المسجد "بيت" وصُحبة.. عودة أكبر مركز إسلامي في "فينيكس" الأمريكية

06:55 م الثلاثاء 23 يونيو 2020

افتتاح أكبر مركز إسلامي في فينيكس الأمريكية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

كان الشوق يملأ العيون، والوجوه يكسوها فرحة لم يشهدها الشيخ محمود سُليمان من قبل، منذ أصبح إمام أكبر مركز إسلامي في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية عام 2002 "كأنه عُرس، أقبلت الجالية الإسلامية على المكان بعدما تم افتتاحه"، وسط إجراءات احترازية مُشددة اتخذتها إدارة المركز، لاسيما أن الولاية تصنف ضمن الأعلى من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد "لآن المركز بالنسبة للجالية ليس مجرد مكانًا للصلاة، ولكن بيت وصُحبة ومتنفس في الغربة".

بدأت رحلة الشيخ المصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل 18 عامًا، تولى إدارة مسجد صغير في المدينة الأمريكية، لكن ما لبث وأن قام بتوسعته حتى صار أكبر مركز إسلامي في "فينيكس" يتسع لقرابة ألف شخصًا للصلاة، فيما يوجد دور ثاني للسيدات ويستقبل حتى خمسمائة سيدة، فيما اعتنى بالساحة الخارجية ووضع لها مظلات من العريش "لأن هنا الطقس شديد الحرارة"، وبدأت الصلاة في المركز بعد توسعته عام 2010، ومن وقتها وصار قِبلة للمسلمين في المنطقة للصلاة وأيضًا لتلقي الدروس المختلفة.

مع تصاعد وتيرة الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية بـ"كوفيد-19"، اتخذ الشيخ محمود سليمان قراره، أغلق المسجد تمامًا وأوقف كل الأنشطة التي تجري بداخله "لم أكن أذهب إلى المكان رغم شدة تعلقي به، لكنني فضلت المصلحة العامة على الرغبات الشخصية، وحماية أرواح الجالية أهم لدي"، نشر بيان على حسابات المركز بمواقع التواصل الاجتماعي "بشكل نصي ومكتوب، ناشدنا الجميع باتخاذ حذرهم لأن الوضع خطير"، فيما استمر بإلقاء خُطبة كل يوم سبت عبر المنصات الإلكترونية.

كانت أبواب المركز مُغلقة من كافة الجهات، مُنع دخول السيارات الساحة، أزال مؤسس المكان المفتاح "كنا نضعه في صندوق يعرفه الجالية"، مرت تلك الفترة بمرارة على الشيخ المصري وكذلك الجالية، لكن أقسى ما كان بها "حينما أتى يوم الجمعة ونسيت أن أُردد الأوراد الخاصة به، وهي أوراد وبروتوكول أقوم به منذ كنت شيخًا شابًا، لكن لأن الأيام كانت تشبه بعضها في العُزلة نسيت أنه يوم الجمعة حتى"، شعر قلبه بالأسى وانتابه الغضب "تحسرت كثيرًا على ما حدث، لكن صبرت نفسي بأن لنا عودة".

بعد مرور ثلاثة أسابيع كان الوضع يزداد سوءًا، لكن حاكم الولاية خرج في بيان وأعلن عن عزم الولاية التعايش مع الوضع "ما قاله وقتها بالإنجليزية سمعته باللهجة المصرية: هنفتح تدريجي وزي ما تيجي تيجي". لم تكن هناك مؤشرات لانصلاح الوضع قريبًا، لذا قرر إمام المركز بالعودة مرة أخرى، لكن مع وضع شروط أكثر صرامة من شروط المدينة نفسها.

في منتصف شهر رمضان الماضي، درس الشيخ المصري الوضع جيدًا "سألنا الأطباء عن الإجراءات، وكان في صالحنا أن المسجد بعد التوسعة مساحته واسعة لذا يُمكن تطبيق مسافات بين كل مُصلي والآخر، كذلك يوجد ساحة بالخارج آمنة"، بعدها فتح المركز أبوابه مجددًا "لكن في البداية استقدمت شركة تطهير وقامت بتعقيم المسجد من كل جانب"، نشر بيانًا على حسابات المركز بالتعليمات الوقائية الجديدة وأولها طلب من المرضى حتى وإن لم يكن مُصاب بكورونا أن يلزم منزله "خصوصًا من يُعاني من وسواس الخوف".

فيما كان هناك تعليمات أخرى مثل التزام الجميع بإحضار سجادة للصلاة خاصة به والمعقمات وحين تنتهي الصلاة ينصرف سريعًا من المكان وألا يُقام أي اجتماع في المكان "وضعنا خطة أيضًا لم لم يلتزم بجلب سجادة خاصة، وقطعنا كرتون لاستخدامه"، لكن من يستخدمه مسئول عن التخلص منه بإلقائه بسلة المهملات خارج المركز".

انتظمت الصلاة في المركز مع اتباع التعليمات "ولولا تعاون الناس هنا مع الإجراءات لكنت أغلقت المركز مرة أخرى"، تفاوت عدد المُقبلين على المسجد، البعض انصرف عن الذهاب بسبب الخوف، لكن أول أيام العيد كان العدد كبيرًا، لذا استلزم من الشيخ محمود سليمان اتخاذ سبيل آخر "تم تقسيم الجالية على 4 فرق، وصلينا صلاة العيد أربع مرات حتى نستطيع إحداث تباعد اجتماعي".

صار للشيخ المصري مسئولية جديدة خلال وجوده على المنبر، إذ يراقب بعينيه الجالسين ومدى التزامهم بالتعليمات، وإذا انتبه إلى أحدهم لا يتخذ مسافة كافية بين مجاوره "أشير إلى المتطوعين في المركز لكي يحذرونه، وأحيانًا أقوم أنا بهذا الدور وأقول له من على المنبر"، فيما يواجه أوقات صعوبة مع الأمر "البعض يعتبر مادام برفقة أخيه ومن نفس المنزل فمن الطبيعي أن يتقاربوا في المركز، لكني أرفض ذلك مهما كانت درجة القرابة حرصًا على حياة الباقيين".

لم يعد المركز الإسلامي بكافة أنشطته على الأرض، آثر الشيخ محمود سليمان على إبقاء بعضها على الإنترنت لصعوبة تطبيق التباعد الاجتماعي، مثل حلقات الدرس التي كان يعطيها عقب صلاة المغرب يوم الجمعة، رغم ما يعرف من أهميتها لدى الجالية "لها مكانة خاصة في قلوبنا لأن في التقارب والاستماع لبعضنا، ويكون هناك أطفال يلهون في المكان، وتُعد مكان للالتقاء يأتي إلى المسجد الناس في أبهى حُلة بالجلباب الأبيض المُعطّر، لكن خشيت أن تكون فرصة للاختلاط":.

كذلك يضم المركز مدرسة لتعليم الأطفال قراءة القرآن بعد صلاة العصر ثلاث مرات أسبوعيًا، وتعليم الكبار غير الناطقين بالعربية والمسلمين الجدد "هناك إمام مصري هو المشرف على كل تلك الأعمال، لكنه يقوم بهذا الدور أيضًا عبر الإنترنت".

رغم الأجواء القاتمة، إلا أن الشيخ محمود ينظر لها بعين الرضا، يلتمس بعض الإيجابيات التي حدثت رغم الأزمة، زاد عدد مُتابعي جلسات الجمعة "في السابق كان يحضر للمسجد حوالي مائة شخص، أما حاليًا يحضرها أونلاين قرابة مائتي"، في الوقت نفسه استمر المركز بتقديم بعد الأنشطة، لكنها لا تستقيم دون لقاء، مثل توزيع كل شهر مواد غذائية على الجالية، لكن بعد الجائحة صار الأمر أسبوعيًا بعدما شارك المركز في برنامج حكومي لإمداد المكان بالوجبات "وتحضر قوات من الأمن لتنظيم الأمر حرصًا على التباعد".

لكن ثمة تفاصيل لا يعوضها اللقاء الإلكتروني، أو حتى مع إعادة فتح المركز، يشتاق الشيخ محمود لأحضان الأطفال بعد الدروس، يذكر حينما كان المركز مُغلقًا وأصابه بعض الإعياء "كان الأطفال زعلانين ويخبرون أمهاتهن بأنهم "عاوزين يشوفوا عمو الشيخ"، لكنه كان يرفض، كذلك يتذكر حين عاد أحدهم من السفر من ولاية أخرى وهرول تجاهه في لهفة "كنت مشتاق مثله، لكني أومأت قبل أن يقترب برأسي ليفهم أن ذلك غير مسموح حرصًا على سلامتنا".

فيما بلغت إصابات الولايات المتحدة الأمريكية مليونين إصابة بفيروس كورونا المستجد، وسط مخاوف من موجة ثانية، تقام الصلوات الخمس في المركز الإسلامي بمدينة فينيكس في ولاية أريزونا، يُعاود كل أسبوع الشيخ محمود سليمان التعليمات الوقائية، قل عدد المصلين قليلًا بسبب المخاوف، غير أن مؤسس المركز وإمامه يلتزم بكل الإجراءات الاحترازية، يُعقم المكان باستمرار، فيما يحرص على إلقاء خُطب تمس مستمعيها بالسكينة، فيما يدعو بزوال النائبة، وأن يعم السلام العالم قريبًا.