"ونس في بلاد الغربة".. حكايات العرب مع فتح المساجد في أمريكا
كتبت-دعاء الفولي:
مازال أبناء آلاء مطاوع يسألونها يوميا عن المسجد، ينتظر إبراهيم ذو العشر سنوات العودة له، يفتقد القرآن وصلاة الجماعة واللعب مع أصدقائه، تُشاركه الأم الفلسطينية الافتقاد، فطالما كان المسجد مكانا تركن إليه عائلتها، ليس فقط لممارسة الشعائر، بل للقاء الأحبة وتكوين صداقات جديدة، ذهابها إليه بشكل دائم، هو ما هوّن غُربتها داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش فيها منذ عشرة أعوام.
تُقيم الأم لطفلين في مدينة هيوستن بولاية تكساس، حولهم عدة مساجد، لكن الأقرب لها هو "ماس كيتي" الذي يقع على بُعد أقل من نصف ساعة بالسيارة، كان إغلاقه في مارس الماضي بسبب كورونا أمرا جللا، حاولت الأسرة التأقلم معه، وحينما تم فتح المساجد قبل حوالي شهر، تهللت أسارير آلاء "رغم إنه مو مسموح لنا كسيدات أو أطفال نروح لكن زوجي فرح كتير"، اعتاد الأب الذهاب للمسجد بشكل دائم "ولما اتقفلت كأنه شيء اتنزع من روحه".
مسجد "ماس كيتي" ليس للصلاة فقط، يشبه معظم مساجد الولايات المتحدة الأمريكية، يضم الكثير من الأنشطة لرواده، بداية من الشعائر والحلقات والدروس، مرورا بالأعمال الخيرية وحتى الأنشطة الترفيهية للأطفال والأمهات والآباء، كان ذلك ما عرفته لبنى سيد بمجرد وصولها لمدينة هيوستن قبل 3 أعوام "لما أي حد بيروح جديد أول حاجة بيسأل المسجد اللي هنا فين؟، ولا كأنه مسجد الرسول"، تقول السيدة المصرية.
حينما تم إغلاق "ماس كيتي" تغيرت خطط الأسرة المصرية، فقد اعتادت لبنى الذهاب 3 مرات أسبوعيا، ليس كمؤدية للشعائر فقط، بل لتساعد الآخرين في عمل أنشطة مختلفة، سرعان ما اندمجت الأم الثلاثينية هُناك "المسجد بيدي فرصة إنه لما نعوز نعمل نشاط نبلغهم ونبدأ فيه"، أقامت عدة أشياء، بين حلقة قرآن للصغيرات، وحتى تنظيم بعض الأعمال الخيرية، وورش للفنون اليدوية والرسم للأطفال "كنت بستمتع جدا بالحالة دي وانا شايفة الأطفال بيحبوا المسجد وبيحبوا يروحوه ومش خايفين منه"، انتقلت تلك الحالة لابنتها تسنيم صاحبة الأحد عشر عاما.
داخل المسجد تعرّفت تسنيم على أصدقاء جدد، انضمت لفريق الكشافة الذي يساعد في الأعمال التطوعية "زي مثلا إننا نغير السجاد بتاع المسجد أو ننضفه بشكل دايم" كما تقول الفتاة، فيما أحبّت كذلك ممارسة الشعائر رفقة الآخرين "دا كان بيخليني مبسوطة أكتر من إني أصلي لوحدي"، فيما خاب أملها بعد الغلق، حاولت كالآخرين البحث عن بدائل "بقينا نتقابل أونلاين كلنا في الكشافة ونحكي سوا ونحضر حلقات لحد ما نرجع".
حينما سمعت تسنيم بعودة المساجد "كنت مبسوطة بس احنا مش بنروح للأسف"، فقد وضعت الدولة شروطا واضحة للفتح، أهمها عدم وجود أطفال تحت الخمسة عشر عاما أو كبار في السن، ومنع ذهاب السيدات، لكن الفتاة المصرية استعادت جزء من حماسها خلال ذلك الشهر "عشان روحنا مرتين ونضفنا المسجد بس مش كل أصحابي يعني كل اتنين تلاتة بيروحوا بس".
ولد إبراهيم في الولايات المتحدة الأمريكية، المسجد بالنسبة له فضاء فسيح لممارسة هواياته، بين كرة القدم، أو ممارسة الرياضة في أماكن مخصصة، لذا ينتظر صاحب العشرة أعوام فرصة العودة لـ"ماس كيتي" مرة أخرى، وضع خطة مع والدته آلاء ليفعلها بعد العودة "هيصلي ركعتين وبعدين يقرأ شوية قرآن ويجري على صحابه" تقول الأم الفلسطينية.
ليست آلاء فقط من لديها ذكريات مع بيوت الله، فعندما وصلت ليلى جاد الله إلى إقليم نيو إنجلاند قبل 3 أعوام كان المسجد رفيقها في وحدتها "جيت استقريت مع ابني وبنتي هنا"، انشغال الأبناء في حياتهم اليومية جعلها تكوّن صداقات في الجامع، كانت الأم تذهب 3 مرات أسبوعيا على الأقل، تقضي الوقت بين حلقات الدراسة والتعرف على الآخرين.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فالمسجد كان يوفر ندوات توعية للحضور في كل المجالات "يعني مثلا بيجيبوا طبيب يتكلم عن الصحة أو حد بتاع علم نفس وغيرهم"، شعرت الأستاذة الجامعية سابقا أنها جزء من مجتمع مختلف "وفيه جنسيات كتير مش بس عرب ودا شيء جميل جدا وكله بيحاول يساعد".
مع أواخر رمضان الماضي تم فتح بعض المساجد في الولايات المتحدة الأمريكية، مع توفير إجراءات احترازية منها إحضار سجادة الصلاة وإدخال عدد محدود، فيما ظلت مساجد أخرى مُغلقة "متهيألي الموضوع راجع للي مسئولين عن المسجد" تحكي آلاء، فيما تسترجع تفاصيل الشهر الكريم هذا العام "كان تقيل كتير علينا، حياتنا كانت كلها داخل المسجد في رمضان، إفطار وساعات سحور وغيره"، حاولت الاستعاضة عن ذلك باللقاءات عبر الإنترنت "بس الصُحبة طعمها كتير حلو"، حافظت السيدة على بضعة عادات لتهون على أسرتها فترة كورونا العصيبة، أهمها خروج العائلة يوميا للمشي لمدة ساعة على الأقل، مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي.
حاولت ميسلون حسن أيضا وضع نظام صارم، لتعوض عدم وجود المسجد. دأبت الفلسطينية التي تعيش بولاية كاليفورنيا على دروس الفقه بأيام مُحددة سلفا، لم تشعر بفقد كبير فيما يتعلق بالعلم، لكن روح "اللمة" لم تعد موجودة، فُتح مسجدان بجانبها ولم يُفتح الثالث بعد "لكن في جميع الأحوال انا ممنوعة من الزيارة لأنه السيدات والأطفال ما فيهم يروحوا"، تنظر الأم بشغف نحو إعادة الفتح الكاملة، إلا أن القلق يمر بعقلها بسبب فيروس كورونا المستجد، فلم تتخذ قرار صارم إذا ما كانت ستنزل المسجد عندما تُتاح الفرصة أم لا.
"أمريكا لينا كمسلمين هي المسجد، حياتنا تقريبا غير الشغل بتكون جواه"، تحكي آلاء عن أيام الجمعة والسبت والأحد، حيث تكون الأسر كلها موجودة، تتذكر المشهد ويفيض قلبها حنينا، تُشاهد زوجها يلعب مباراة كرة سلة مع الرجال، فيما يلهو إبراهيم مع أصدقائه، وتجلس ابنتها فاطمة ذات السبع سنوات داخل حلقة السيرة، فيما تنضم هي لصديقات المسجد، يشربون القهوة في الفناء الفسيح بعد صلاة العشاء، يتنفسون هواء أيام الإجازة بعيدا عن ضغوط الحياة.
تابع موضوعات الملف:
العالم يقيم الصلاة.. حكايات عودة المساجد في زمن "كورونا" (ملف خاص)
صدى لم ينقطع.. صلوات العمال ونس المسجد الحرام في الإغلاق
ليلة عيد للمصلين.. كواليس فتح المسجد النبوي بعد إغلاقه بسبب "كورونا"
الفتح المُصغّر.. أهل القدس يلتقون "الأقصى" بعد 69 يومًا من الغلق
عبر الإذاعة المصرية.. كيف نَقل"مدني" أجواء أول صلاة جمعة منذ إغلاق المساجد؟
أحلام المصريين بعودة الصلاة في الحرم.. التعلق بأستار الكعبة عبر التليفزيون (تقرير)
عودة مُفعمة بالألم.. حكاية فتح أول مسجد بألمانيا بعد 60 يومًا من إغلاقه
إعادة فتح مساجد إيطاليا.. إمام "ميلانو" من المنبر إلى دفن موتى "كورونا"
صلاة خلف الأبواب الموصدة.. أئمة وعُمال في حضرة المسجد رغم الإغلاق
المسجد "بيت" وصُحبة.. عودة أكبر مركز إسلامي في "فينيكس" الأمريكية
"غدًا يلتقي الأحبة".. مصريون يتلهفون للعودة إلى المساجد في زمن الكورونا
بقرارات صارمة.. أول العائدين إلى صلاة الجماعة في العالم رغم "كورونا" (تقرير)
"كالخروج من السجن".. حال عودة المساجد الأردنية خلال أزمة "كورونا"
فيديو قد يعجبك: