في فلسطين.. زوجان يتحديان "كورونا" بزفاف معقم ومعازيم في البيت
كتبت-إشراق أحمد:
قبل خمسة أشهر، استقر عماد شرف وخطيبته براءة عمارنة على ميعاد الزفاف. الجمعة 20 مارس 2020 سيكون تاريخ ارتباطهما الأبدي؛ يجتمع الأهل والأصدقاء، تعج الفرحة في حيهما لأيام كعادة أهل فلسطين في أعراسهم، ثم يغادرا إلى تركيا لقضاء شهر العسل. خطط الخطيبان وحلما طويلاً لليوم المنتظر بينما يجهزا منزلهما في مدينة الخليل الفلسطينية، لكن مع ظهور فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" في فلسطين تبدلت كل الخطط، وكادت أن تؤجل لولا إصرار الشريكان على إتمامها. قررا عماد وبراءة تحدي الوباء كفعل الفلسطينيين مع الاحتلال.
حتى الخامس من مارس، كانت فلسطين خالية من الفيروس المستجد، إلى أن أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن إصابة 7 حالات بـ"كوفيد 19" في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية. هناك تسكن براءة في مخيم الدهيشة جنوب شرق المدينة، ومنذ ذلك الوقت لزمت الشابة وأسرتها المنزل، بعد إتخاذ إجراءات حظر التجول مع ارتفاعل الإصابات. توقفت الحياة في بيت لحم، وبات ممنوعًا على سكانها المغادرة.
ارتباك أصاب منزل براءة، وامتد لنحو 19 كيلو مترًا في حي الضاهرية، حيث يسكن عماد في مدينة الخليل؛ 15 يومًا تفصل على الزفاف المنتظر بعد 9 أشهر من الخطبة، تعلو الأصوات بتأجيل العرس، الاستمرار قرار صعب "لا أريد أذية أحد الأقارب أو الأصدقاء" يقر الشاب في نفسه الخوف كما يقول لمصراوي، لكنه يرفض ألا يتم الفرح في ميعاده رغم مغارضة الأهل، وشد من أزره وقوف العروس معه، وهدية كسرت "الأجواء الكئيبة" قدمها شقيق براءة لهما "فكر بدعوة زفاف مختلفة تناسب الظروف".
بتصميم يحمل صورة الفيروس وميعاد الزفاف وتفاصيله، كُتب أن العروسين "يدعونكم لالتزام منازلكم والدعاء لهما بالبركة.. دامت الأفراح حليفة دياركم وأبعد الله عنكم كورونا وأدام عافيتكم"، أرسلها عماد وبراءة لمن ودوًا حضورهم ونشراها على فيسبوك، لاقت الاستحسان لكن لم تمنع القلق خاصة مع تزايد عدد الإصابات في فلسطين الذي بلغ اليوم 97 حالة بينهم وفاة حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
كانت براءة الأكثر قلقًا، لم تكن تعلم بكافة التفاصيل من التنسيق مع الجهات الأمنية والصحية، فيما حرص عماد على التهوين عنها "عن طريق مغازلتها" كما يقول، وإخبارها أن "الالتزام بالتعليمات سوف ينقذ عرسنا".
كل شيء طاله التعقيم في التحضير للزفاف، حتى صالون التجميل والملابس والسيارة التي تنقل العروس، كما لم تقتصر مهمة عماد على إتمام منزل الزوجية "لأن منطقة سكن أهل العروس فيها منع تجول فاضطريت بتجهيز عدة مستلزمات للعروس"، وتلك كانت الأصعب على عماد، ظل على تواصل هاتفيًا مع براءة ليتأكد من شراء ما تريد، فيما لا ينقطع عنهما المزاح الذي خفف كثيرًا من الجو المشحون بالخوف.
ليلة الزفاف "كانت مخيفة نوعًا ما" كما يصف عماد؛ 47 حالة جديدة تعلن عنها وزارة الصحة الفلسطينة، يزيد الخوف في نفس العروسين، لكن المقاومة بعد الأخذ بالأسباب كانت تعين مضيهما نحو تحمل مسؤولية القرار.
عقب صلاة الجمعة، في الثانية ظهرًا، وصل عماد في الميعاد أمام منزل براءة، تبدل المشهد من إعطاء العريس الزهور لعروسته إلى شيء آخر يناسب الأوضاع؛ مد الشاب يده لتعقيم كفي شريكته وإلباسها القفازات الطبية، بينما يلزما بوضع الكمامة. ابتسمت براءة وكانت تلك اللحظة التي لن تنساها عن عرسها كما تقول.
في الطريق لمنزل عماد وسكن الزوجية بمدينة الخليل، خلت الشوارع إلا من الحواجز الأمنية، وحضور من الأهل يرتدي الكمامة والقفازات، الأجواء باردة من الصمت غير المعتاد، لكن الجميع يتشارك إحساسًا واحدًا "لا شيء يستطيع منعنا وأننا قادرون على تجاوز الأزمة والتأقلم معها".
ببدء حفل الزفاف الصغير، زال الضغط، الجميع يلتزم بالتعليمات من ارتداء القفازات ومنع السلام والحفاظ على السلامة، فيما غاب الأطفال وكبار السن والحوامل، لكن ثمة دعم كان يستمده الزوجان في هذه الأجواء الاستثنائية؛ التمسه عماد في ابتسامة والدة براءة، فيما ربتت سعادة الأسرتين على نفس العروس.
أسبوع انقضى، عماد وبراءة في منزلهما، نجحا العروسان في اقتناص وقتًا طيبًا مع الأهل، كسرا حاجز الخوف
القابض على النفوس، ضحيا بالتقاليد مقابل السلامة "حفلات الزفاف ببلاد الشام بتكون 4 أيام ومعازيم لا تقل عن 400 شخص وغداء وحفلات للشباب"، فيما احتفظا لهما بذكرى في وقت وضع فيه وباء (كوفيد 19) نحو نصف مليون من سكان العالم في الحجر الصحي "راح نحكي لأولادنا أن الثقة بالله ووجود الأمل والتفاؤل راح تساعد في التغلب على الصعاب".
فيديو قد يعجبك: