كوميديانات مصر (2)- سحر كامل.. نجمة المشهد الواحد (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
لحظات قبل تصوير المشهد الافتتاحي لشخصية "اللمبي" في فيلم "الناظر" المخرج الكبير شريف عرفة يتابع التجهيزات الأخيرة، هو مشهد بسيط لفرح شعبي لكنه يحمل الكثير من الضحك، أبطاله ينتظرون سماع "الأكشن" محمد سعد ربما يخفق قلبه من شدة القلق، لا يرغب في ضياع تلك الفُرصة، علاء ولي الدين رفقة أحمد حلمي حفظا أدوارهما جيدًا، يحمل الأول في جيبه ورقة "شهادة وفاة بابا يا لمبي"، ويحتفظ الثاني بابتسامة "عاطف" الساذجة، بينما تجلس في "الكُوشة" فنانة ثلاثينية ترتدي فستان أبيض ممسكة بطبق ممتلىء بالسجائر تستعد لأداء مشهد وحيد بالفيلم منحته الكثير من الخفة والبهجة ليتحول إلى أحد أيقونات الفيلم الشهير، ويُشيد بها "عرفة" بعد نهاية التصوير "سحر كامل ممثلة هايلة".
على مدار تاريخ السينما المصرية، وقف الآلاف أمام الكاميرا، لكن الجمهور لم يكن يقبل سوى القليل، وكانت "سحر" من أصحاب القبول، رغم مشاهدها البسيطة وظهورها على فترات متقطعة منذ فيلمها الأول التلفزيوني "دعوة إلى الزواج" عام 1983 من بطولة مديحة كامل ويحيى الفخراني ومن إخراج ناجي أنجلو، الذي اختارها في أحد مشاهد العمل بدور صامت "كنت في ثانوية عامة، شافني وقالي تحبي تمثلي؟" رغم كونها خطوة صغيرة في عالم الفن، لكنها اضطرت لدخول معركة كبيرة داخل بيتها، لرفض أسرتها خوض التجربة، حاولت الضغط عليهما من أجل الموافقة حتى رضخوا في النهاية بشرط الذهاب معها إلى الاستديو "فاكرة وقتها الفنان أبوبكر عزت قالي ما كنتي تجيبي الشارع كله معاكي" قالها مازحًا.
مضت سنوات بعد تلك الواقعة دون جديد، تتابع "سحر" أخبار الفن والسينما والمسرح بنهم لكن لا وجود لفرص حقيقية، خاصة بعد استكمال دراستها في كلية تجارة عين شمس ثم زواجها سريعًا، غير أنها حاولت إقناع الزوج بالتحاقها بمسرح الثقافة الشعبية، وافق على مضض "عملت أدوار كتيرة في أعمال زي زقاق المدق، ومسرحية مع الفنان علي الحجار" من يغوص فيما يُحب لا يمكنه الابتعاد وهو ما شعرت به الفنانة الصاعدة حينها، يوما بعد يوما تسعى لإيجاد فُرص أكبر حتى أتت المشاركة في مسرحية عفروتو عام 1999.
لأكثر من 3 ساعات يستمتع الجمهور بعدد كبير من النجوم، الفنان القدير "حسن حسني" رفقة "هنيدي" و"السقا" و"منى زكي" و"هاني رمزي"، أين تذهب "سحر" بين هؤلاء؟ لكنها كعادتها تُظهر أفضل ما عندها رغم حجم الدور الصغير، تعلو الضحكات من "الصالة" من "دويتو" سريع صنعته مع السقا في الفصل الثالث، وهو ما لفت الانتباه إليها حتى حصلت على دورها في "الناظر" الذي تألقت فيه لتُرشح إلى مشهد في فيلم "جاءنا البيان التالي" مع المخرج سعيد حامد.
يُطلب منها الظهور كصاحبة بيت للدعارة تستقبل الزبائن وتواجه الشرطة حينما يتم القبض عليهم، تبدو الشخصية مُكررة وهو ما يُحفزها لإطلاق سحرها الخاص التي تضفيه على أدوارها "بضحك اللي قدامي بإني أعمل الحاجة بتلقائية، ممثلش أبدًا قدام الكاميرا، أكون طبيعية ودا بيوصل للناس" تُقدم ثنائي لا يُنسى مع "هنيدي" عندما تصطحبها الشرطة خارج بيتها فتصيح "فيه إيه دانا نايمة لوحدي" لُيزيدها من حلاوة الإفيه "يعني كنتي نايمة في بيت الطلبة؟" مشاهدها تحمل بصمة خاصة تحفظها من الاندثار أو النسيان رغم زحام الأعمال وندرة الظهور، وهو ما فعلته مرة ثانية مع "هنيدي" بعد 5 سنوات في "وش إجرام".
يمكن أن تضع جملة "اديني الحقنة بسرعة" على محرك البحث "جوجل" أو مواقع التواصل الاجتماعي لتكتشف مئات من "الكوميكس" على هذا المشهد البسيط الذي تطالب فيه "هنيدي" بمنحها الحقنة لأنها "محتاجة الجرعة بسرعة" كأنها تستعيد في أدوارها مشاهد مشابهة في تاريخ السينما المصرية أو الفنانة المُفضلة لديها "زينات صدقي" إذ تراها تتميز عن باقي الفنانات بالتلقائية الشديدة أمام الكاميرا "نفسي أعمل شغل زيها، المساحات اللي كانت بتقدمها" فيما تشعر بالامتنان لـ "هنيدي" الذي أعطاها دائمًا التقدير في أعماله.
لأكثر من 70 عملا، صنعت "سحر" أسطورتها، نجمة المشهد الواحد والمساحات الصغيرة، في دقائق تصل إلى القلوب، تُقن الجمهور بشخصيتها رغم كلماتها المحدودة، تتفوه بكلمات تبدو عابرة لكنها "تهَلك" من الضحك"، تتلاعب بتعبيرات وجهها فترسم البسمة على الجميع، وهو ما أثنى عليه الفنان الكبير عادل إمام في فيم "حسن ومرقص" خلال عمل بروفة لمشهدها "حلو دا هنثبت الريأكشانات دي معانا في المشهد" وهو ما تعتبره شهادة كبيرة في حقها من زعيم الكوميديا بمصر.
بعد أكثر من 30 عاما على دخولها عالم الفن، ماتزال "سحر" تُجيد ما تفعله وتتمنى أن تصل إلى ما هو أبعد "أدوار أكتر بشخصيات مختلفة عن اللي عملتها قبل كدا" أعطت لشخصياتها الكثير من الجهد والتفاني والموهبة فعادت إليها بالنجاح والشهرة "الناس متعرفش اسمي يمكن لكن لما يشوفوني بيحبوا يتصوروا معايا" تعتبر التمثيل هواية تنهمك فيها بسعادة بالغة، ترغب أن تستمر تلك الحالة ولا تتوقف أبدًا، مثل والدها المهندس المعماري الذي كان يلجأ إلى العود كلما شعر بالحزن لتتجدد الأفراح في قلبه، تلك الوصفة سر القبول الذي حصلت عليه من الجمهور.
فيديو قد يعجبك: