15 يومًا في الصحراء.. شبح "كورونا" يعيق ١١٠ سودانيين على الحدود المصرية السودانية (فيديو وصور)
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
كتبت - رنا الجميعي ومحمود عبدالرحمن:
تصوير- محمود عبدالرحمن:
لا يدري حوالنبي متى سيعود لبلده السودان، ها هي الأيام تمرّ دون أي جدوى، صحيح أن العالم أجمعه تحت العزل بسبب فيروس "كورونا المستجد"، لكنهم على الأقل يعيشون وسط أهلهم، أما هو وأخته المريضة بالقلب فيسكنون الصحراء بجوار كمين السباعية لليوم الخامس عشر، ضمن ١١٠ سودانيين آخرين.
يوم 12 مارس الماضي قررت السلطات السودانية تعليق حركة الطيران مع 8 دول، من بينها مصر، كما أغلقت المعابر البرية وهي؛ معبر أشكيت، أرقين، ميناء وادي حلفا النهري.
كذلك انتظرت حنان عبدالحميد طيلة تلك المدة، برفقة أطفالها وعشرات الأسر الأخرى، منذ ثلاثة أشهر قدمت من محل إقامتها بمدينة الخرطوم إلى القاهرة، وذلك لإجراء الكشف في أحد المستشفيات فقد كانت تعاني من التهاب في الكبد، بعدها قررت السيدة الخمسينية العودة لبلادها، اتجهت إلى منطقة وسط البلد للحجز بالأتوبيس، الذي ينقلها من القاهرة إلى أسوان، ومن ثمّ إلى معبر أرقين البري كما المعتاد؛ ليخبرها أحد العاملين بالشركة بغلق المعبر، ولكن يسمح لها بالحجز ودفع سعر التذاكر، وإبلاغها لحظة اكتمال العدد وفتح المعبر "الشركة أخدت منا ضعف سعر التذكرة".
"شركة الحجز اتصلت بينا قالت المعبر هيفتح يومين بس والسفر بكرة" كان مساء الأربعاء قبل الماضي، عقب التحرك بساعات وتحديدًا لحظة وصولهم نقطة تفتيش كمين السباعية شمال أسوان، تم منعهم من المرور، والعودة مرة أخرى إلى القاهرة "كنا 28 أتوبيس، وفي الكمين المصري قالوا سلطات بلدكم تمنعكم من العودة"، استجاب بعضهم، حيث كان عددهم يصل لـ١٣٠٠ سوداني في البداية، فيما فضل آخرون البقاء على أمل السماح لهم بالمرور بعد مفاوضات.
وكان السفير المصري في السودان قد صرّح قبل ذلك بأن المعابر البرية ستُفتح مُجددًا للراغبين في العودة لبلادهم من المصريين والسودانيين، وذلك يومي الأربعاء والخميس، 18 و 19 مارس الماضي.
كانت مفاجأة للسودانيين أنه قد تم إغلاق المعبر يوم الخميس، ولم يعرف حوالنبي كيف يُمكنه البقاء هكذا في العراء، غير أن الأيام توالت عليه. شاهدهم مصطفى عبد الحارس، صاحب الكافيتيريا التي تبعد حوالي 200 متر من الكمين، والذي قال "استقبنالهم، قلنا كلها ساعتين وهيمشوا لحد ما دخلنا في أسبوعين".
عدد كبير من السودانيين هم بالأساس قادمون للقاهرة للعلاج، ولم يتخيل الطيب بكار، موظف بإحدى الشركات الخاصة بالخرطوم، أن ابنه ذا الستة أشهر سيُعاني الأمرين، ليس فقط من سكن الصحراء بل بالأساس من مشاكل التنفس التي قدم بسببها للكشف عليه، عيونه الزائغة تصف بؤس حاله "بنعمل حمام في الصحرا، وبنام في الأرض".
في أواخر فبراير الماضي، قدم الطيب برفقة أسرته إلى مصر، لعرض طفله الصغير على أحد الأطباء لما يعاني من ضيق في التنفس، تصل في بعض الأحيان إلى غيابه عن الوعي، ليتفاجأ حين وصوله بزيادة انتشار فيروس "كورونا" في العديد من الدول بينهم مصر، ويجد نفسه مضطرًا العودة إلى السودان: "روحت أحجز قالوا المعبر قفل بس هيفتح كمان يومين" يقول الطيب.
"في نص الطريق عرفنا المعبر قفل بس الركاب قالت نروح لحد الكمين" يقول علي محمد، سائق أحد الأتوبيسات، موضحًا أن الشركة التي يعمل بها أخبرته عقب خروجه من القاهرة بعدة ساعات بغلق الكمين، وضرورة العودة إلى القاهرة مرة أخرى، لكنه كان قد أُجبر على الاستمرار "لما قلت لهم هنرجع عشان المعبر مغلق كانوا هيضربوني".
وحين وصلت الأتوبيسات في حدود التاسعة صباحًا، لاحظ تكثيف من قوات الأمن المصري، الذي طالبه بالعودة إلى القاهرة لحين فتح المعبر مرة أخرى "الركاب كلها نزلت وقالوا نقعد في الصحراء بس مش هنرجع تاني".
لم يملك السودانيون رفاهية العودة مُجددًا إلى القاهرة، فقد نفدت النقود لديهم: "فيه ستات أصلًا باعت دهبها عشان ترجع السودان"، يقول حوالنبي، وأمام الأتوبيسات التي تراصت بجوار بعضها البعض في وسط الصحراء، جلس عدد من الشباب والسيدات في أماكن متفرقة، كل واحد افترش أمام الأتوبيس الذي كان يستقله، فيما ظلت فاطمة الطاهر، جالسة بداخل الأتوبيس لما تعانيه من صعوبة في الحركة: "من يوم الأزمة وأنا في الأتوبيس مش بقدر أتحرك".
لا تزال فاطمة تتذكر أول ليلة لها في الصحراء: "لازم نروح بيوتنا، عشان بنتي تروح الحمام لازم تمشي في الصحراء ربع ساعة". تنتقد فاطمة التي تعمل كمُدرسة، قرار سلطات بلادها بقفل المعبر، وترك رعاياها في الصحراء: "الدول كلها أخدت رعاياها إلا السودان"، مُوضحة أن لكل سوداني الحق في العودة إلى بلاده.
منذ عدة أيام تلاقى لسمع سعيد من قرية منشية النوبة حكاية السودانيين العالقين عند الكمين، والذي يبعد عنهم حوالي 120 كيلومترًا، هبّ سعيد برفقة شباب جمعية منشية النوبة بجمع التبرعات من الأهالي، وداخل الجمعية قام أحد الطباخين بعمل أكل يكفي: "إحنا متعودين نتجمع في الخير".
ذهب سعيد إليهم عدّة مرات بالطعام، ولكنه اكتشف أن تلك ليست المُشكلة الوحيدة لديهم: "عايزين أدوية وألبان للأطفال"، وفي كل مرة يعود فيها سعيد مع شباب القرية يُجهزّون الناقص لديهم.
من بين السودانيين العالقين أيضَا، عبدالله، الذي جاء للقاهرة بعدما نصحه أحد الأطباء بالكشف هناك، بعد معاناته مع المرض طيلة خمسة أشهر، واكتشف الشاب ذو الـ28 عامًا أنه مُجبر على إجراء جلسات الغسيل، فقد اتضح أنه يعاني من فشل كلوي "قعدت أسبوع في المستشفى بغسل، لحد ما الفلوس خلصت، كان لازم أروح".
لم يكن يكفي عبدالله معاناته مع الفشل الكلوي، بل أيضًا العيش بطريقة غير آدمية في الصحراء، فبعد وصوله للكمين عاني من تضخم في جسده، وكان لا بد له من إجراء جلسة غسيل، وشملته رحمة الله الواسعة التي مكّنت أحد الأشخاص من مساعدته: "فيه حد جري على الكمين، وجات الإسعاف وروحت غسلت في مستشفى إسنا"، ومنذ ذلك الوقت يذهب عبدالله لإسنا ثلاث مرات أسبوعيًا، ثم يعود مجددًا للصحراء.
وفي تصريح له، أمس، قال وكيل أول وزارة الإعلام إن وزارة الخارجية قد أعادت بعض العالقين السودانيين من القاهرة، وأضاف أنه لم يتبق سوى ١١٠ سودانيين موجودين عند كمين السباعية، لكنهم يرفضون العودة، وهو ما يتنافى مع حديث حوالنبي الذي أكد أنه لم يأت أحد لانتشالهم من الصحراء.
منذ أن عرف أهالي أسوان بمأساة السودانيين، وكل شخص يحاول المساعدة بما يقدر، فبالنسبة لأهالي منشية النوبة "فيه اللي اتبرع بتلاجة الأكل، واللي اتبرع بميكروباص نروح فيه، واللي اشترى فاكهة ولحمة"، كذلك فعل أهالي قرية كشتمنة النوبية، وقد شاهد واحد منهم وهو "عبدالله " مأساة السودانيين بعينيه.
تلك كانت المرة الأولى التي يذهب فيها عبدالله إلى مكان السودانيين، يقول إن الأمن يتأكد عند كمين السباعية من هوية كل فرد غريب، وقد قدم عبدالله ورفاقه مُحملين بـ20 جالون ماء "لكن هما محتاجين مية باستمرار، وهنجيب لهم أضعاف كدا"، ويصف عبدالله شعوره بمسألة منع حركة السودانيين: "إحنا شايفينها عيبة في حقنا".
حيث يحاول التوصل إلى حل يساعدهم به، فيقترح قائلًا: "إحنا عندنا مضايف في القرية، ممكن نستضيفهم فيها"، ولا يغفل فيروس "كورونا": "وممكن يتم الكشف عليهم ويتعمل ليهم حجر، بس منسيبهمش في الصحرا كدا".
لا يبدو أن المشكلة في طريقها إلى حل، حيث يقول حوالنبي إنه لم يتواصل معهم أي من المسؤولين ، باستثناء القنصل السوداني الذي قدم إليهم لمرة واحدة: "وقالنا معنديش حل، الحكومة السودانية هي اللي قافلة". سؤال واحد يتردد داخل عقل حوالنبي وعبدالله وكل العالقين: "لحد إمتى"، ولا يجدون سوى صمت الصحراء من حولهم.
من بين العالقين أيضََا دكتور يوسف إبراهيم المشهور باسم حضرة، وقد كان الطبيب الوحيد بين العالقين، وقد أكد أن بالفعل معظم السودانيين قد عادوا إلى القاهرة، أو مثله أقاموا في أسوان، وقد تكفلت القنصلية السودانية بإقامة السودانيين حتى فتح المعابر الذي لم يتحدد موعده، لكنه يستنكر المدة الطويلة التي قضاها في الصحراء، ولا يدري ما السبب في عدم فتح المعابر إلى الآن: "إحنا مسؤولية الحكومة السودانية".
فيديو قد يعجبك: