لتخفيف العبء.. طبيبان يقيمان مستشفى "أون لاين" لمتابعة مصابي "كورونا" منزليًا
كتبت- إشراق أحمد:
عصر ليلة عيد الفطر، 23 مايو الجاري، استقبل الطبيب شريف المتولي اتصال هاتفي من صديقه استشاري الجراحة العامة محمد توفيق. محادثة بين صديقين، شكا الأخير فيها من ضغط العمل في مستشفى العزل بمنطقة مايو، لمس المتولي الإنهاك في صوت رفيقه بينما يطالع الأخبار المشيرة لزيادة المصابين بفيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، أغلق الهاتف وهو منشغل بكيفية تخفيف العبء عن الأطباء في هذه الظروف، فإذا به يتذكر حلاً متعارف عليه في دول عدة، ليعاود الاتصال بصديقه عارضًا عليه الفكرة "الرعاية المنزلية.. يبقى عندنا مستشفى أون لاين نخفف بيه الحمل عن الدكاترة اللي في العزل"، فكانت "أهالينا".
لعامين حظى المتولي بخبرة في تخصص "الرعاية المنزلية" حينما عمل مع مشفى تابع لدولة الإمارات، ويعني ألا يلزم إقامة المريض في المشفى بل يكون بيته مكان استشفائه بمتابعة متواصلة من الطبيب المختص. كان هدف الصديقين خدمة محيطهما من سكان منطقة حلوان ممن أصابهم الفيروس، ولهذا أطلقا اسم "أهالينا" على مبادرتهما بعدما وضع المتولي خطة العمل "كنا عايزين نوصل لأكبر عدد بأقل مجهود ممكن"، فكان الفيسبوك سبيلهم.
انطلق المشفى الإلكتروني بقوة 15 طبيبًا متطوعًا من سكان منطقة حلوان، وبينهم مَن يعمل في مستشفات العزل الصحي. انقسم الطاقم الطبي إلى مستقبلين للرسائل، وفريق لتخصص الصدر والرعاية ممن عملوا في أماكن العزل، وآخر للمتابعة "بيكونوا على تواصل دايم مع الحالة بحيث يكون مع كل مريض اتنين واحد طبيب متابع والتاني إداري بيحفظ السجل المرضي".
نوعان من الحالات فقط يستقبلهم أطباء مستشفى "أهالينا" الإلكتروني، وهما درجة الإصابة البسيطة والمتوسطة "اللي بتطلع نتيجته إيجابي ويتقال له اعزل نفسك في البيت"، إذ صنفت وزارة الصحة المصابين بـ"كوفيد 19" إلى 4 مراحل، المتقدم منها يوضع مشفى العزل الصحي ويصعب لأطباء "أهالينا" التدخل الطبي معه كما يقول المتولي.
مع فجر أول أيام العيد، استقبل المشفى الإلكتروني الحالة الأولى، وما إن عكفوا على العمل وفقًا لبروتوكول وزارة الصحة كما يقول المتولي، حتى ذاع صيت المبادرة بشكل غير متوقع "كان بيوصل حوالي 60 رسالة في الدقيقة". ارتبك الأطباء؛ وسع مدى هدفهم وقدرتهم الاستيعابية للرد على الجميع، خاصة وأن ليس جميع المتواصلين من المصابين بكورونا أو المشتبه فيهم، لهذا لزم على الأطباء "فلترة" الكم الهائل من الرسائل.
مع الإقبال على المشفى الإلكتروني، اضطر الأطباء لإيقاف الرسائل يومين، لملموا شتات جهدهم وأفكارهم للعودة بما يحتمله الواقع، وكان الرجوع بقوة أكبر "دعيت الدكاترة أنهم يشاركونا لمساعدة الناس ولقيت استجابة متخيلتهاش"، يقول المدير الطبي لجامعة النيل إن عدد الأطباء المتطوعين بلغ أكثر من 100 طبيبًا مصريًا من داخل وخارج مصر، بينما الحالات المتابعيين لها وصلت إلى 70 مريضًا.
يوميًا يمارس الطاقم الطبي لـ"أهالينا" مهمتهم، يمرون على المرضى عبر التواصل إلكترونيًا "عاملين مجموعات على الواتس آب أو بنكلمهم تليفونيًا"، يسألون عن درجة الحرارة وجرعات الدواء، ويتممون على إجراءات العزل. كافة التفاصيل يستعلمون عنها كما لو كانوا داخل أرجاء المشفى كما يصف المتولي "أحنا بالظبط مستشفى لكن أوضها في بيوت الناس".
أراد المتولي ورفقته من الأطباء التخفيف عن كاهل زملائهم، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة لا تقل جهدًا وإن قلت خطورتها لعدم المخالطة، فيتحمل المدير الطبي لجامعة النيل الجمع بين عمله ومتابعة المشفى الإلكتروني، وكذلك الأطباء في مستشفيات العزل يعملون بقوتين، وهناك مَن قرر التضحية "في دكاترة معانا قفلوا عيادتهم عشان يتفرغوا لمتابعة الحالات لغاية ما تخلص الأزمة".
طيلة الأيام الماضية، اضطر أطباء "أهالينا" للتعامل مع المصابين من ناحية، ونشر الوعي على جانب آخر؛ يصححون للمصابين الإجراءات "لقينا ناس فاكرة أن لو مصاب ومعايا مصاب في البيت يبقى أحنا الاتنين نقعد مع بعض"، فيؤكدون أن العزل يعني البقاء منفردًا في حجرة مستقلة، وأخرين يعدلون من جرعات الدواء بأنفسهم "على اعتبار أنهم بقوا كويسين"، فيما يحرصون على توجيه المتابعين لصفحتهم والبالغ عددهم حتى الآن نحو 200 ألفًا بعدم المطالبة بتشخيص الحالة على العام حفاظًا على الخصوصية، أو كتابة "روشتة" دواء بعينها، وكثيرًا ما يضطر الأطباء للنفي أنه لا يوجود دواء يسير على جميع المرضى.
بالأمس أعلنت وزارة الصحة إجراءت العزل المنزلي لأول مرة، وأوضح المتحدث باسم الوزارة أن لكل مريض بروتوكول علاجي خاص حسب حالته. سعد المتولي بهذه الخطوة، فهذا ما سعوا إليه بإطلاقهم للمشفى الإلكتروني، وزاد أمله بأن يصبح مسعاهم تحت "مظلة الحكومة" كما يصف حتى تتكاتف جميع الجهود.
وجد أطباء "أهالينا" دعم معنوي ومادي بمبادرة العديد لتقديم الخدمات "في مهندسين IT تطوعوا وعملوا لنا نظام لفلترة الرسايل (شات بوت) وبيساعدوا لعمل ابليكيشن"، لكنهم لم يسلموا من التشكيك بأنهم يفعلون ذلك لأعراض في أنفسهم، مما اضطر المتولي وتوفيق للخروج بالصوت والصورة للتأكيد أنهم أطباء مؤهلين يزاولون المهنة، وأن ما يقومون به بلا مقابل مادي والهدف الوحيد لهم هو تجاوز الأزمة.
كذلك جاءات الأجواء مشابهة لأحوال المشفى في يوم عمل طبيعي، يذكر المتولي ما حدث صباح أمس، حينما استقبل رسالة من أحد المرضى ضمن كم هائل، وما إن استجاب لصاحبها فلم يجد ردًا إلا بعد وقت "لقيت حد باعت بيقول إنها بنت الراجل اللي بعت الرسالة وأنه توفى". زلزل الموقف الطبيب الشاب، فقد المشفى حالة لجأت إليه "ملحقناهوش للأسف".
مع تجاوز معدل الإصابة اليومي لألف حالة بالأمس، تأكد المتولي أنه لم يعد هناك مجال للراحة، يأمل صاحب فكرة المشفى الإلكتروني أن ينضم المزيد من الأطباء لرعاية المصابين بأقصى جهدهم، فيما يتوق لأن توضع الثقة في الأطباء "مش عايزين رسايل سلبية ولا ضغط على الدكاترة.. أحنا ولادكم تعاونوا معانا وإن شاء الله نعرف نعمل حاجة تخرجنا من الظروف الصعبة دي".
فيديو قد يعجبك: