"أنوار الشارع انطفت".. كيف استقبل أهل "المعز" شهر رمضان؟
كتبت-دعاء الفولي:
على الرصيف المقابل لمجموعة السلطان قلاوون، جلس محمد حسين ينتظر حلول الخامسة مساءً حتى يُغلق محله الصغير، لم يفز البائع الخمسيني بأي زبائن في أول أيام شهر رمضان "مع إن ده الموسم بتاعنا"، تناثرت حوله "أنتيكات" متنوعة الشكل، اعتاد الأب لأربعة أبناء شرائها من المزادات قبل حلول رمضان. لكن ذلك العام، خيّمت آثار فيروس كورونا المستجد على منطقة القاهرة الفاطمية، بات على البائعين التعايش مع غلق المحلات، وعزوف كثير من المواطنين عن النزول وحظر التجوال.
لا يتوقف الأمر عند المزادات فقط "كنت بشتري مجموعة من الشيش وأبيعها.. لأن كل القهاوي في الشارع بتجدد أدواتها قبل رمضان"، يعمل حسين في المعز منذ حوالي 20 عاما "عمري ما شفته بالركود ده.. حتى وقت أزمة السياحة كان فيه شغل".
مع بداية الشهر الكريم، أصدر مجلس الوزراء حفنة قرارات، منها تأجيل ميعاد حظر التجوال ليكون من التاسعة مساء حتى السادسة صباحا، فيما تلتزم المحال بالإغلاق عند الخامسة مساءً. ذلك التغيير لم يمس إكرامي محمد بشيء، فصاحب المقهى الكائن بشارع المعز أغلق مشروعه منذ حوالي شهر ونصف.
"شهر رمضان كان بيعوض شهر قبله وشهر بعده".. يقول مالك مقهى الفلاح الواقع على بعد أمتار من مسجد الحاكم بأمر الله. ورث صاحب الـ44 عاما المكان عن والده، يعمل فيه رفقة أشقائه الثلاثة بالإضافة لاثنين من العاملين "كل واحد في دول فاتح بيت.. يعني القهوة كانت بتصرف على حوالي 40 نفر".
قبل رمضان من كل عام، كان إكرامي يستعد "بنجدد الكراسي بتاعة القهوة وبنشوف لو فيه أدوات لازم نشتريها زي الشيشة والكوبايات وغيرها"، كان المقهى يعمل من العاشرة صباحا حتى الواحدة ليلا "لكن في رمضان كنا من بعد الفطار للسحور"، ورغم ذلك كان الإقبال يتضاعف "كان كل واحد في اللي شغالين ممكن يطلع له آخر الشهر بـ5000 جنيه بالميت"، رغم أن أسعار المقهى لم تكن مرتفعة "أغلى مشروب عندنا ميجيبش عشرة جنيه".
لا يعرف إكرامي مهنة غير المقهى "معييش شهادة ودي مهنة أبويا"، لم يخسر كما يحدث الآن، يتذكر عام 2011 حين تم فرض حظر التجوال "كانت الناس بتتجمع الصبح في القهوة بأعداد أكبر وبرضو بيجيلنا رزق"، تمنّى الأب لثلاثة أبناء لو أُتيحت الفرصة للمقاهي للعمل "ولو حتى دليفري من غير ما الناس تجيلنا القهوة، لأننا مش كافيه سياحي إحنا بنخدم أهل المنطقة".
قبل حلول شهر رمضان "حاولت أقدم في منحة العمالة غير المنتظمة"، لكن الحظ لم يسعف إكرامي للحصول على الـ500 جنيه، مازال ينتظر تحسن الأحوال، يتدبر أموره بالكاد، يُخفي عن أهل منزله مقدار حزنه "بحاول أطمنهم وأقولهم إن دا مؤقت.. مش عايز ولادي يتنكدوا في رمضان".
لم تتوقف حركة الأرجل داخل المنطقة العتيقة، تستقبل محلات العطارة الناس، يشتري آخرون فوانيس لأبنائهم، يستريح البعض على المقاعد المتراصة في الشارع، ويقف حفنة من المصورين لا يجدون إلا قلة ترغب في التقاط الصور، لذا كان خيار أحمد رمضان أن ينسحب ويعود لقريته بالصعيد.
لا يُجاوز عُمر أحمد 21 عاما، لكنه يعمل مصور في شارع المعز منذ كان في الثانية عشر "كنت جاي القاهرة شغال في محل كشري في باب الشعرية.. شفت المصورين في الشارع حبيت الفكرة وكنت عايز أتعلم"، مع الوقت طوّر أدواته، بات يُنهي دوام العمل في المحل صباحا ليقف في المعز من المغرب وحتى منتصف الليل، نقلته المهنة ماديا "كان بيدخل لي في الشهر مش أقل من 4000 جنيه وفي رمضان بنوصل ممكن لـ6000 آلاف جنيه".
يُنفق ابن محافظة بني سويف على والدته وأشقائه الأصغر، كان التجهيز لرمضان مختلفا "الشارع كان زحمة جدا.. لدرجة إن لو منطقة صغيرة فيها 5 مصورين كلهم بيشتغلوا وربنا بيرزقهم".
خلال رمضان، كان ابن محافظة بني سويف يعمل من بعد الإفطار وحتى ميعاد السحور "كان اللي بيبقى عايز يحوش نقوله اشتغل رمضان هيطلعلك قرشين حلوين"، منذ حوالي شهر اُغلق محل عمل الشاب في باب الشعرية "وطبعا مبقاش فيه تصوير ولا رمضان"، عاد لمنزله وحاول تعويض الأمر بجلسات تصوير هُناك أو تصوير المناسبات "أهي نواية تسند الزير".
يعرف سامح منير منطقة الجمالية كظهر يده، يعتبرها بيته الثاني منذ 25 عاما، حينما قرر إنشاء مشروع يخدم أهل المنطقة، أسس "ربع المعز"، أصبح قِبلة لنشاطات مختلفة؛ فنية وثقافية وتعليمية، فتح المركز بابه لتعليم الكبار وإعطائهم شهادات محو الأمية، أقام "حضانة" بأسعا مخفضة للأهالي، لم يكن الربح هدف صاحب المكان "بس من خلال الأنشطة الفنية وتأجير المكان للتجمعات والفطار في رمضان كنا بنصرف على الخدمات المجانية".
26 شخصا كانوا يعملون في المركز الثقافي والخدمي "لما صدر قرار الغلق.. دفعت مرتبات شهر مارس كاملة بس بعد كدة اضطريت أخفض الرواتب"، رمضان بالنسبة لسامح كان فرصة جيدة للربح "كل يوم بيكون فيه حفلة إما تنورة أو حضرة أو أناشيد أو حتى ندوات دينية وثقافية"، كان ازدحام الشارع بالمارة طوال الشهر يُثري الربع، بالإضافة للمعارض الحرفية داخله.
يذهب سامح للمنطقة بين أسبوع وآخر ليطل على المكان "حاجة تحزّن والله عمري ما شفت المنطقة هادية كدة". بجانب الربع، امتدت صفوف من المحلات المغلقة، لكن شارع أمير الجيوش المتفرع من المعز لم يتسم بذلك الهدوء، كانت أصوات الدق على الألومنيوم تصدح من داخله، فيما غاب الزبائن إلا نادرا.
بين صفوف الأواني أراح عماد صلاح قدمه على مقعد صغير، يراقب المُدرس على المعاش الشارع، يسخر مع صديقه في المحل المواجه قائلا "انت فاتح من تمانية الصبح الظاهر مش هنشتغل طول رمضان.. اقفل واطلع لعيالك ".
ككل نشاط آخر في الشارع كان رمضان منقذا "احنا معظم شغلنا مع السودانيين هما بيشتروا مننا وبيسافروا يبيعوا عندهم"، ومع غلق الحدود بين الدول بسبب الفيروس المستجد "حالنا اتعطل"، لكن أهل السودان لم يكونوا الزبون الأوحد "صحاب المطاعم فئة مهمة وكانوا في رمضان كتير منهم بيجدد المحل عشان الموسم وطبعا بنستفيد".
يعمل عماد في الورشة ضمن 5 آخرين، لم يكن خيار غلق المحل مُتاحا أمام صاحبه "قلنا يفضل فاتح لو هييجي زبون الفلوس تتوزع على الناس أحسن ما تنقطع خالص".
يحاول علي الكيلاني أيضا التأقلم مع الوضع الحالي. داخل محل صغير يبيع العصائر، يفتح محله في التاسعة صباحا ويُغلق في الخامسة عصرًا بينما في السنوات الماضية "كنا بنفتح في رمضان قبل الفطار بساعتين لحد وقت السحور.. مصر كلها كانت بتتسحر في المعز"، كان الشاب أحيانا ما يتأفف من ازدحام المنطقة "دلوقتي بنتمنى بس نشوف رُبع العدد بتاع السنين اللي فاتت".
بالنسبة لعلي لا يتعلق الأمر برمضان فقط "الناس من ساعة كورونا بطلت تاكل وتشرب في الشارع"، لكن مع بداية الشهر الكريم "بنعمل أزايز عصير مقفولة ونبيعها ودا بيطمن الناس شوية"، يُعقم صاحب المكان المحل بين حين وآخر، لكن ذلك لن يكون كافيا هذا العام ليرفع نسبة البيع في الشارع "رغم إن الحظر اتمد لتسعة بس أظن الناس هتخاف تنزل المعز بليل عشان الزحمة".
فيديو قد يعجبك: