إعلان

بين الفشل الكلوي والسرطان.. يوميات أصحاب المناعة الضعيفة بعد فيروس "كورونا"

08:39 م الإثنين 23 مارس 2020

صورة أرشيفية

كتبت-دعاء الفولي:

مازال الخروج للشارع يؤرق نفس محمود الخطيب، يتحسس صاحب الـ38 عاما خطواته، لا ينزع عنه القفازات الطبية إلا بعد وصوله وحدة الغسيل الكلوي، يتبع التعليمات ما استطاع "وبسيب الباقي على ربنا"، يعلم أنه لولا الجلسات ما ترك منزله خوفا من التقاط أي عدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فمناعته ضعيفة بالفعل.

قبل خمس سنوات اُصيب الخطيب بالفشل الكلوي "وقعت فجأة في الشغل"، كان عاملا بأحد مصانع الحديد والصلب بحلوان، تم نقله للمستشفى ليمكث بالعناية المركزة 45 يوما "كنت بموت.."، وحينما عاد له وعيه أخبره الأطباء أنه سيضطر لغسيل كليته 3 مرات أسبوعيا "ومن وقتها وانا عايش على كدة".

صورة1

مطلع العام الجاري استشرى فيروس كورونا المستجد من مدينة ووهان الصينية، ليصيب ما يزيد عن 300 ألف شخصا حول العالم، منهم 327 مواطنا داخل مصر، ما جعل الحكومة المصرية تتخذ عدة إجراءات للحد من انتشاره، وتوعية المواطنين بشكل أكبر للالتزام بمنازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة.

Untitled

رحلة الخطيب مع الفشل الكلوي جعلته عالما بمرضه المزمن، لم يكن القاطن بمنطقة حلوان يخرج إلا قليلا "انا مبقدرش أستحمل أي حاجة"، رحلة الخطيب من المنزل للوحدة مُرهقة، يستقل "توكتوك" لحوالي 4 كيلو ذهابا ومثلهم إيابا بطرق متعرجة، بينما لا يستطيع استقلال أي مواصلات أخرى "بخاف أركب ميكروباص حد يخبط فيا".

قبل أكثر من شهر، لاحظ الخطيب تغيرا في أجواء وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى التبين "هما طول الوقت بيعقموا المكان بس بقى فيه اهتمام أكتر"، زرع ذلك الطمأنينة في قلبه، بينما يمده العاملون في الوحدة بنصائح لتقوية مناعته، فحسب منظمة الصحة العالمية، يؤثر "كوفيد 19" بصورة أسوأ على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

حينما أنهت سلمى فتحي جلسات العلاج الإشعاعي، باتت تُعاني من ضيق في التنفس أحيانا وصعوبة في البلع "ولما حصل موضوع كورونا بقى كل نفس خارج مني يخوفني.. مش عارفة انا اتعديت ولا دا بس أثر العلاج".

صورة2

قبل حوالي عام اُصيبت السيدة الأربعينة بسرطان الثدي، تعين عليها الخضوع لـ33 جلسة علاج كيماوي وإشعاعي، ورغم انتهاء الجلسات قبل 6 أشهر "لكن أثر العلاج لسة مخلي مناعتي ضعيفة". وما أن انتشرت أنباء ظهور فيروس كورونا في مصر سارعت سلمى لأخذ احتياطاتها.

المطهرات أصبحت جزء من حياة السيدة التي مازالت تتعافى، تخاف أن يصيبها وسواس النظافة "لدرجة إني حطيت قدام باب الشقة صاج كبير وجواه مياه وكلور عشان اللي داخل ينقع رجله فيه"، لا يتعلق الأمر بالتنظيف فقط، فبعض آثار العلاج الجانبية تتشابه مع أعراض الفيروس "زي ضيق التنفس وجفاف الحلق"، تحاول سلمى دفع المخاوف عنها "بقرأ كل حاجة بتتكتب عشان أطمئن"، توقفت عن الخروج تماما، لكنها تفتقد رؤية الشارع "دا كان بيهون عليا شوية التعب بدل الحبسة في البيت".

على العكس، لا تملك منى البحراوي رفاهية الاحتماء بالمنزل. 3 مرات أسبوعيا تخرج فيها الوالدة رفقة فاتن ابنتها المُصابة بفشل كلوي، تذهبان لوحدة الغسيل التي تقبع على بُعد ساعة بالسيارة من منطقة الطلبة بمحافظة الإسكندرية، حيث تقطنان.

ثمة قواعد لا تحيد عنها مُنى "بنركب ميكروباص وناخد مكانين فاضيين عشان المسافات"، لا تستطيع الأم دفع كُلفة سيارة أجرة "ساعات بننزل قبل ميعاد الجلسة بوقت طويل عشان نلاقي حاجة فاضية نركبها"، فيما منعت ابنتها ذات الـ15 عاما من الذهاب للمدرسة قبل أكثر من شهر "مناعتها زي الورقة".. تحكي الأم.

صورة3

مشوار مُنى مع مرض فاتن طويل، اُصيبت الفتاة بالتهابات مزمنة في الكلى منذ طفولتها "تعبنا أوي من اللف في المستشفيات والدكاترة"، أصبحت تتعايش مع الغسيل الكلوي، وتعلمت الصغيرة حماية نفسها؛ لا تتخلى عن أدواتها الشخصية، لا تتناول أطعمة من الشارع ولا تنزع من حقيبتها المعقم الكحولي والكمامة من وجهها "هي عندها وعي بس طفلة وعايزة تخرج وتتحرك".

ليست فاتن فقط من يريد الترويح عن نفسه، اعتاد الخطيب بعد الجلسات الذهاب لكورنيش النيل والاستمتاع بهواء نقي "بكون محتاج دا بعد 4 ساعات على جهاز الغسيل"، قبل كورونا لم يتخل الشاب عن أدوات التعقيم والحماية "بس لما كورونا جه أسعارها غليت"، بات عليه شراء القفازات بثلاثة أضعاف سعرها وكذلك الكمامات "وانا معاشي في الشهر كله 2000 جنيه"، ينفق معظمه بين المواصلات، شراء الحقن والأدوية وأخيرا مستلزمات الحماية "معظم مرضى الغسيل في مصر بيعانوا دلوقتي خاصة اللي حالهم على قدهم".

لا توجد إحصائيات رسمية لمرضى الفشل الكلوي في مصر، عام 2007 قدرتهم منظمة الصحة العالمية بـ250 شخصا لكل مليون مواطن، فيما نشرت عام 2017 أن 20 ألفا و433 شخص يُتوفون سنويا بسبب أمراض الكلى.

خلال الأسابيع الماضية، حاولت مُنى توصيل الأمور بصورة أبسط لفاتن وأشقائها "عشان ميخافوش زيادة"، فيما يرتعش قلبها قلقا، إذ منعت الزيارات العائلية قبل فترة، ومنعت أبنائها من الذهاب للمدرسة قبل قرار الوزارة "عشان كنت خايفة أختهم تلقط حاجة".

الالتزام بالاحتياطات العامة يقي من الفيروس، كما يقول الطبيب شريف حتة، استشاري الطب الوقائي، لكنه يضيف أن أصحاب المناعة الأضعف يمكنهم اتخاذ إجراءات زائدة بسيطة "زي إنهم ياخدوا فيتامينات طول الوقت سواء واصفها الطبيب أو من الأكل"، يُعدد الاستشاري بعض أنواع الفاكهة كالبرتقال والليمون والموز والتفاح "وأي خضار هيبقى كويس لأنه فيه معادن".

إذا اضطر المريض للخروج "فلازم ميفضلش جوة مكان فيه ناس كتير.. يعني يحاول ينتظر في حتة مفتوحة" حسب قول الاستشاري، الذي يوصي مرافقي هؤلاء المرضى بالاعتناء بأنفسهم "لأنهم ممكن ينقلوا كورونا دون قصد"، لذلك يتخذ محمد الزيني الاحتياطات الممكنة ليحمي والده "بقيت حاسس إن انا اللي مصدر خطر عليه".

يبلغ والد محمد من العُمر 62 عاما، قبل 3 أشهر تم تشخيصه بسرطان البروستاتا الذي تصل معدلاته لـ4% من الذكور المصابين بالسرطان، وفقا للجنة القومية للأورام بوزارة الصحة.

ًورة4

"بدأنا الجلسات إشعاعي ودلوقتي شغالين كيماوي جلسة كل أسبوع"، يقول الابن الذي يعمل مهندسا، جعل خروج أبيه مقتصرا على الجلسات، حتى لو كلفه ذلك ماديا "معامل التحاليل أوالصيدليات مبقيناش نروحها.. فيه حد بيجيله البيت يعمل الحاجات المطلوبة".

الآن، يترك محمد مسافة بينه ووالده قدر المستطاع "لأني لحد كام يوم كنت بنزل الشغل للأسف"، يتتبع الشاب حركة الأب في المنزل "بمسح الأوكر بتاعة الأبواب والأماكن اللي بييجي عندها وبرشها بمطهر"، يحاول منع والده عن متابعة أنباء "كورونا" لتخفيف الضغط عنه "بس يمكن القراية وسيلته الوحيدة حاليا للتواصل مع العالم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان