الحياة من خلف الزجاج.. كيف تعامل المصريون مع "كورونا" في لبنان؟
كتبت- شروق غنيم:
صار العبء مضاعفًا، فبينما ينشغل عقل مصطفى إمام –اسم مستعار- بكيفية وقاية نفسه من الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد19) في لبنان حيث يعمل طباخا مُحترفا، يلتهم القلق قلبه على أسرته في مصر بعدما أصيبت 60 حالة بالفيروس في بلدته الأم.يطرد عن نفسه المخاوف بالتواصل يوميًا مع عائلته فيما يقطع الوصال بينه والزبائن في المطعم.
على مقربة من مناطق حيوية يقع مطعم الطباخ الأربعيني في بيروت، عشر دقائق سيرًا على الأقدام تجعله أمام مستشفى رفيق الحريري الجامعي التي تستقبل الحالات المصابة بالفيروس، بينما يبعد خطوات عن إحدى المحاكم الهامة، يوميًا يمر العشرات من أمام محال عمله، تغطي أفواههم الكمامة لدخول مصالح حكومية كُبرى مزدحمة، لكنه يرى أن الأمر يسري أيضًا على مكان رزقه رغم صِغره "لإنه بيورد علينا جنسيات مختلفة عشان ياكلوا"، يعلم أنه ورفاقه في مهّب كورونا.
في البدء لم يشعر "الشيف" المصري بتوتر لكن مع تزايد أعداد المصابين بالفيروس في لبنان، انتشاره في قرابة 91 دولة ومنطقة -بحسب جامعةJohns Hopkins- صار يفكر في كيفية وقاية نفسه من كورونا، بحث على المواقع الإخبارية وعلم أن الكمامة لن تحميه "لإني حتى لو لبستها لو زبون عنده الفيروس ولمس المكان أنا هتعدي برضو"، بات يهتم بغسل يديه، لا يلمس وجهه مُطلقًا، وهي التفاصيل الأساسية في مهام عمله "بس بقيت أركز فيها زيادة عن اللزوم"، غير أنه قرر تغيير معاملته مع المُحيطين.
اعتاد إمام على توطيد علاقته بالزبائن القادمين، لا يضع حائلًا بينه ووجودهم داخل المطعم "مبحبش أحس إني عشان شيف محبوس جوه المطبخ وبس"، يعرف صاحب المكان ذلك فيسمح له بالخروج من وقت لآخر للتحدث مع الموجودين عن رأيهم فيما يُقدمه، وطدت تلك الطريقة علاقته بالقادمين لكنه غير كل ذلك مع انتشار كورونا في لبنان والتي يأتي ترتيبها السادس بين الدول العربية التي يوجد بها الفيروس، صار يطل على الزبائن من خلف الزجاج "مبقيتش بختلط بيهم خالص، حتى اللي بقينا صحاب ببص أسلم عليهم وأعمل نفسي مشغول"، لا يخشى الرجل الأربعيني من أن يُسبب ذلك ضيق لرفاقه "لإنه ممكن هو كمان يبقى واخد نفس القرار عشان يحافظ على صحته".
يقضي الطباخ المصري طيلة اليوم في العمل، تسيطر هواجس الإصابة بكورونا عليه خلال تلك الفترة، ومع حلول عصر اليوم يأخذ قسطًا من الراحة لقرابة خمس ساعات، باتت فترة الراحة لا تخلو من الحديث عن الفيروس المستجد بينه وأصدقائه، تكشف إحدى صديقاتهم الممرضة عن شعورها الإنساني بالخوف من انتقال المرض لها، فيما يذكر أحدهم صهره الذي عاد من إيطاليا بالفيروس ويوجد حاليًا في الحجر الصحي، يقطع حديثهم الإعلان على شاشات التلفزيون من وزارة الصحة العامة، التي تناشد جميع الوافدين من الدول التي تشهد انتشارا محليًا للفيروس بضرورة "التقيد التام بتدابير العزل المنزلي، وعند ظهور أي عوارض الاتصال على الرقم 76592699.
خريطة بعدد إصابات كورونا في الوطن العربي حتى الأربعاء 11 مارس:
لا تخلو تلك الجلسات من وجود لهجات مختلفة تُعبر عن مخاوفها من الفيروس، وبلكنة لبنانية يتحدث المصري حسين عُمر-اسم مستعار- عن استياؤه من عدم تواصل السفارة المصرية معهم للاطمئنان عليهم أو تزويدهم بأي معلومات استرشادية.
قبل 14 عامًا سافر صاحب الـ36 عامًا إلى لبنان من أجل العمل غير أنه استقر في البلد العربي واتخذه موطنه، تزوج من لبنانية وأنجب طفلين، نقل حياته كلها إلى لبنان ولم يعد إلى مصر من وقتها، في تلك الفترة صارت اللهجة اللبنانية تجري على لسانه بشكل رئيس، فيما التحق ابنيه بالمدارس هناك، وحينما تفشّى الفيروس هناك قبيل موطنه الأم "ما كنت بعرف كيف اتصرف، وهل أرجّع الولاد على مصر ولا شو"، غير أن مع وصول الفيروس إلى مصر "مو فارقة كتير، المهم بناخد حذرنا".
طمأن عمر صغاره، لكنه اتخذ قرارات أساسية مثل شراء مُعقم لليدين وكمامات لابنائه لارتدائها حال الخروج من المنزل، وفي الوقت الذي علّقت فيه الحكومة اللبنانية الدراسة بالمدارس والجامعات حتى الخامس عشر من مارس الجاري "الولاد بدهم ينزلوا يلعبوا كيف ما بدهم، لكن أنا منعتهم عن ده كمان".
رغم كل تلك الإجراءات يدّق هاجس في نفس الأب الثلاثيني "إني بطلع يوميًا برات البيت للشغل وممكن أنا اللي أجيب لهم الفيروس لحد عندهم"، لذا زاد من إجراءات الوقاية خلال عمله، قلل المعاملات والترحيب قدر الإمكان "لإني ما بقدر أقعد من الشغل، لو ده حصل بينخرب بيتي".
ارتباك حّل على إمام، إذ يعيش في بلد بعيد عن ابنائه "نفسي أبقى جمبهم دلوقتي عشان أخد بالي منهم"، وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الأحداث وأوقفت لبنان الدراسة اتخذ قرارًا ذاتيًا لحماية ابناؤه الثلاث الذين يدرسوا جميعًا في مراحل تعليمية مختلفة، ثانوي، إعدادي وابتدائي "قولت لزوجتي متخليهمش يروحوا المدارس"، رغم عدم صدور قرار رسمي مماثل "لإني مش قادر أسيطر على خوفي عليهم".
يعيش الرجل الأربعيني في سكن جماعي ببيروت مع أربعة آخرين، يرافقه شقيق زوجته الذي قرر العودة إلى مصر في إجازة سريعة "قلقي كان زايد عليه عشان هيروح المطار، بس اشتريت له كمامة وجوانتي بلاستيك"، فيما بات يُعيد عليه النصائح الضرورية "إنه ميلمسش أي حاجة في المطار بإيده مباشرة"، فيما لم يسلم الموقف رغم حالة القلق من الهزار "عشان أخفف عليه قولتله أنا هقول لمراتك متسلمش عليك إلا بعد 14 يوم".
سيناريوهات عدة تزور عقل إمام، يخشى من دوام الأزمة أو تأثيرها على الاقتصاد اللبناني، لاسيما حينما يقرأ عن تحذيرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من تداعيات تفشي الفيروس على النمو الاقتصادي العالمي هذا العام " خصوصًا إني متشحطط برة بلدي من 17 سنة عشان أوفر عيشة أفضل لولادي".
يشارك الطباخ المصري ما يساوره رفقة أصدقائه فيهونون عليه الأوضاع، يزيد من اتصالاته بعائلته في مصر ليُعيد عليهم التعليمات اللازمة، فيما يلتمس العُزلة قدر الإمكان في لبنان مثلما فعل عمر مع ابناؤه "لحد ما ربنا يعدي الأزمة دي على خير".
فيديو قد يعجبك: