بـ"سوق إلكتروني" للمواشي.. أهالي أسيوط يواجهون كورونا
كتبت-إشراق أحمد:
مازال عاطف عبد الوهاب يتمسك بمبادرته، يتابع ورفاقه من أهالى عرب مطير –شرق أسيوط- الصفحة التي انشأوها على فيسبوك باسم "سوق المواشي"، لتكون بديل أمن لتجمع تجار الماشية في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، فيما يواصل الرجل الأربعيني الحديث أسبوعيًا لتوعية مَن يصروا على ممارسة البيع والشراء بالشكل المعتاد رغم قرار إغلاق الأسواق.
يسكن عبد الوهاب على بعد نحو 2 كيلو من سوق الماشية المعتاد إقامته قبل عامين. ليس لابن عرب مطير شأن بتجارة "المواشي"، لكن خشي من التجمع الذي يمتد لأربعة أيام أسبوعيًا ويفد إليه العشرات "السوق مفيهوش حاجة اسمها تباعد اجتماعي ولا تعقيم هينفع.. بيبقى ملحمة وميت خناقة بتحصل. لا حد ضامن اللي خارج ولا اللي داخل ولا اللي حتى بيعدي عليه".
إلى الآن لم يمنع قرار الإغلاق الرسمي لجميع الأسواق حركة البيع والشراء المعتادة كما يقول الرجل الأربعيني "مشيناهم طلعوا على الطريق بعدناهم مرة تانية اتجمعوا في مكان قرب المدافن مفيهوش سكان".
يجزم عبد الوهاب أنه كان يوميًا يحتك بأصحاب "المواشي" ويتصل بالنجدة لتفريق جمعهم، حتى حدث ما لم يكن بالبال حين أخبره أحد الأصدقاء "يعني الناس تعمل إيه.. أديك شايف الحال ما بين المرض وقطع العيش"، وجد تاجر المقاولات نفسه يرد منفعلاً "يا أخي ينزلوا حاجتهم على النت واللي عايز يتصل عليهم ويبيعوا ويشتروا"، حينها لمعت الفكرة في عقله، وتلقفها صديقه بالمزاح الذي تحول سريعًا لفعل؛ انشأ عبد الوهاب وصديقه صفحة على فيسبوك باسم "سوق المواشي بعرب مطير أسيوط".
خلال زمن قليل وجدا الرفيقان تفاعل غير متوقع، ورأى عبد الوهاب أنه ربما يكون بديل فّعال، وانضم إليه رفقة أخرى من شباب المدينة الصغيرة، خاصة مَن يجيدون التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح الصفحة منذ 12 إبريل المنصرف مجموعة مغلقة ينضم إليها الباعة والمشترين.
لا تتعدى مهمة المجموعة كونها منصة تتيح للبائع عرض بضاعته بالصور أو "الفيديو" مع وسيلة التواصل معه، وكذلك المشتري بإمكانه رؤية الماشية على الهاتف من مكانه، أو طلب شيء بعينه فيجد من يلبي حاجته خلال وقت قليل. في البداية توجس البعض من مبادرة عبد الوهاب ظنًا أنها بمقابل، وأخرين سخروا من فعله، لكن الرجل الأربعيني ورفاقه حرصوا على التأكيد أن الأمر تطوعي لتفادي المرض واستمرار الحياة "وأكل عيش" التجار خاصة البسطاء منهم بشكل آمن.
مع الوقت زادت شهرة "سوق المواشي" الإلكتروني، أصبح التجار يلمسون فاعليته بعد التفاعل عليه، حتى صاحب المبادرة اختبر التجربة بذاته؛ كان عبد الوهاب يملك ثلاثة رؤوس من الماشية، أراد عرضها للبيع فوضع صورها على المجموعة، وجد الرجل الأربعيني ما لم يعرفه قبلاً "بقيت عارف الأسعار والتعاملات عكس السوق كنت بغلب لما اشتري أو ابيع حاجة وكان ممكن يضحك عليا"، فيما باع ما لديه بسعر مرضي.
نحو ألفين متعاملاً مع الماشية يضمهم "السوق الإلكتروني"، وأصبح يديره فريق، يبلغ عدده 7 ما بين تجار وشباب من أهل المكان. يعتبر عبد الوهاب ذلك إنجازًا مع صعوبة الوسيلة بالنسبة للعديد "في ناس مكنتش تعرف فيسبوك ولا انترنت بقت تلجأ لولادها ومعارفها".
يقاوم الرجل الأربعيني الجهل بالمرض والتكنولوجيا في آن واحد، لهذا لا يجد حرجًا في القول إنه ترك مهمة إدارة المجموعة للأكثر منه خبرة في التعامل مع "فيسبوك"، وتولى هو المتابعة من ناحية والمقاومة على الأرض تارة أخرى "التجار كانوا بيجوا من الخميس بليل الساعة 12 قبل صباحية السوق ويفرشوا. كنت مع سكان تانية بنمنعهم"، مرة يفلح ومرات يخيبب فعله "في النهاية أنا واحدمالوش صفة ولو احتكيت مع التجار مش هيبقى عين العقل"، لهذا لا يكف عن الإبلاغ إن رأى مخالفة.
رغم حزن عبد الوهاب من استمرار تجمع بعض في إقامة "سوق المواشي" ومن ثم احتمالية انتشار "كورونا"، إلا أن أثر المبادرة لا يغيب عن صاحبها، يتذكر ما حدث في شهر رمضان المنصرف، حين مر عليه ورفقته أحد السكان، كان يحمل نعجتين على حماره، جاء لبيعها في السوق، لم يكن يعرف الشاب بأمر المبادرة، فاعلموه بها وساعدوه في تصوير بضاعته، ليتفاجأ عبد الوهاب صباح اليوم التالي باتصال من البائع البسيط يخبره في سعادة "مطلعش عليا النهار وكنت بايعهم"، بينما يزيد من سؤاله عن كيفية الإنضمام إلى فيسبوك والمجموعة.
مع اقتراب عيد الأضحى، يزيد عدد المنضمين والمنشورات على المجموعة كما يقول عبد الوهاب، يسعد الرجل الأربعيني كلما وجد تفاعل على "السوق الإلكتروني"، يقوى إيمانه بأن فعل بسيط بإمكانه إحداث تغيير، يتجاوز صعوبة تقبل البعض للفكرة بينما يرى المبادرة تنتقل إلى سوهاج، فيما يوقن بأنه ربما أصبح بيع وشراء الماشية "أون لاين" فعلاً معتادًا بعد زوال "كورونا".
فيديو قد يعجبك: