"غدًا يلتقي الأحبة".. مصريون يتلهفون للعودة إلى المساجد في زمن الكورونا
كتبت-رنا الجميعي وإشراق أحمد:
صورة رئيسية-روجيه أنيس:
حُزن شديد استقبل به المصريون خبر إغلاق المساجد في مارس الماضي، غمامة من الكآبة علت الأجواء، زادت مع انتشار فيروس كورونا المُستجد الذي حصد الكثير من الأرواح، ولمدة 3 أشهر غُلقّت بيوت الله في وجه الجميع، فيما ارتفعت الأيدي بالدعاء لرفع البلاء وإزاحة الكرب، ومع قرار الحكومة بعودة فتح المساجد، انفرجت الأسارير، مُتلهفّة للصلاة بين يدي الله، لعلّها تكون بداية الانفراجة.
أول أمس، حسب هشام سعد كم انقطع عن المسجد "ربع سنة مدخلتش الجامع دي حاجة محصلتش من 12 سنة"، غلبه الحزن ثانية، فدعا الله أن يلحق بمن عادوا إلى صلاتهم في "بيوت الله"، لذلك حين جاءته البُشرى، ظهر اليوم، بإعادة فتح المساجد، غمرت السعادة قلب ابن مدينة المنصورة "مش متخيل الفرحة فجر يوم السبت الجاي لما أروح الجامع".
200 مترًا تفصل سعد عن المسجد القريب من منزله، كان طيلة الأيام الماضية يحاول إيجاد البديل "بصلي مع زوجتي وأولادي الصغيرين لكن مفيش حاجة تعوض إحساس المسجد". يستعيد الشاب كم مرت الجمعة الأولى بعد الإغلاق ثقيلة عليه "كانت خنقة رهيبة. الواحد سليم والجو كويس والجامع قدامي وهصلي في البيت"، حينها لمس شعورًا حاول استحضاره مرات لكنه لم يفلح إلا تلك الأيام؛ تذكر المهندس الشاب وقت أن أمر النبي محمد (ص) الصحابة، قبيل صلح الحديبية، بالعودة دون إتمام مناسك العمرة تنفيذًا للعهد المعقد مع المشركين "متخيلتش إحساسهم إلا وأنا سامع الأذان ومش قادر أروح المسجد"، وكذلك الآن صار يعرف ما شعروا به حين عادوا للصلاة والطواف في مكة.
لم يكتف هشام بالفرحة وحده، شاركها مع أصدقاء ومتابعين له على صفحته بفيسبوك، أخذ يقرأ ردود الفعل بنشوة، لمسه أحد التعليقات "الحمد الله هارجع اسمع حي على الصلاة"، زاده ذلك حنينًا للذهاب إلى المسجد اليوم قبل الغد، لكنه بات على يقين بتفرد هذه الأيام العجاف "قرأت في كتب التاريخ. محصلش في تاريخ المسلمين كله أن المساجد اتقفلت كلها.. يعني أكتر من 1400 سنة.. أحنا في ابتلاء عظيم ربنا يؤجرنا عليه".
كذلك ينتظر أحمد مصطفى بفارغ الصبر يوم العودة إلى المسجد بمنطقة المعادي، يستعيد مكانه المعتاد وراء الإمام "في الصف الأول أو التاني بالكتير" يقولها الرجل الستيني مبتسمًا. منذ لازم المسجد في صلواته الخمس، قبل نحو 7 أعوام، ولم يفارق موطئه. صار له في "بيت الله" صحبة، إن تأخر عن ميعاده ترك له رفقته في المسجد فسحة حتى يأتي، وإذا غاب لا يُنسى "لو مروحتش الفجر ولا أي صلاة ألاقيهم بيكلموني يطمونوا عليا"، فيما حملت الأيام الماضية تواصل باهت "كنا بنبعت ونكلم بعض لكن مكنش زي اللقا في الجامع".
لم يغب مصطفى عن المسجد رغم الإغلاق، يقيم على بعد خطوات منه، ما إن يُرفع الأذان حتى يميز صاحب الصوت، وإذا خرج نظر إليه متفقدًا، فيما يتواجد قربه مرة كل شهر، إذ يشارك في تقديم المساعدات للمحتاجين التابعين للجمعية الملحقة بالمسجد، وقتها ينطفئ شوقه بعض الشيء "الجمعية ليها باب بيوصل للمسجد كنا نفرين تلاتة نصلي ونقفل على طول وأحنا واخدين احتياطاتنا"، كان أثر ذلك يطول "لما بصلي في المسجد بحس بفرحة ونشاط. بحس أني رجعت شباب".
طيلة الشهور المنقضية واصل الرجل الستيني الصلاة في المنزل، منفردًا وبصحبة أسرته، لكن شيئًا ظل يفتقده "الخشوع في السجود بالمسجد خاصة لما الواحد يختلي بنفسه له حلاوة مختلفة"، يتلهف مصطفى لاستعادة الروح الغائبة مع اليوم الأول لفتح المسجد.
لقاء الأصدقاء أيضًا هو ما افتقده محمود السيد، بالإضافة إلى الصلاة في المسجد "كنا متعودين نتقابل في الجامع، دا أحلي من أي ترتيبة تانية"، فرحة استقبل بها السيد خبر عودة المساجد، اعتاد الرجل الأربعيني الصلاة بالمسجد المجاور لبيته، بمنطقة طرة، على مدار 10 سنوات، حتى أن قلبه استوحش قضاء رمضان الماضي دون "التراويح"، فقرر الصلاة برفقة أهل بيته أعلى سطح منزله "كنت مفتقد الروحانيات في المسجد فحاولت أدخل البهجة على أهل بيتي والأطفال"، كذلك فعل في صلاة العيد مع أهل بيته "وجبنا بلالين فرحنا بيها العيال".
كذلك فرح ابنه حمزة كثيرًا، لأنه يعلم أن والده سوف يصطحبه معه "حمزة نفسه يخرج لأي سبب"، يقول السيد ضاحكًا.
لم يأخذ السيد وقت في التفكير للصلاة يوم السبت المقبل في المسجد، سيصلي بالطبع، خاصة مع توقف عمله بسبب أزمة "كورونا" التي أثرت على العديد من القطاعات، وبذلك يقضي في منزله أوقات كثيرة، وقريب من المسجد، غير أنه سيتخذ احتياطاته من ارتداء للكمامة، وحفظ مسافة بينه وبين جاره المصلي، كذلك اصطحاب مُصليّة خاصة به اتقاء لشر العدوى.
وقد حددت وزارة الأوقاف عدة ضوابط لفتح المساجد، أولها أن الصلاة بالمسجد للصلوات اليومية فقط، مع تعليق إقامة "الجمعة" لحين إشعار آخر، وتم التأكيد على عدم فتح دورات المياه نهائيًا، وكذلك دور المناسبات اللاحقة بها، وعدم إقامة أية دروس أو ندوات وكذلك عدم فتح مصليات السيدات، مع الإلتزام بالتطهير والتعقيم المستمر ووضع علامات التباعد بين المصلين.
منذ أعلن خبر العودة، ولم يتوقف هاتف يسري محمد عن الرنين، يستقبل إمام مسجد شبرا الخيمة اتصالات ما بين المباركة والتأكد من الخبر، آخرها من ابن أحد رفاق "دكة الاحتياط"، الوصف الذي يداعب به الشيخ صفوف كبار السن الملازمين الجامع، أصر الرجل المسن سماع الخبر من الإمام، أخبره الابن "والدي بيقول لك المسجد فتح فعلاً يجي يصلي النهاردة"، يصحح له الشيخ يسري بأن موعدهم السبت.
فرحة مختلفة ذاقها إمام المسجد، رغم أنه كان الملازم الوحيد له وقت غياب الجميع، كأنما العيد يحلّ من جديد، ثلاثة أيام تفصل يسري عن عودة الرفقة، رفع الأذان كاملاً، إقامة الصلاة ولذة الدعاء قبلها؛ غاب النوم من عين الإمام، يمر بالشارع المتواجد فيه الجامع، يستوقفه العابرون، هذا يخبره "أحنا هنعلق كهربا في الشارع. من النهاردة فرح"، وآخر يبادر بالتحضير للحدث المنتظر بإحضار الكحول والكمامات لتوزيعها على المصلين، فيما ينتظر يسري تشوقًا تعليمات وزارة الأوقاف لوضع المسافات داخل المصلى قبل عودة الغائبين.
كان أمرًا موحشًا بالنسبة لمحمد حسن ألا يسمع صوت آذان الصلوات الخمس، عبر المسجد الذي يسكن أمامه مدة قرابة الأربعين عامًا في مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، حيث قررت وزارة الأوقاف في 21 مارس الماضي غلق المساجد للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، حينها سكت مسجد شلباية بسبب تخبط في التنفيذ، فبعدها بيومين أذيع الآذان مُجددًا عبر ميكروفون الجامع، كما يحكي حسن، "وقتها الكآبة اللي حستها قلّت شوية".
لكن ذلك لم يمنع حسن من افتقاده الصلاة داخل المسجد، حيث اعتاد لسكنه قربه أن يصلي فيه جميع الصلوات، كانت أوقاتًا صعبة بالنسبة لحسن طيلة الثلاث شهور الماضية، ولم يُصدّق حين تلقى قرار الحكومة بعودة المساجد، السبت المقبل، فما كان منه إلا أن ابتسم ابتسامة كبيرة، وارتاح قلبه.
سعادة غامرة أيضًا أخذت نفس الشيخ أحمد خليفة، إمام مسجد بمديرية أسيوط، كان يدعو ربه لأن يزيح الغُمّة، مُتأكدًا أن قرار الإغلاق كان صحيحًا، رغم الحزن الذي عانت منه القلوب بسبب ذلك "لأن ربنا قال واسألوا أهل الذكر، وأهل الذكر هو كل شخص عليم بمهنته، وفي الحالة دي هما وزارة الصحة ومجلس الوزراء".
وطيلة الثلاثة أشهر كانت تلقى على مسامع الإمام تعليقات سيئة، حيث كان يُشرف على 10 مساجد، بجانب مسجده، وفي كل مرة يقوم فيها بالتأكيد على غلق المسجد والتقاط الصور له وهو مغلق، فيسمع ما لا تسره أذنه "اللي بيقولنا انتوا اللي قفلتوا المساجد، واللي قال انتوا مبتصلوش"، حُزن يصيب قلبه من جراء تلك التعليقات، ولكنّه كان مُوقنًا من أن للغمة جانب آخر "كنت باجي جمب المنبر وببكي بسبب قفل المسجد".
تغيّرت الأيام، وبعد أن كان الشيخ خليفة مُشرفًا على غلق المساجد، الآن يقوم بالتأكيد على تعقيمها وتطهيرها من أجل فتحها للمصلين يوم السبت المقبل.
تابع موضوعات الملف:
العالم يقيم الصلاة.. حكايات عودة المساجد في زمن "كورونا" (ملف خاص)
صدى لم ينقطع.. صلوات العمال ونس المسجد الحرام في الإغلاق
ليلة عيد للمصلين.. كواليس فتح المسجد النبوي بعد إغلاقه بسبب "كورونا"
الفتح المُصغّر.. أهل القدس يلتقون "الأقصى" بعد 69 يومًا من الغلق
عبر الإذاعة المصرية.. كيف نَقل"مدني" أجواء أول صلاة جمعة منذ إغلاق المساجد؟
أحلام المصريين بعودة الصلاة في الحرم.. التعلق بأستار الكعبة عبر التليفزيون (تقرير)
عودة مُفعمة بالألم.. حكاية فتح أول مسجد بألمانيا بعد 60 يومًا من إغلاقه
إعادة فتح مساجد إيطاليا.. إمام "ميلانو" من المنبر إلى دفن موتى "كورونا"
صلاة خلف الأبواب الموصدة.. أئمة وعُمال في حضرة المسجد رغم الإغلاق
"ونس في بلاد الغربة".. حكايات العرب مع فتح المساجد في أمريكا
المسجد "بيت" وصُحبة.. عودة أكبر مركز إسلامي في "فينيكس" الأمريكية
بقرارات صارمة.. أول العائدين إلى صلاة الجماعة في العالم رغم "كورونا" (تقرير)
"كالخروج من السجن".. حال عودة المساجد الأردنية خلال أزمة "كورونا"
فيديو قد يعجبك: