ما تبقى من حياة.. أسرة سورية تتناول إفطار رمضان بين رُكام منزلها
كتبت-دعاء الفولي:
لا يمر أسبوع إلا وتطل "أم طارق" على منزلها القديم، تمر بأزقة مدينة أريحا السورية فتتراءى لها ذكريات عائلتها؛ تشتاق لابنها عبده الذي تُوفي، تسمع ضحكات الصغار ولهوهم في الشارع، تتذكر كيف كان منزلها بسيطا لكن يسع من الأحباب ألفا، يُحزنها مشهد البيوت المتهدمة، غير أن حنينها للمنطقة لا يتوقف، لذلك عندما واتتها الفرصة لتناول الإفطار فوق رُكام البيت القديم لم تفوّتها.
قبل أيام ذهبت صاحبة الخمسين عاما رفقة ابنها طارق وزوجته وأولادهما إلى منازل العائلة في ريف إدلب، صعدوا لأحد الأسطح لتناول الإفطار هناك، استعادوا ذكريات شهر رمضان في المكان قبل أن يتهدّم بفعل القصف، يقتنصون بضع ساعات قبل العودة لبيوتهم المؤقتة، التي انتقلوا لها.
في يناير الماضي، نزحت أسرة "أم طارق" عن منزلهم لحي آخر قريب من أريحا، بعدما كثّفت قوات النظام السوري القصف على ريف إدلب الشمالي، حيث تخطى عدد النازحين نصف مليون شخصا حسب تقديرات أولية لمنظمة الأمم المتحدة، لكن الأسرة السورية الصغيرة ظلت على ارتباط بالمكان "لازم مرة أو اثنين بالأسبوع نمرؤ هونيك نشوف بيوتنا".
بعد العصر، خرجت الأسرة الصغيرة سيرا على الأقدام، لم يكن في استطاعتهم الطبخ "حضرنا طعام جاهز وبعض العصائر"، ظلوا هناك حتى غروب الشمس ورحلوا، وفي تلك الفترة مكث معهم عارف وتد، مُصور الوكالة الفرنسية في سوريا، وثّق أوقاتهم، نقل تلك الحالة للناس، علم أن الصور ستصدم كثيرين وهو ما حدث.
"ناس صارت تتواصل معي من اسبانيا وهولندا وأمريكا، تسأل عن العيلة كيف هيك عايشين، صرت أحكي وفهمهم الوضع"، يقول المصور لمصراوي، فرغم التعاطف والأسى الذي شعر به من نشروا الصور "لكن هايدي فرصة جيدة لحتى يعرف العالم كيف الوضع عنا بسوريا".
صدفة بحتة جمعت عارف بالعائلة السورية "صديق بأريحا خبرني إنه الوضع صعب والعالم محتاجة إغاثات"، ذهب الشاب لالتقاط الصور ونشرها لعل ذلك يساعد، ليقابل أسرة طارق ويجلس معهم، ورغم استقرار المنطقة أمنيا، فثمة مخاطر متعلقة بحال المنازل نفسها "لا نعرف كيف أثر القصف فيها وفي بنيتها"، إلا أن عارف اعتاد ذلك "نعيش في هذا دائما.. نرى عائلات تتهدم منازلها فتعود وترمم جزء منه وتعيش فيه، هايدا ربما أفضل من التنقل بين منطقة وأخرى".
منذ اندلاع الثورة السورية، فقدت "أم طارق" الكثير، رحل عنها ابنها الأكبر "عبده" في الثورة السورية تاركا ندبة لا تندمل، وعقب ذلك بأعوام تُوفي زوجها، فقدت منزلها، واضطرت للنزوح مع ابنها طارق وزوجته وأبناءه، فقدوا منازلهم أيضا "لسة بتذكر وقت اللي نزحنا، خرجنا ليلا، ما بنشوف أمامنا شيء، بدنا فقط ننجو بحياة من تبقى من عائلتنا"، لم يتسن لها اصطحاب شيء معها أو البحث في الأنقاض عن متعلقاتها.
لم تتوقع الأم الخمسينية انتشار الصور بشكل كبير "كوننا نعيش هاي المأساة يوميا"، رأت تعليقات تقارن بين وضع الشعب السوري وأسر أخرى "تمتلك مأوى وبيوت آمنة"، ربتت التعليقات على كتفها "إنه العالم حاسس فينا ولو شي بسيط".
لم يسلم عارف نفسه من فقدان منزله "لنا بيتان هونيك في أريحا وتهدموا"، تأقلم مع الوضع كالآخرين، حتى أن بعضهم اختار البقاء في المناطق المُعرضة للقصف "عمري ما حاولت بطلع برات سوريا حتى لو موت هون"، تقول "أم طارق"، يختلط صوتها بالدموع فتستطرد "رأينا ذكريات جميلة.. كنا قبل الثورة انا وزوجي وولادي نطلع نتفسح على جبل الأربعين"، تبتهج قليلا حين تسرد سيرة تلك اللحظات، قبل أن يعاودها الحزن مرة أخرى "رح موت هون محل ما مات ابني وجوزي وما حدا بيجبرني أطلع أبدا".
فيديو قد يعجبك: