"خوف رايح جاي".. حكايات أبطال الثانوية العامة في عهد كورونا
كتبت- إشراق أحمد ودعاء الفولي:
تصوير-فريد قطب:
قبل بدء الامتحانات قررت آية عطا أن تؤدي ما عليها من مذاكرة وتبعد عنها أي ضغوط، استعدت طالبة الثانوية العامة بخطوات للتكيف مع الأوضاع الاستثنائية، بدأتها بالمعرفة، فحين ذهبت للحصول على رقم الجلوس من مدرستها، سألت عن الإجراءات المتخذة "عرفت أن في اللجنة 10 بنات ما بينا مسافة وهنتعقم لما ندخل المدرسة وهناخد كمامات وجوانتي"، خفف ما سمعته آية بعض الشيء من رهبتها.
بدأت آية اليوم اختبارات الثانوية العامة، الممتدة على مدار شهر، يغالب الفتاة وآخرون الخوف، إذ يأتي ذلك العام حاملاً معه فيروس كورونا المستجد، يدور القلق بين الطُلاب، أولياء الأمور، المراقبين والمدرسين، يحاول الجميع الالتزام بالإجراءات الوقائية، ينتظرون مرور الأيام على خير، دون سوء يُصيب محبيهم.
إلى جانب خطة المذاكرة، وضعت آية تفاصيل تقلل من التوتر؛ اتفقت طالبة شعبة الأدبي مع صديقاتها على استقبال "المارثون" السنوي بالإفطار سويًا، واجتمعن على نهج لن يفارقوه طيلة أيام الامتحانات "بعد ما نخرج من اللجنة مش هنراجع اللي حلناه هنركز في المادة اللي بعدها".
خلاف طلاب الثانوية العامة، يمتحن محمود إبراهيم ثلاثة أيام في الأسبوع وليس يومًا واحدًا، كونه طالبًا أزهريًا يزيد عليه أعباء الدراسة والامتحانات التي يواصلها حتى 6 أغسطس المقبل، لكن محمود استغل الفترة الأخيرة في تهيئة نفسه للأوضاع الجارية، ليس بالمذاكرة وحدها، فرض عليه "كورونا" الاستعداد بالتدريب على الإجراء المستجد "كنت بلبس الكمامة لفترة وأنا قاعد في البيت عشان أتعود عليها 3 ساعات وقت الامتحان".
تابع الطالب الأزهري الأخبار من حوله طيلة الشهور الماضية، كاد أن يصيبه تصاعد أرقام الإصابات والوفيات بشيء من الخوف، خاصة وأن المرض ليس بعيد عن قريته التابعة لمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية، إلا أنه تراجع، اختلى بنفسه ذات يوم واستعاد ما مر به من صعاب "في الإعدادية والدي توفى قبل أسبوع من الامتحانات"، تحدى محمود نفسه حينها، وأصر على النجاح وكان الأول بين زملائه، يتذكر طالب الشعبة العلمية ذلك بينما يضع حلمه نصب عينيه "إن شاء الله أشرف أهلي وأدخل طب".
اليوم هو الاختبار الحقيقي لزينب أبو يزيد مع قلق الثانوية العامة، لثلاث ساعات لم يهدأ للأم بال حتى اطمأنت. تغادر ابنتها ندى المنزل للمرة الأولى منذ توقفت الدراسة في مارس المنصرف "كنا قلقانين ومكنش في حاجة تنزل لها"، فيما شاءت الظروف أن تزيد استثنائية "هتمتحن في مدرسة في كفر الشيخ مش في مدرستها. يعني حوالي ساعة من البيت"، جاء تنفيذ القرار على الدفعة الحالية بعد حالات من الغش وقعت العام الماضي، كانت مدرسة الطالبة بالقرب من مسكنها "لو بصيت من البلكونة كان ممكن اشوفها وأطمن عليها دلوقت هافضل كل يوم في قلق".
اضطرت أسرة الطالبة أن تتحمل عناء التخفيف عنها، غامرت الأم بإحضار بعض المدرسين إلى المنزل في الفترة الأخيرة لمراجعة المنهج، بينما يتكفل الأب بتوصيلها أيام الامتحانات من مكان إقامتهم في مدينة بيّلا –جنوب شرق كفر الشيخ- إلى لجنة الامتحان بوسط المحافظة، يقطعان نحو الساعة، ثم ينتظرها في السيارة حتى تنتهي ليعودا معًا.
اضطت أسرة الطالبة أن تتحمل عناء التخفيف عنها، غامرت الأم بإحضار بعض المدرسين إلى المنزل في الفترة الأخيرة لمراجعة المنهج، بينما يتكفل الأب بتوصيلها أيام الامتحانات من مكان إقامتهم في مدينة بيّلا –جنوب شرق كفر الشيخ- إلى لجنة الامتحان بوسط المحافظة، يقطعان نحو الساعة، ثم ينتظرها في السيارة حتى تنتهي ليعودا معًا.
قبل الذهاب إلى الامتحان، أعادت زينب وصيتها لندى بأن تبقى الكمامة على وجهها، وتلزم إجراءات الوقاية باستخدام الكحول، ودت الأم لو صحبت ابنتها في تلك الرحلة، لكن اتقاءً للتجمعات المحتملة، فضل الأبوان أن يذهب إحداهما فقط، تمنت زينب لو امتحنت ابنتها في المدرسة المجاورة "كان هيبقى في ونس. أطلع أطل عليها لكن دلوقت هي رايحة مدرسة غريبة. صحيح قالوا أنهم واخدين احتياطاتهم كويس. لكن برضه مش عارفين ايه اللي بيحصل وفي وقت صعب زي ده".
لم تكن الأشهر الماضية يسيرة أيضا على أحمد هشام، عانى طالب الصف الثالث الثانوي من تخبط المذاكرة "مكنتش مستعد نفسيًا لفكرة الدروس الأونلاين"، يتذكر المرات الأولى لجلوسه أمام موقع يوتيوب يُتابع درس التاريخ "بقيت حاسس إن المستر بيشرح لنفسه، ولو حد عايز يسأل على حاجة مش بيعرف"، كانت الضغوط كبيرة على طالب شعبة الأدبي، لم يسعفه الوقت لمراجعة المناهج بشكل جيد ويعتريه الخوف من الذهاب للاختبارات "بس مستحيل أفكر في التأجيل".
لا قدرة لهشام لإعادة تفاصيل ذلك العام مرة أخرى، لذا منذ عدة أيام استعد لامتحانات الثانوية العامة، جهز عُدة الوقاية "الكمامة والجوانتي والكحول والأدوات الشخصية بتاعتي"، استمع لنصائح أهل بيته وأساتذته بالحرص على التباعد الاجتماعي "بس للأسف دا مش سهل أوي"، فعندما تحدث الشاب لأصدقائه لتوعيتهم "بعضهم اتريق وقالوا احنا ما بنصدق نشوف بعض"، ليقرر النأي بنفسه عنهم قدر المستطاع.
يقطن هشام في منطقة الهرم "بس المدرسة اللي همتحن فيها في المهندسين"، كانت تلك فرصة جيدة كل عام ليخرج مع أصدقائه "نغير جو شوية بعد الامتحان"، بينما ذلك العام ستحرص أخته الأكبر على توصيله واصطحابه من المدرسة، كي تقل نسبة احتكاكه بالأخرين "وبرضه المدرسين بيطمنونا".
ذلك ما تحاول جيهان إسماعيل عمله، تهون الأمر على الطلاب وأولياء الأمور، فيما لم تتخلف مُدرسة اللغة العربية عن مراقبة لجان الثانوية العامة، ورغم اختلاف الوضع ذلك العام، لكنها لم تفقد ثباتها "كل شيء بإرادة ربنا، مش هوقف شغلي عشان حاجة مش مضمون تحصل أو لأ".
لا تُنكر جيهان قلق أسرتها "بس إحنا بطبعنا بنسلمها لله وبنتأقلم"، فخروج السيدة للمراقبة لن يكون المرة الأولى، خلال الأيام الماضية زارت مدرستها عدة مرات "لأن الطب الوقائي جم وعملولنا توعية إزاي نتعامل ونحافظ على نفسنا وعلى الطلبة".
لم تخرج تلك النصائح عن الإرشادات العامة، عن التباعد الاجتماعي لنظافة الأيدي وارتداء الكمامات "وبرضو نراقب الطلاب ونحاول نوعيهم طول الوقت مش بس أثناء الامتحان".
بعض المدرسين الذين تعرفهم جيهان فضلوا الحصول على إجازة، خوفًا على حيواتهم وأسرهم "مش بلومهم، بس في نفس الوقت دول ولادنا وأنا ممكن يكون ابني في لجنة من اللجان، هنسيبهم لمين؟".
ما بين توتر الطلاب وخوف أولياء الأمور والمُدرسين، جاء استعداد عمر طاهر وفريق مبادرة "ثانوية حلوة"مواكبًا للظروف. منذ 2015 ويعمل طالب كلية الهندسة على مساعدة الملتحقين بالثانوية العامة، وتغيير الصورة الذهنية عن تلك المرحلة. هذا العام صار على عمر ورفاقه تقديم دعمًا نفسيًا أكبر، ألزمهم ذلك القراءة عن الفيروس المستجد وكيفية الوقاية منه، واستشارة المختصين "اتصلت بدكتور نفسي عشان نقدر نفهم إزاي نتعامل في الظروف دي اللي هي في العادي بيكون الطالب فيها متوتر".
تغيرت تجهيزات فريق "ثانوية حلوة"، حولوا مجهودهم المادي والمعنوي الذي كانوا يقومون به في تلك الفترات "على الأرض" إلى الإنترنت "كنا بنعمل فاعليات لتشجيع الطلاب قبل الامتحانات بقينا نحط التكلفة في الدفع على فيسبوك لنشر فيديو توعية عشان يشوفه أكبر عدد"، كذلك توسع عدد المتطوعين، فأصبح هناك فريق في كل محافظة بعدما كان الأمر مقتصرًا على مجموعة في القاهرة.
زاد التواصل مع فريق "ثانوية حلوة" من الطلاب وأولياء أمورهم، أصبحوا يستقبلون أسئلة لم يعرفوها من قبل "في طلبة كانت بتبعت لنا أنها عايزة تنتحر أو عايزة تأجل السنة وعايزانا ناخد لها القرار". دفعت الأوضاع عمر وفريق المتطوعين للتعامل بحكمة أكبر مما مضى؛ أخذوا يستمعون أكثر للطلاب، يساعدونهم في المذاكرة "بقينا نعمل معاهم جداول يمشوا عليها عشان نخفف عنهم التوتر"، أصبحوا يبدلون حديثهم عن "كورونا" إلى التركيز عن المنهج.
كل عام، وقبل امتحانات الثانوية العامة بفترة، يتم اختيار المراقبين الموجودين في اللجان، وإرسال استدعاء لهم عبر الإدارات المختلفة، اعتاد محمد صبحي، مُدرس التربية الرياضية بمحافظة كفر الشيخ تلقي خطاب في تلك الفترة "بقالي عشر سنين بروح مراقبة"، يكمن دوره في تفتيش الطُلاب ومتابعة عملية دخولهم وخروجهم من اللجان، لكن ذلك العام كان مختلفا "مجاليش جواب".
قبل عدة أسابيع استعد صبحي للمراقبة "جبت الكمامات وقعدت أدور كتير على الفيس شيلد عشان استخدمه"، حينما علم المُدرس الأربعيني بعدم ذهاب للمراقبة "بقيت أهدى شوية"، لكن ذلك لم يمنع نزوله المدرسة خلال الفترة الماضية بشكل شبه يومي، إذ يشرف على إجراءات التعقيم وتركيب البوابات التي تكشف ارتفاع الحرارة وغيرها "وكنت في المدرسة بستلم الأبحاث ومتابع مع الطلاب".
يعترف الأب لثلاثة أبناء قلقه من الخروج "بس دا شغلنا وأكل عيشنا..معندناش اختيارات تانية".
على مدار 30 عامًا، مر بهاء الشرنوبي، مُعلم الرياضيات بالكثير "يمكن أكتر حاجة شبيهة بالسنة دي حصلت كانت ساعة إنفلونزا الخنازير". راقب المُعلم المقيم في كفر الشيخ امتحانات الثانوية لأكثر من عشرين عامًا، فيما عمل مُصححًا أيضا، يتذكر عام 2009 جيدًا عندما استشرت إنفلونزا الخنازير "وقتها الدراسة وقفت كام أسبوع بس ورجعنا وبرضو كنا واخدين إجراءات احتياطية واحنا بنصحح".
هذه الإجراءات مماثلة لحال اليوم "الكمامات ونضافة الأيدي والتباعد"، إلا أن تلك المرة الإرشادات أشد، بالنسبة للشرنوبي كان التصحيح فرصة جيدة للتعرف على زملاء المهنة من محافظات أخرى "لأني بيتم انتدابي للإسكندرية عشان مصححش في كفر الشيخ"، يتذكر المُدرس الخمسيني جلسات الحكي مع المعلمين في أوقات الراحة وتبادل الخبرات، يحكي عن شكل التصحيح "كنا بنقعد اربع ترابيزات في الفصل الواحد، كل ترابيزة عليها 11 مدرس"، موقنًا أن ذلك العدد سينخفض للنصف في العام الجاري.
12 يوليو القادم سيتجه الشرنوبي للإسكندرية لبدء تصحيح مادة الرياضيات بصورها المختلفة، لا يُفكر المعلم كثيرًا في ما يمكن حدوثه "انا ممكن أتصاب وأنا رايح أجيب خضار من السوق، المكان مش بيفرق فالواحد يعمل اللي عليه وخلاص"، يقابل المُعلم المخضرم خوف الطلاب بتحفيزهم، فيما يقول لمن يخبرونه عن رغبتهم في التأجيل "لو ذاكرتوا كويس مش هتحبوا أبدا تأجلوا وتعيدوا التعب دا كله من أول وجديد".
فيديو قد يعجبك: