بـ"حجر صحي" داخل مصنع.. حكاية 150 تونسيا يُنتجون أدوات الوقاية الطبية
كتبت - دعاء الفولي:
يوميا، تتصل خولة ربحي بابنتها ذات الـ17عاما، تحكي لها الأم كيف يسير عملها في المصنع، تستمد الدفء من صوتها، فمنذ أسبوعين، غادرت الأم الأربعينية المنزل لتبق داخل مصنع consomed للأدوات الوقائية الطبية، بمحافظة القيروان بتونس؛ إذ قررت السيدة ضمن 150 عاملا آخرين دخول حجر صحي اختياري لزيادة الإنتاج الذي يُغذي الدولة.
ظهر فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) قبل حوالي 3 أشهر، أصاب ما يقارب الـ600 ألف شخصا حول العالم، منهم 227 إصابة في تونس، لكن حمزة العلويني، مُدير شركة "كونسومد" للمنتجات الطبية الوقائية استشف الأمر قبل شهر ونصف: "لما تواصلنا مع الشركات في الصين وجدناها نفذت أفكارا شبيهة لزيادة الإنتاج"، فقرر العلويني ومجلس الإدارة اقتراح الأمر على الموظفين البالغ عددهم 250 فردا "150 منهم تطوعوا وتحمسوا لفكرة الحجر".
لم يكن الأمر مرتبطا بزيادة الإنتاج فقط "الحجر ضروري لحماية طاقم المصنع.. لأننا نُسلم المعدات الوقائية لمندوبي المستشفيات بشكل دوري"، أراد القائمون على المصنع تقليل فرص انتقال فيروس كورونا المستجد، وفي نفس الوقت حرصا على الطواقم الطبية في المستشفيات التي تتعامل مع المصنع.
منتصف مارس الجاري وصل الموظفون للمصنع لبدء الحجر، أحضروا حقائبهم كالمسافرين، كان قلب خولة مُنقسما بين حزنها للابتعاد عن ابنتها وزوجها و"تلبية واجب الوطن اللي نبغي برشا نوفر له المستلزمات"، لكن تشجيع الابنة والزوج لها ساعدها كثيرا على اتخاذ الخطوة.
تُغذي الشركة تُونس بالكمامات الطبية والقفازات ومُعدات الجراحة وأدوات أخرى، لذا قرر أصحاب المصنع أن يعمل الموظفون على مدار 24 ساعة بواقع 3 دوريات مختلفة من السادسة صباحا حتى العاشرة مساءً "لأنه لو إحنا قصرنا راح تصير مشكلة ولو دخل الفيروس تونس مش نعرف كيف نحمي طواقمنا الطبية دون إنتاج ضخم"، يسترجع العلويني كيف تُعاني بعض الدول الأوروبية "ذات المنظومات الصحية المتطورة عنا" من نقص تلك الأدوات "لذا يجب أن نتعامل مع الأزمة بدهاء".
تعرف خولة منذ اليوم الأول أن الحجر الصحي يُغلق سبل الخروج من المصنع "حتى انقضاء الأزمة"، لكن في المقابل وفر أصحابه تفاصيل عدة تُهون على الموظفين المنقسمين بين إداريين، عُمال ومُديرين.
اهتم العلويني بكل شيء؛ فداخل المصنع يوجد فريق طبي "يقيس لنا الحرارة ويتابعنا دائما" كما تُضيف خولة، فيما اتفق المدير مع فريق طهي يُقيم داخل الحجر "لأنه أقل شي بنقدمه للعمال اللي تركوا بيوتهم هو طعام طيب ومساكن جيدة ينامون فيها"، بينما لم ينس العلويني وسائل الترفيه، فالعمال لهم ملعب صغير مُتاح لكرة القدم وتلفاز وألعاب ومسابقات فكرية "ولينا احنا السيدات فيه مكان للأيروبكس زائد حفل بسيط مساء كل أحد".
ما إن انتشر فيديو دخول الموظفين للمصنع قبل الحجر، حتى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتحية العاملين فيه "عن نفسي احنا متوقعناش هاذي الضجة.."، باتت خولة تقرأ كلمات امتنان كثيرة "ناس يقولوا لنا إنتم كجنود الوطن"، لم تنتظر المسئولة عن تصنيع الكمامات الشكر، أما العلويني فيعتبر الحجر مبادرة وطنية هدفها غير ربحي "لأنه تحضير المكان لإقامة العمال مُكلف جدا، نحن أيضا لم نرفع الأسعار وإنما أردنا سد احتياجات مستشفياتنا"، فيما تقول خولة "احنا بكل الأحوال حتى لو مش داخل المصنع سنكون في عزل بمنازلنا حسب قرار الدولة..على الأقل نحاول نعمل شيء".
فيديو قد يعجبك: