الطقس السيئ يُصيب "الحي الراقي" بالشلل.. لماذا يتكرر "غرق" التجمع الخامس؟
كتب- أحمد شعبان:
ضربت مصر موجة من الطقس السيئ، الخميس الماضي، مع أمطار غزيرة، خلفت تراكمات كبيرة من المياه في الشوارع، امتلأت الأدوار الأرضية والبدرومات بالمياه، وارتفع منسوب مياه الأمطار ليغرق السيارات في الشوارع، وانقطعت الكهرباء والمياه في أحياء عديدة ومناطق متفرّقة بمختلف محافظات مصر، وبينها التجمع الخامس، في القاهرة الجديدة، حيث أحياء و"كومباوندات" تمتد على مساحة 70 ألف فدان، توصف بأنها من أهم الأحياء الراقية في القاهرة، تحظى بأسعار مرتفعة للأراضي والعقارات، عمرها لا يتجاوز الـ20 عاماً، تتصدر قائمة الجيل الثالث من المدن، ورغم ذلك كان لها نصيبٌ كبير من "الغرق" والإرباك وتعطيل الحياة جراء سقوط الأمطار بشدّة.
طوال ساعات سقوط الأمطار، ظلّت "داليا خلف"، أحد سكان التجمع الخامس، تكسح المياه عن شقتها "كل شوية اطلع ألم ميه في البلكونة"، تابعت السيدة الثلاثينية أخبار الطقس وتحذيرات المسئولين واستعدّت جيداً، اتخذت قرارها بعدم مغادرة المنزل لأي سبب، وتفرّغت لمهمة الحفاظ على منزلها من تبعات سقوط الامطار بغزارة، فيما تشير إلى الشوارع التي ارتفع فيها منسوب المياه، حتى غمرت السيارات "فيه عربية غرقت، فناس جريت تنقذ اللي فيها"، وقد كان، فيما تركوا السيارة عالقة في الطريق، وفق ما تذكر.
مشاهد الخميس الماضي، أعادت إلى ذهن "داليا" ما جرى في إبريل 2018 بمنطقة التجمع الخامس "نفس اللي حصل وقتها شفناها المرة دي وأكتر"، ولا تتوقف عن السؤال: "الموضوع بيحصل بالشكل ده بقالنا سنين، إزاي جهاز المدينة ما استعدش كويس طوال الفترة دي لأي أمطار؟!"، فيما تذكر أنها وغيرها من سكان "كومباوندات" التجمع الخامس توجهوا إلى مقر رئاسة الحي لكن دون جدوى "مفيش حد بيرد علينا، بيقولوا دي مشكلة صرف هنعملكم إيه"، على حد قولها.
تُبدي "داليا" استغرابها من عدم وجود بنية تحتية جيدة، في منطقة دفع قاطنوها مبالغ طائلة للسكن فيها "احنا دافعين ملايين عشان نبعد أي أزمات كنا بنشوفها في مناطق تانية، لكن برضه غرقنا في مية المطر، ومكنش فيه عربية شفط واحدة مع كل اللي حصل وناس أصدقائي على الجروب كانوا بيدوروا على عربية شفط خاصة تنزح الميه"، تقول بغضب.
أسباب "غرق" الحي الراقي في مياه الأمطار يُرجعها المهندس عادل الكاشف استشاري الطرق إلى عدم وجود شبكة لتصريف الأمطار مطابقة للمعايير الهندسية، عند تأسيس المدن والأحياء الجديدة "بالقطع هناك خطأ ما، لأن الموضوع متكرر، ومسألة تصريف مياه الأمطار لم تكن في الحسبان"، كذلك فإنه لم تراعى مناسيب الطرق أو الطبيعة الجغرافية الخاصة لمنطقة التجمع، التي تضم 3 مخرّات للسيول، التي كان يجب تجنب البناء عليها، فضلاً عن غياب الصيانة بشكل دوري لشبكات الصرف الصحي وغيرها من أعمال البنية الأساسية، وفق "الكاشف".
يعدد استشاري الطرق 4 اشتراطات ضرورية كان يجب الالتزام بها عند تأسيس المدن الجديدة، أولها أن يكون التصميم صحيحاً ومراعياً للطبيعة الجغرافية للمكان، وأن تكون هناك مواصفات مطابقة لأكواد البناء ويتم تطبيقها، فضلاً عن جودة المواد المستخدمة في عمليات الإنشاء، والأهم –بحسب الكاشف- هو وجود إدارة لمراقبة الجودة، وأخيراً الإشراف على التنفيذ "وده بنفتقده إلى حد كبير، مع انعدام الكفاءات البشرية المشرفة على التنفيذ، وللأسف مدن الجيل الثالث اللي منها التجمع اللي معمولة من سنين قريبة غير جاهزة لأي طاريء"، يذكر "الكاشف".
بحسب بيان أعدّته هيئة الرقابة الإدارية، عقب "غرق" القاهرة الجديدة في إبريل 2018، فإن الأسباب الفنّية والموضوعية التي أدّت إلى وقوع الأزمة، هي عدم وجود شبكة لتصريف الأمطار مطابقة للمعايير الهندسية، حيث إن سقوط الأمطار بكثافة فاقت القدرة الاستيعابية لمحطات الرفع، وما تلاها بارتفاع منسوب المياه بعدد من محطات الرفع، أدى لارتدادها وإحداث تجمعات مائية كبيرة أخذت طريقها لمحطة محولات كهرباء الحي الرابع بالقاهرة الجديدة فانقطع التيار الكهربي، وتوقفت معه بعض محطات الرفع بالمدينة لفترات طويلة تصل لعدة ساعات وأسفرت عن خلل جسيم بنظام الصرف فى القاهرة الجديدة برمتها.
وتسبب في الأزمة التي حدثت أبريل الماضي، وفق تقرير الرقابة الإدارية "انعدام الحرفية والمهنية فى إدارة الأزمة عقب حدوثها وغياب التنسيق بين وزارات الإسكان والكهرباء والنقل ومحافظة القاهرة للاستفادة من قدرات كل منهم، وإمكاناتهم لتلافى الآثار التى نجمت عن ذلك"، كما أحالت الوقائع إلى السيد المستشار النائب العام لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية تضع الأمور فى نصابها لمحاسبة كل من أخطأ أو أهمل مع النظر في تدارك كل السلبيات السابقة بإجراءات قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل للحيلولة دون تكرار ما حدث بأي صورة من الصور، وفق ما جاء، وقتها، في تقرير "الرقابة الإدارية".
في مدينة الرحاب، تحوّل يوم "خالد إمام"، إلى سيناريو سيء، منذ ظهر الخميس الماضي، غمرت المياه شقّته، التي يقيم فيها مع زوجته، لم يدري ماذا يفعل خاصة وأنه بمرور الوقت كانت تزيد غزارة مياه الأمطار "مكنش فيه قدامي غير الجرادل والمساحات، حاولت أشيل الميه على قد ما أقدر، لكن برضه الشقة غرقت"، يقولها بأسى.
يقطن خالد، 29 عاماً، في مدينة الرحاب منذ عام، أختار أن يقطن في المدينة الهادئة بعد زواجه "لكن حاسس إن شقا عمري اللي اشتريت بيه الشقة راح"، حاول الشاب التواصل مع المسئولين في جهاز المدينة، لكن "كله بيتنصل من المسئولية، وأنا مش عارف أروح فين أو أعمل إيه، مين يصدق البهدلة اللي شفناها"، بحسب ما يقول.
ينصح المهندس عماد عبد العظيم استشاري الطرق، بأهمية ان يكون هناك مشروع شامل لتصريف مياه الأمطار في القاهرة الجديدة، يراعي تضاريس الأرض في الحي الراقي، فيما يرى الدكتور خالد الذهبي رئيس مجلس إدارة المركز القومي لبحوث الإسكان، أنه من الصعب حدوث ذلك، بسبب التكاليف الكبيرة اللازمة لإنشاء شبكات تصريف مياه الأمطار، مضيفاً أن مصمموا بعض المدن الجديدة اختاروا لتلافي الأزمات التي تسببها سقوط الأمطار بغزارة، طرقاً أخرى لمواجهة المشكلة "فيه مشكلة في عدم الالتزام بأكواد البناء وشبكات البنية التحتية لم تتخذ في الاعتبار"، بحسب الدكتور خالد الذهبي رئيس مجلس إدارة المركز القومي لبحوث الإسكان "المشكلة بتكون في نقطتين أو تلاتة فيهم مشاكل وبيتحددوا بحيث تتحل كل منطقة لوحدها لكن الحل الشامل بيبقى صعب إننا نحفر ونعملها من الأول لأنها هتكلف مئات الملايين من الجنيهات"، بحسب ما يقول.
فيديو قد يعجبك: