصرية- قادرة على شراء طعام من المحلات المجاورة لسكنها نظرًا للإجراءات الاحترازية التي طبقتها الصين قلقا من انتشار فيروس "كورونا" لذلك باتت تستغل عدد من الساعات في المطبخ "بقيت مهتمة أطبع لنفسي أكل صحي، دا بيأخد وقت وبيخليني أتحرك كتير وبيحسن النفسية" هي خطوة تساعدها على تمرير الوقت لحين انتهاء الأزمة التي طفت على السطح منذ أسبوعين.
تعتقد "مصطفى" أن الخطأ الأكبر خلال الوضع الحالي هو التوقف عن استمرار الحياة، من أجل ذلك تبذل قصارى جهدها خلال عملية البحث عن مواد جديدة "في البحث اللي بعمله في الجامعة" إذ تعمل على تحليل أسلوب السرد في واحدة من الروايات المصرية "رغم الحبسة في البيت بحس إني بنجز حاجات مش قليلة" بينما تَكسر ملل اليوم أيضًا في الاتصال بذويها فضلًا عن المحادثات اليومية مع المصريين الذين بقوا في الصين "بنعتبر نفسنا ونس لبعض وسط اللي بيحصل".
اعتادت الشابة العشرينية من مزاولة عدد من التمارين الرياضية يوميًا "لأني بتعلم باليه، فيه حاجات كنا لازم نعملها قبل الدروس اللي بأخدها" لكن مع توقف الحياة في بكين وعدم تمكنها من استكمال دروس البالية "بقيت بعمل على الأقل التمارين الرياضية في البيت" كمحاولة منها للحفاظ على لياقتها للاندماج مرة أخرى في الدروس بسهولة، فيما تتمنى أن تعود الحياة من جديدة لسابق عهدها وأن تحرك الصين من كبوتها.
تلك التجربة النادرة التي لن تتكرر دفعت "مصطفى" إلى تدوين تلك المواقف والأحداث في أوراقها الشخصية "بكتب ما يشبه الخواطر والمذكرات للي بيحصل" تحرص دائمًا على ذلك كونها تُحب الكتابة لكن تلك الفترة خاصة ولا يمكن تفويتها دون توثيق بقلمها "الكتابة مع باقي التفاصيل بتخلي اليوم يعدي بسرعة، وبتفرغ الطاقة اللي جوايا، لحد ما الأمور تتحسن وترجع تاني زي الأول".
فيديو قد يعجبك: