من إيطاليا.. كيف يعيش مصريان في "بؤرة كورونا الأوروبية"؟
كتب-أحمد شعبان:
تغيّرت الحياة في مدن الشمال في إيطاليا، بعد تفشّي فيروس كورونا، قبل نحو 10 أيام. أُغلقت المتاحف والمسارح وقاعات السينما، تأجّلت المدارس والجامعات، والمباريات الرياضية، ألغيت الشعائر والصلوات في الكنائس، والكل مشغول بالزائر الجديد الثقيل، وفي مقاطعة "جنوة" في الشمال، لمس "عصام فتح الله"، الهلع الذي أصاب الجميع، الأعمال التي توقّفت، ما أثّر على عمله، غير أنه في لم يفكّر في مغادرة المقاطعة والعودة إلى مصر.
قبل 20 عاماً، سافر "عصام" إلى إيطاليا، يعمل هناك مصمم عطور، كان مقرراً أن يقيم معرض خيري لمنتجاته من العطور هذا الشهر لصالح إحدى مستشفيات علاج السرطان في الصعيد "لكن تم إلغاؤه"، بعد أن اتخذت السلطات الإيطالية عدة إجراءات احترازية تخوّفاً من العدوى، منها عدم التحرك خارج المدينة والبعد عن التجمعات، خاصة وأن إيطاليا سجّلت وفاة 79 شخصاً وإصابة 2502 بسبب "كورونا الجديد"، لتصبح الدولة التي تسجل أكبر عدد إصابات بالفيروس بعد الصين وكوريا الجنوبية.
يعيش "عصام"، 48 عاماً، رفقة زوجته وأولاده، الذين أغلقت مدارسهم منذ 10 أيام، يلتزم وذويه بالتعليمات والنظافة الشخصية، توقفوا عن الأحضان والقبلات، تعطّلت الحياة بعض الشيء، غير أن عصام يرى أن الأوضاع ليست مُخيفة كما يتصور البعض "حالات الإصابة قليلة عندنا في جنوة، حوالي 24 حالة حتى الآن منهم 10 يتلقون العلاج في منازلهم، ومفيش صعوبة كبيرة زي الأول والناس بقت مطمنة شوية"، فيما يضيف ضاحكاً "أولادي فرحوا لما المدارس اتاجلت وطول اليوم قاعدين مع أصحابهم في الكافيه والحياة بالنسبالهم عادية".
على بعد 200 كيلو متر تقريباً من "جنوة"، يقيم "لوقا موسى" في مدينة بارما في الشمال الإيطالي. عرف صاحب الـ20 عاماً بفيروس كورونا من خلال متابعة أخباره على الإنترنت، إلى أن زحف الفيروس المستجد إلى إيطاليا، وطرق أبواب مدينة بارما "أول ما ظهر الفيروس الناس كانت خايفة ونزلوا على الأسواق مكنتش تلاقي مكرونة أو عصاير وغيرها غير حاجات قليلة، الناس مبقتش بتخرج من بيوتها من الخوف، حصل زي حالة فزع وهوس بالموضوع"، يحكي لوقا، الذي التزم بيته طوال أسبوع كامل.
سافر "لوقا" إلى إيطاليا قبل 6 سنوات، حصل على منحة للدراسة بمرحلة الثانوية الفنية في إيطاليا، ولما تخرّج منها بتفوق حصل على منحة للالتحاق بجامعة بارما الإيطالية لدراسة هندسة الإلكترونيات، كان من المفترض أن يبدأ الترم الدراسي الثاني في 24 فبراير الماضي، غير أن "كورونا" تسبب في تأجيل الجامعات أكثر من مرة "كان المفروض نرجع 8 مارس بعد التأجيل مرتين، لكن النهاردة أعلنت السلطات التأجيل للمرة الثالثة حتى 15 مارس، والجامعة بتحمل المحاضرات أونلاين عشان منتأخرش في الدراسة"، يذكر ابن محافظة الأقصر.
يلتزم لوقا بالتعليمات والنصائح التي أعلنتها السلطات الإيطالية، سواء من ناحية غسل اليدين باستمرار، وعدم لمس الوجه أو العينين حال ملامسة اليد لسطح يرجح وجود الفيروس عليه، كذا يحرص على ترك مسافة لا تقل عن متر واحد بينه وبين الآخرين "الموضوع مكنش مخوّفني ولا فيه أي مشكلة بالنسبة لي عشان من اللي قرأته إنه فيروس زي الأنفلونزا عادي بس بييجي للناس الكبيرة في الأغلب وبيأثر عليهم، لكن المشكلة إنه لسه مالوش علاج".
لدى "لوقا" 3 أيام إجازة في كل أسبوع، يستغلها في العمل بأحد المطاعم، كي يستطيع تدبير نفقاته، غير أنه مع انتشار الفيروس بسرعة في إيطاليا، وتسجيله عدد حالات إصابة كبير فضلاً عن الوفيات، قلّ عدد رواد المطاعم، دفع صاحب العمل لأن يقلل عدد ساعات عمل الشاب، فتضرر أجره.
في الـ24 من فبراير الماضي، ومع بدء تفشي "كورونا" في إيطاليا، ناشدت القنصلية العامة لمصر في ميلانو كافة المواطنين المصريين في شمال إيطاليا، اتخاذ أقصى درجات الحذر للوقاية من الفيروس وعدم التواجد في المناطق التي ينتشر بها، كما أكدت على اتباع التعليمات والإجراءات التي تصدرها الحكومة الإيطالية للتعامل مع الأزمة، كذلك أعلنت رقم هواتف للطواريء والإبلاغ عن أي مشكلة لأي حالة مرضية بين المصريين، الذين يصل عددهم في إيطاليا إلى 560 ألف مصري بحسب نتائج تعداد مصر 2017 التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
يقول عصام إنه تواصل مع السفارة للاطمئنان على حالة شاب مصري اشتبه في إصابته بكورونا "أبلغوني إنه بخير والقنصل زاره في المستشفى وخرج الشاب سالماً وعاد إلى بيته"، وفق ما يقول، فيما تحفظ عن ذكر اسم الشاب لظروف تخص الأخير وعائلته، بحسب ما قال "عصام".
عبر "جروب"على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تواصل عدد من المصريين المقيمين في إيطاليا، اتفقوا على إرسال مساعدات للمصريين في المدن المعزولة "كلمني بعضهم داخل المدن المحظورة وقالوا إنهم مش محتاجين حاجة، لكن المجموعة اللي أعلنت المساعدة قالوا هيجمعوا أموال ويشتروا غذاء ويسلموه للبلدية لجميع من بداخل المدن سواء إيطاليين أو أجانب"، يذكر عصام.
ببطء، يزول القلق والخوف في مدينة "جنوة"، بحسب عصام "الناس بقت بتتحرك في حياتها عادي مع الالتزام بالتعليمات وبعض الخوف"، لم يفكر في العودة إلى مصر، تجنباً للزحام في المطارات "أو أن يكون واحد مصاب مسافر أو حاجة"، فيما يشير إلى أنه يحرص على التواصل مع عائلته في مصر لطمأنتهم "دايما بتكلم معاهم وبيتابعوا منشوراتي على فيسبوك واللي دايما بنبه فيها الناس إن الفيروس مش بالخطورة اللي بيطلقها البعض، الشائعات والبلبلة كتير، وإن شاء الله مفيش خوف علينا".
ويحرص "لوقا موسى" على طمأنة أسرته بين وقت وآخر، يحرصون على تذكيره دائماً باتباع التعليمات والنصائح للوقاية، لم يفكر في مغادرة إيطاليا والعودة إلى مصر، يشيد بالإجراءات المتبعة من قبل السلطات الإيطالية، فيما يردف أن الخوف من الفيروس بدأ في الانحسار "الناس أدركت إن الموضوع هيعدي إن شاء الله، الأسبوع اللي فات الشوارع كانت فاضية لكن الحياة بدأت ترجع واحدة واحدة".
فيديو قد يعجبك: