50 سنة على "بحر البقر".. أن تكون تلميذا في لوحة شرف الوطن
كتبت-هبة خميس:
في الصباح أيقظته أمه من نومه الهاديء، داعبت أحلامه جفنيه ففتحهما بصعوبة ليبدأ يومه الأخير الذي لم يستمر سوى ساعات صبيحة يوم الثامن من إبريل عام 1970.
"أحمد عبد العال" الطفل الوحيد لوالديه الذين انتقلا حديثاً لقرية "بحر البقر" للحصول على فدادين لاستصلاحها دون مقابل بعد نشأة القرية عام 1965.
مشوار قصير قطعه "أحمد" من بيته إلى المدرسة الإبتدائية حيت يدرس بها بالصف الثاني، في الطريق كانت تلهبه الشمس التي بدت ساخنة على غير عادتها فرفع حقيبته القماشية الملونة - حيث يضع كتبه و وجبة إفطاره البسيطة المكونة من شطائر الجبن- على رأسه لتقيه سخونة الشمس، المدرسة الجديدة التي لم تكمل شهرها الرابع تعبأت برائحة طلاء حوائطها وكانت مكونة من طابق واحد من الطوب منقسم لثلاثة فصول فقط امتلأت بأطفال القرية في المرحلة الإبتدائية.
فور بدء اليوم استقر "أحمد" بجوار "أحمد الدميري" صديقه على "تختة" واحدة، مرت عليهم أول حصة ثم الثانية وجوعهم أعلن عن نفسه انتظاراً للفسحة، فظلوا يستمعون للمعلم وأعينهم لا تفارق السبورة الخشبية الممتلئة بالأرقام ينتظرون انتهاء الحصة ليتناول كل واحد وجبته البسيطة.
لكن حركة الصغار القلقة لا تنقطع، أوقع "أحمد الدميري" قلمه الرصاص ثم انحنى لالتقاطه فور سماعه صوت تحليق 5 طائرات إسرائيلية من طراز فانتوم إف -4، الهجوم الذي بررته إسرائيل بأنه هجوم على أهداف عسكرية مصرية وتم بهدف الضغط على مصر في حرب الاستنزاف.
على سرير في المستشفى استيقظ "أحمد الدميري" يسأل في لهفة عن صديقه، يبكي والده ويخبره بعدم نجاة صاحبه الذي راح ضحية القصف هو وثلاثين طفلاً آخراً .
عاد والد"أحمد عبد العال" ليبحث عن طفله فلم تقابله سوى الأشلاء، وجسد طفله وسطهم غاب عنه النفس وبجواره تستقر شنطته القماشية بها وجبة لن يأكلها "أحمد" أبداً، وستظل لخمسين عاماً ضمن مقتنيات متحف صغير في القرية ملحق بمدرسة جديدة بنفس الاسم، لتكون شاهدة على الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل ذلك اليوم.
مع نصب تذكاري محفور عليه اسم "أحمد عبد العال" وباقي الشهداء في وسط القرية، يتذكر الناس أن استشهاد الصغير كان بذرة في قلوب المصريين للانتصار على إسرائيل عقب المجزرة بثلاث سنوات في السادس من أكتوبر.
فيديو قد يعجبك: