لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إدريس يحارب "الكورونا".. حكاية مغامر أفغاني دار 120 قرية بـ"العجلة"

11:53 م الأربعاء 10 يونيو 2020

كتبت-إشراق أحمد:

حين خرج إدريس سياواش من منزله، قبل عامين، نذر كل خطوة له في سبيل الابتعاد عن طريق النزاع والحرب، غادر مكانه في إقليم لغمان -شرق أفغانستان- وجاب القرى بدراجة اشتراها خصيصًا لتنفيذ مهمته. وجد أدريس أن المشاكل كلها تدور حول التعليم، فحمل صندوقًا ملأه بالكتب وعزم الوصول إلى أقاليم بلده الفقيرة، قطع عشرات الكيلومترات ليلبي ما لمسه من حب الناس للعلم خاصة الأطفال. لم يوقف أدريس ضيق الظروف أو مشقة السفر، حتى مع ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) في أفغانستان، اعتبر التوعية جزء أصيل في مشواره، فاستبدل الدفاتر والأقلام بـ"صابون" ومنشورات عن الفيروس التاجي، وارتحل يعلم سكان القرى إجراءات الوقاية.

1

في الثالث والعشرين من إبريل المنصرف، انطلق إدريس بدراجته الزرقاء. هيأها من جديد "كنت أكتب على الصندوق كلمات عن التعليم أما اليوم تحمل عبارات عن الفيروس المستجد". البقاء في المنزل يحميك من "كورونا"، استخدم الكمامة، اغسل يديك، حافظ على مسافة بينك وبين غيرك. إرشادات خطّها أدريس قبل أن يبدأ جولاته التي تحدث عنها لمصراوي "أسافر بدراجتي إلى الغابات والقرى. أطرق كل باب، أتحدث إلى الناس عن كيف يحمون أنفسهم وأعلم الصغار غسل أيديهم".

23

كان إقليم ننجرهار قبلة إدريس الأولى في حملته لمكافحة كوفيد19، لم تكد تهنأ المنطقة بهزيمة تنظيم الدولة "داعش"في معقله، نوفمبر 2019، حتى جثم مرض آخر شمل البلاد، تسبب حتى الآن -حسب وزارة الصحة العامة- في وفاة 405 وإصابة أكثر من 22 ألف أفغانستاني.

ساعات أمضاها أدريس على الطريق، سبقها التخطيط لوجهته، إذ قبل كل جولة يكون للشاب الثلاثيني طقس خاص "أحضر الأدوات واتفقد العجلة وأتواصل مع الناس في القرى لمساعدتي".أما عُدة أدريس هي صابونة وإناء يستخدمه إذا ما التقى أحدهم على الطريق، صغيرًا أو كبيرًا، استوقفه وحدثه عن "كورونا" وأراه عمليًا كيف يغسل يديه لمدة 20 ثانية وفق نصائح منظمة الصحة العالمية، كذلك يودع في صندوق الدراجة الخلفي أوراق بها تعريف بالفيروس وإرشادات التعامل معه، يعطيها للكبار ويضعها على الجدران والأبواب.

54

مع نهاية عام 2018، اعتاد صحفي الراديو السفر بالدراجة، يطوف أفغانستان من أجل نشر التعليم بين أهالي القرى النائية. غيّر الواقع الأليم من عزم إدريس "حينما أرى من يفقدون حياتهم في عملية انتحارية وتفجيرات وغيرها من طرق القتل أشعر أني معرض أيضًا للإصابة أو القتل لأننا في حرب"، شغله أن يجد سبيلاً مغايرًا، تساءل ماذا يمكن أن يفعل لبلده بعيدًا عن هذا "الطريق السيء والخطير" كما يصف، رغب بالحياة في مجتمع متعاون لا متحارب، واستمر في التفكير حتى وصل "وجدت المشكلة الأساسية في أن هناك الكثير غير متعلمين".

خلال شهر من الجولات على الدراجة تأكدت ظنون إدريس "شعبي يحب ويريد أن يتعلم. يرغبون في الكتب والدفاتر والأقلام لكن لا يحصلون عليها لأن هناك حرب ولا توجد مدارس"، لهذا عكف طيلة الأعوام الماضية على أن يصل المحتاجين خاصة الأطفال بما تعجز أيديهم أن تطوله، وكذلك صار نهجه في حملته لمواجهة "كورونا".

6

زار إدريس بالسابق قرابة 10 أقاليم، ساعده ذلك على توسيع جولاته، فأضاف إليها إقليمين آخرين ومزيد من القرى بلغت 120 قرية، حتى أنه يحصى عدد الأسر التي التقاها إلى الآن بنحو 36 ألفًا حسب قوله. اختلفت ردود فعل الأهالي عما اعتادها الشاب الأفغاني "حينما كنت أوزع الكتب كان الجميع سعداء للغاية ويساعدوني. الآن البعض لا يتقبل الحديث عن التباعد الإجتماعي"، لكن غسل اليدين كان أمرًا مهمًا انجذب إليه الكثير خاصة الأطفال كما يقول إدريس.

78

أصبح إدريس معروفًا بالأرجاء، دراجته الزرقاء ذات الصندوق الخلفي وهيئته تميزه. يحرص الشاب الثلاثيني على ارتداء معطف طبي أبيض ويغطي وجهه بكمامة، يعتبر هذا جزء من المهمة والتأثير في الأهالي، فما إن يصل وجهته حتى يجمع السكان خاصة الأطفال في ساحة أو مكان فسيح، يحدثهم، يعلم التباعد بالوقوف منهم على مسافة، وكذلك يخبرهم أن يقفوا أو يجلسوا متباعدين، ثم يبدأ في التجربة العملية في غسل اليدين، يريهم مرة ويدعوهم للمشاركة مرات حتى يتأكد من إجادتهم للأمر.

910

يلمس ابن إقليم "لغمان" سعادة الصغار برؤية الزائر المختلف "حينما يروني ودراجتي يركضون بأقصى طاقتهم لسؤالي من أين أتيت وبكم اشتريت دراجتي"، تُطفئ تلك اللحظات مشقة السفر بوسيلته البسيطة خاصة في شهر رمضان، الذي واصل فيه جولاته.

11

يطوف إدريس وحيدًا بين التلال والسهول، يقف عند المزارع ويعبر الغابات، يظن البعض أنه يملك من رفاهية العيش للترحال، لكنه لا يختلف عمّن يذهب إليهم، فاختياره التنقل بالدراجة كان لسببين، أولهما أن "أفغانستان بلد فقير"، أراد الشاب أن يذوب بين الناس فضلاً عن محبته لركوب الدراجات، أما العلة الثانية فكانت لضيق ذات يده. لم يكن امتلاك صحفي الراديو لـ"العجلة" أمرًا يسيرًا "ادخرت من قوت يومي. قلصت من الطعام وشراء الملابس وحتى الخروجات كي أوفر المال"، ما كانت الظروف تحيده عن الهدف، كان واضحًا أمامه حتى النهاية "اشتريت الدراجة من أجل أفغانستان".

12

يقطع الشاب الأفغاني الساعات والكيلومترات حتى يلتقي من يعلمهم إجراءات الوضع المستجد، يذكر كم سار لأكثر من 50 كيلو مترًا بالدراجة كي يبلغ منطقة خوجياني -جنوب إقليم ننجرهار بالقرب من الحدود مع باكستان، ومنطقة صغيرة في شرق أفغانستان تدعى "أشين"، ترهق المسافات إدريس لهذا قرر أن يرافقه أكثر شخصين مؤثرين في حياته، وضع صورتهما على الصندوق، إحداهما لوالده إسحاق ننكيال الذي رحل عنه قبل 22 عامًا "كان واحد من الشعراء والكتاب الكبار في أفغانستان وترجمت قصائدة للغات عدة"، ورث إدريس عن أبيه عشق الوطن كما يقول، وأما الثانية لشاعر أفغاني يدعى "جول باشا ألفت"، يصفه بأنه أفضل كاتب للغة الباشتو، إحدى اللغات المتداولة في أفغانستان.

1314

بلغ إدريس بدراجته نحو ثلث أقاليم أفغانستان المقدرة بـ34 إقليمًا، توقف مؤخرًا عن الترحال، لم يعد لديه المزيد من المال، لكنه يسعى لاستكمال مسعاه بالبحث عن مصدر تمويل حتى يطرق باب كل قرية نائية في موطنه، ورغم تعطل الجولات لكن الشاب الأفغاني يشعر بالانتصار "الأن يمكن للكثير غسل أيديهم بطريقة صحيحة ويعرفون التباعد الاجتماعي ويتركون مسافات فيما بينهم". راهن إدريس قبل عامين على محبة الناس للعلم ومع أزمة "كورونا" تأكد أنه لن يبرح مكانه حتى يؤدي دوره في القضاء على المرض الأكبر "الجهل"، يعلم أنه رابح للرهان في كل نظرة امتنان من كبير وسعادة تطل من عين صغير بينما يخبره "أنا لن أنساك أبدًا".

15

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان